ثورة يونيو.. إرادةُ أمة وتمكينُ قائد

تحقيق – صبري الموجي
(إذا الشعبُ يوما أراد الحياة،،،، فلابد أن يستجيب القدر) هو مطلعُ قصيدة لشاعر تونس العظيم أبي القاسم الشابي، والذي استلهمه المصريون جيدا في ثورة ٣٠ يونيو، إذ خرجت منه جموعٌ غفيرة، تُطالب برحيل حكم الإخوان، وتولية المشير عبد الفتاح السيسي حكم البلاد.
عن بعض الآثار الثقافية لهذه الثورة، كان هذا التحقيق…
في البداية عبَّرت الكاتبة والقاصة د. كاميليا عبد الفتاح عن إيمانها بثورة يونيو وما حققته من نتائج إيجابية علي كافة الأصعدة بقولها: تُطرحُ ثورة يونيو 2013م بصفتها ثورة سياسية ، لكنَّ تأمّل وقائعها، سماتِها، نتائجَها، يُفضي إلى القول بأنها ثورةٌ انتفض فيها الشعبُ المصري من منطلق وعيه الشاهق بهويته الحضارية، بذاته القومية ؛ لاسترداد هذه الذات من مخطط استلابها واختطافها .

وأكدت د. كاميليا أن ثورة يونيو هي نجاحٌ للهوية والحضارة، للشعب والقائد، للجيش والشرطة، للفكر والفن، للحرية والالتزام معا .
واستطردت د. كاميليا: من الصعب في هذه الوقفة القصيرة وصف أثر ثورة يونيو في الحياة الثقافية والابداعية، لكني سأكتفي بالإشارة إلى أثرها – في رأيي – في تحول كثيرٍ من الأدباء إلى كتابة السرد الروائي، لأنه الجنس الإبداعي الذي يحتمل طرح الأسئلة المتعلقة بمصير الذات الفردية والجمعية، يستوعبُ مساءلة التاريخ، واستبطان الشخصية الحضارية وشغف الهوية، ولعل ارتكاز كثيرٍ من كتّاب السرد على “التيمات التاريخية” يؤكد ما افترضتُ من أثر الثورة في هيمنة السرد على المشهد الإبداعي .

وعن إنجازاتها الثقافية والأدبية التي تحققت في عهد ثورة يونيو، تقول د. كاميليا: إن أثر العنفوان الذي مس الروح والفكر في هذه المرحلة أكبر من أن يُقاس بانعكاسه في مؤلف بعينه، لأنه إلهامٌ مُمتد ، ومبدأٌ دائم، ولذلك أوقنُ بأنّ الحرف الذي لم يُقل بعد هو الأكثر قدرة على تجسيد الرؤى، ومع ذلك تبدى أثرُ ثورة يونيو في توقي إلى اقتراح منهجٍ دراسي مُستقل لطلاب المرحلة الجامعية حول الأدب المصري منذ جذوره المصرية القديمة، حتى نماذجه المعاصرة، و قدمتُ خطة تفصيلية لهذا المنهج أرفقتها بورقتي البحثية التي شاركتُ بها في مؤتمر أدباء مصر بمطروح، كما عكفتُ على تحليل سمات الشخصية المصرية في نموذج مُبهر من نماذج الإبداع المصري المائز ، هو إبداع عبد الرحمن الأبنودي ، وذلك في كتابي ” مقومات السرد في الشعر الحكائي ، أحمد سماعين للأبنودي نموذجا ” الحائز على الجائزة الأولى في مسابقة الأبنودي بمكتبة الإسكندرية.

وعن رؤيتها لآفاق المستقبل، تقول د. كاميليا عبد الفتاح: تؤكد الجهود السياسية أنَّ الحفاظ على الهوية شرطٌ أساسي للتنمية وتحقيق الأمن، وأنَّ التنمية والاستقرار الأمني شرطان أساسيان للحفاظ على الهوية وسماتها الحضارية المائزة، بمعنى آخر : لم يكن الإصلاحُ الاقتصادي والتنمية ليكفي وحده للحفاظ على شخصية مصر، ولم يكن تعزيز القوات المسلحة، وحماية حدود مصر كافيا وحده، كان لا بد من بذل الجهود المُضنية في المضمارين، فمصر كانت مُختطفة ، والمُختطف تشغله النجاة، والعودة إلى دياره، وديارنا في هذا السياق هي شخصيتنا المصرية المعروفة بركائزها ومقوماتها، وظل الأمنُ الهاجسَ الأول لمن تعرض للاستلاب، لكنه لا يشغله عن تحقيق شروط الحياة الكريمة، وهذا ما أتابعه في كل خطوة تخطوها القيادة السياسية.

ومن ناحية أخري أكد الناشر أسامة إبراهيم سلمان عضو اتحاد الكتاب وصاحب إحدي دار النخبة للنشر والتوزيع أن هناك فارقا بين الفترة قبل ثورة 30 يونيو وبعدها، فقد عانت مصر ركودا اقتصاديا علي كافة المستويات قبل ثورة يونيو، وهو ما ألقي بظلاله القاتمة علي صناعة النشر في مصر، فتوقف عددٌ كبير من تلك الدور عن العمل في هذه الصناعة المهمة؛ مما أثر سلبا علي قطاع كبير من العاملين بها من فنيين ومدققين لغويين وتجار أوراق وأحبار ومُلاك دور نشر أيضا، بل حدث تجميدٌ كامل لمعارض الكتب العربية والدولية، واختفت حفلات توقيع الكتب، واستمرت هذه المعاناة حتي انبلاج ثورة يونيو المجيدة، فاختلف الأمرُ تماما عن ذي قبل إذ أدي حدوث الاستقرار الاقتصادي بعد أن عادت مؤسسات الدولة إلي ممارسة نشاطها إلي انتعاش كثير من القطاعات ومنها الثقافية، فعادت دور النشر تُمارس دورها وبقوة، وكثرت حفلات توقيع الكتب، وأقيمت المعارض المصرية والعربية، وجني ثمار هذه النهضة العاملون بصناعة النشر، الذين يدينون بالفضل لثورة يونيو المجيدة.

وأضاف أسامة: وحتي لا يكون كلامي مُرسلا أؤكد أن دار “النخبة” التي أرأس مجلس إدارتها والتي تتعامل مع المفكرين والأدباء من مصر وخارجها قد جنت ثمار تلك الثورة بعدما عادت الثقة بيننا وبين المتعاملين معنا من جديد بعد استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية داخل مصر، فبعد أن كانوا يحجمون عن التعاون معنا نظرا لما تموج به مصر قبل ثورة يونيو من فتن واضطرابات، عادت الثقة وزاد التعاونُ الذي كان من آثاره الانتعاش الثقافي الذي بلغ ذروته حتي جاءت الجائحة العالمية فيروس ” كورونا المستجد” ذلك الوباء الذي عطّل حركتنا من جديد، ولكن كلنا أمل في أن يتغلب العالم عليه لنعود لسابق رواجنا وانتعاشنا.

وفي كلمته عن ثورة يونيو أكد الناقد والروائي الكبير د. حسن البنداري أن ثورة 30يونيو تُمثل نقطة تحول فى السياسة المصرية من نظام مُرتبط بجهات خارجية ومخابرات دول معادية إلي نظام وطني، وهو ما آمنت به طوائف الشعب المصرى ومنها المثقفون الذين عبروا عن مواجهة ذلك الفكر الظلامي، وتأكيد مبادئ الثورة بأعمال إبداعية نوعية لأدباء تمثلت فى الفن القصصى والفن الشعرى والفن المسرحى والفن التشكيلى، فاستجاب مبدعو هذه الأعمال لهذه الرؤية الثورية التى تؤيد الحرص على سلامة الوطن ورعايته.

وأضاف د. البنداري: ومن منطلق إيمان المبدعين بثورة يونيو فقد عارضوا ورفضوا جميع محاولات المساس بهذه الثورة العارمة بأعمالهم الإبداعية، تلك المحاولات المضادة التى تمثلت فى عمليات إرهابية جبانة على حدود الوطن وداخله، فأفرز هذا الحرصُ الواعى أعمالاً أدبية وفنية نراها فى كتابات كثيرة منها رواية ” تحت الأحزان ” التى كتبتها 2012م ، ورواية “أحزان حمزة” التى آمنت شخصياتُها في مختلف أعمارها بضرورة المحافظة على ثورة 30يونيو، ومواجهة الخارجين عليها، وكذلك روايتي ” سهام غير شاردة ” التي يكشف نص في آخر مشهد فيها عن مدي إيمان جموع الشعب بثورة يونيو المجيدة، وضرورة المحافظة عليها، فقد جرى حوار بين العقيد شرطة “مراد الجيوشى” والدكتور حازم المنصورى حول حوادث الاغتيال المُتكررة التى يقيدها البحث الجنائى تحت عنوان “ضد مجهول” يقول حازم المنصورى للعقيد مراد:

– هل سنسلم فى المستقبل بأن تُقيد الحوادث المتكررة “ضد مجهول”؟.

فقال بصوت حافل بالأمل:

– لن تُقيد أية قضية ضد مجهول إلى الأبد، ممكن تُقيد لبعض الوقت، لكن سيُفتح بابُ التحقيق فيها مهما طال الزمن، علينا الآن أن ندع الشرطة فى إجراءاتها، وأن نفكر فى إمكان “تغيير” أرى بوادره فى “حركة تمرد” النامية يواكبها “زحفٌ بشرى” يتشكل من جميع طوائف الشعب.

ومن داخل ثنايا النص ينطلق صوت البنداري وأضفت أقول :

فعلاً.. شاهدتُ الزحف وأنا قادمٌ، وبثت قنوات التليفزيون تدفق الزحف منذ صباح 28يونيو 2013م على شوارع وميادين المدن، والقرى، والنجوع. تجأر أصوات الزاحفين وتنادى منذ صباح اليوم 30يونيو بسقوط النظام، ورحيل الرئيس، كما تدعو أصواتهم إلى ضرورة استجابة القوات المسلحة لإرادة الشعب فى إرساء خارطة طريق لمستقبل جديد..

ويستطرد د. البندارى: ولتأكيد إيماني بهذه الثورة المجيدة توالت أعمالي مثل “أناهيد زهرة القمر” ، ورواية “باسيل ومارسيل”، و”ثورة هاميس”، كم ظهرت مجموعاتي القصصية المؤمنة بالرؤية الثورية : “الصياح فى الوديان” ، و”طائر الحب الحزين”، و”تغريدة البلبل”، و”مرايا الحب “، وكان آخرها “بوح الترانيم ” التي نشرت 2019م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى