قراءة تحليلية في نص ” أيقونة الياسمين ” للشاعرة السورية ناهد بدران

سي مختار الحمري | المغرب

أولا – النص: أيقونةُ الياسمين 

لألفِ مرّةٍ بعد غروبِ البوح
أحملُ في وتيني شجرةً من نور
نوّارها قناديلُ مضاءةٌ بزيتِ عروقي
عشّش على أريكتها طائرٌ غائرُ العينين
لمْ ينمْ مذ شدّ الأفق .. وسادة اللّحن !!
هلْ سمعتَ أغنيةَ النّهرِ أيّها الغرّيد ؟؟
كانتْ على أنغامِ المجاذيفِ تصنعُ القافية
بهديرِ الشّلالِ تخيفُ وحشَ البحر
المتمدّدِ بين شعابِ الرّوح ..
ينفقُ على جوعهِ من ريعِ الأصداف ..
و شاءتْ الصّدفُ يا اكسيرَ نبضٍ معتّقٍ
بتراتيلِ الياسمين
أن أشربَ نخبَ عينيكَ دمعَ القصيد
أن أسهرَ و الشّرفاتُ النّائيةُ لا تتقنُ
الحديثَ مع القمر
لا تفقهُ عبقَ الحواري ..
أحاولُ شربَ كأسِ النّورِ قبلَ أن تتجعّدَ
ملامحُ الشّمسِ حينَ تنزلقُ مهووسةً بالخضابِ ..
أحاولُ إشغالها بفقاعاتِ بوحي
تخرجُ من غرغرةِ صدرٍ جوّفهُ النّوى ..
في عروقٍ تصلّبتْ من التهامِ دسمِ القهر
كلّ شوقٍ قاتمٍ ..!! أشعلُ ثقابَ النّارنج
و على جسدِ بيوتٍ تساندتْ أمدّ شِعري
أغسلُ آخر قصيدةٍ كتبتها بدمعِ الزّيتون
أشربُ نقيعها لسعالِ قلبٍ شفّتْ نياطه
أتهجأُ ما بينَ السّطور
ها أنتِ هنا .. تنمّقينَ الصّدى الّذي
شاخَ على وجهِ النّداء .
يا أولَ بياضٍ فُلقَ من آياتِ الضّحى
قد أقسمَ الياسمينُ أن يطويَ شتاءكِ
فاكترى أيقونةَ النّسغِ و فاض مدد .

الحنين الى الوطن: مفهوم الغربة والإغتراب
الحنين الى الوطن: هو طبيعة في النفس البشرية ، فالوطن انتماء ، ولاء ، حب وحنين ، وفاء وشوق للأهل والأحبة والأصحاب والمكان ، وعن رسول الله (صلعم) يقول : ”حب الأوطان من الإيمان ”
الغربة : النوى ، والبعد عن الوطن والأهل وكثيرا ما تكون قسرية بسبب ما يتعرض له الإنسان من ظلم ، اضطهاد أو خوف أو ظروف معيشية صعبة.. وقد تكون اختيارية لتحسين ظروف الحياة
الإغتراب : يدل على الإحساس الذاتي بالغربة أو الإنسلاخ سواء عن الذات إو الآخرين والاغتراب قد يكون طوعي يختاره الإنسان لأسباب كعدم الإنسجام مع المجتمع والعجز عن الإنتماء اليه لعدم الرضا عن التقاليد او العادات والأعراف والإختلاف مع الفكر والمعتقد السائد وكثيرا مايشعر المغترب بالوحدة والعزلة والفراغ النفسي والشعور بافتقاد الأمان والطمأنينة ….وانواع الإغتراب متعددة منها :الإغتراب عن الوطن – الإغتراب داخل الوطن -الإغتراب عن المجتمع – الإغتراب عن الذات – وكل هذه الأنواع مريرة وقاسية ويشعر صاحبها بالألم والوحشة والمرارة ولعل أقساها هي الغربة داخل الوطن بسبب الظلم والإضطهاد والخوف والفقر والحرمان
من أقوال علي بن ابي طالب رضي الله عنه :” الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن”…..
وقد أشار االشاعر والناقد المغربي أحمد المجاطي في كتابه ”ظاهرة الشعر الحديث” الى الغربة والضياع في الشعر العربي الحديث فأشار الى تنوعها في اشعار المحدثين ( أدونيس ، صلاح عبد الصبور ،بدر شاكر السياب ، يوسف الخال …) لتشمل الغربة في الكون ،في الحب ، في االمدينة ، في الكلمة ….

العنوان :
أيقونة الياسمين : عنوان جميل ومثير لحاسة الشم لما تصدر منه من روائح زكية طيبة ، محفز على التفكير في الحضارة والتاريخ الممتد عبر العصور وعلى طول وعرض الجغرافية العالمية فأول ما يتبادر الى الذهن بسماع هذه النبتة وزهورها السحرية حوض البحر المتوسط وعلى الخصوص الشام حيث تستخدم بكثرة في صناعة العطور وفي تأثيث المكان
الياسمين جنس نباتي يضم حوالي 200 نوع تنتمي الى الفصيلة الزيتونية تنمو بالمناطق المعتدلة مناخيا من العالم القديم خاصة حوض البحر المتوسط
ارتباط الياسمين بدمشق :
لهذه الزهرة السحرية ارتباطا وثيقا بدمشق ولها قيمة معنوية عالية بالنسبة للسوريين حيت تحولت الى رمز لعاصمتهم وارتبطت بتاريخ الشام و هي منتشرة في بساتين غوطتها و على شرفات منازلها و تشكل اهم مميزات البيت الدمشقي ورائحتها الجميلة العبقة توفر الهدوء والراحة النفسية ….
ارتباط الياسمين بالشعراء :
اكثر من تغنى بياسمين دمشق وبياضه الناصع في عصرنا هذا كان ( نزا ر قباني ) الذي أهدته دمشق ( أبجدية الياسمين ) كما يقول ، ففي الكثير من قصائده يذكر الياسمين الدمشقية الى درجة أنه أوصى في آخر حياته أن يدفن في التراب نفسه الذي نبتت فيه حبيبته ياسمينة دمشق التي يعتبرها الرحم الذي علمه الشعر والإبداع… وقد حدا حدوه الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي تغنى أيضا بالياسمين الدمشقي ولم يقتصر الأمر عليهما فقط بل قد فعل الكثير من الشعراء ممن سبقهم او من جاؤوا بعدهم والنص الذي امامنا خير دليل على ذلك…….
الايقونة : علامة ، رمز ، تمثال مصغرلشخصية دينية ، يقصد بها التبرك ، غلاف صغير من فضة او ذهب تحفظ فيه ذخيرة من ذخائر القديسين وتعلق في العنق ويقابلها (( الحرز ))
هي علامة أو رمز على مكتب الحاسوب لملفات مخزنة في قرصه الصلب ، هي علامة على حساب على الفايس بوك أوغيره…
الأيقونة : صورة القديس عند المسيحيين أو تمثال لشخصية دينية وبالتالي فهي مرتبطة بالجانب الروحي الديني اللاهوتي ولا تخلو من اسقاطات سحرية مما سيجعلنا وطيلة تحليل النص تحث تاثير موجات روحية ملهمة وعميقة الأبعاد قد تقودنا الى البعد الخامس الروحي
العنوان كما يبدو من خلال أول مقاربة ”عنوان إختزالي’ لما سياتي في النص الشعري وبالتالي سيكون معناه ” دمشق ” أو سوريا أو بلاد الشام لكن السؤال الذي سيطرح : هل يمكن اختزال بلد او مدينة من حجم دمشق دون البحث في ملفاتها المخزنة في الاقراص الصلبة لواقع حالي او عبر التاريخ ؟؟ فاذا اخرجنا خرائطنا التاريخية لن نجد حدودا لنفوذها وتاثيرها في التاريخ قديمه وحديثه الى حد الآن حتى وهي في زمن التشردم والتشظي لها مكانتها وتاثيرها في وجدان كل العرب ان لم نقل كل العالم وان نظرنا في الخرائط الحضارية وجدناها منبت الحضارات فقد قامت بها الحضارات من قبل 4000ق.م حضارة الكيش والأموريين والكنعانيين والفينيقيين والأراميين والكلدانيين …..وكانت على الدوام صلة الوصل بين الشرق والغرب عبر كل العصور التاريخية وبين العديد من الحضارات النهرية حضارة الرافدين والنيل والحضارة اليونانية …
واذا نظرنا الى الخرائط الدينية سنجد انها مهد الديانات السماوية الإبراهمي
ملاحظة ان المنطقة تتعرض لهجمة استعمارية جديدة شرسة قاربت 100 سنة من لدن القوى الغربية وهذا لا يمكن تفسيره الا لمكانتها الجغرافية الاستراتيجية ( الجيوسياسية ) ولتاريخها الحضاري العريق …
سنقتحم النص وظل هذا التاريخ الحضاري الديني الانساني يخيم على فكرنا علنا ننجح في فك بعض رموزه وشيفرته … والاضاءة على بعض جوانبه المرئية واللامرئية

النص:
لألف مرة بعد غروب البوح
أحمل في وتيني شجرة من نور
نوارها قناديل مضاءة بزيت عروقي
عشش على اريكتها طائر غائر العينين
لم ينم مذ شد الافق .. وسادة اللحن !!
هل سمعت أغنية اللحن ايها الغريد ؟؟
كانت على انغام المجاديف تصنع القافية
بهدير الشلال تخيف وحش البحر
المتمدد بين شعاب الروح
ينفق على جوعه من ريع الأصداف
الشاعرة تؤكد بشكل قاطع ” نهائي” لا رجعة فيه ”لاف مرة ” بعد غروب البوح ، بعد التزام الصمت والتوقف عن الكلام المباح وكأننا في حكايات الألف ليلة وليلة والتي يرادف الموت فيها توقف الحكي.. ومع توقف الجدل ومحاورة النفس والأفول والغروب بمقارنته بغروب الشمس وحلول الظلام ، في كل هذه الحالات التي يكون فيها التهديد بالموت والظلام والصمت فالشاعرة ستظل تحمل في قلبها شجرة من نور وهنا تم الجمع بين مصدرين للطاقة لا ينضب معينهما فالنور يعني القوة والمعرفة الحقيقية المشعة في الأذهان والشجرة تحيل الى الفكر والى الجدور” الفكر المتجدر ” والى الحياة وبالتالي الى امكانية ان تتثمر فكرا حيا نابضا بالحياة في استدامة منقذا من الورطات ، اجتماع النور والحياة دليل على الرغبة العميقة الاشد حرصا على تجاوز المحن و وفتح المجال امام حياة مضيئة مزهرة ومثمرة يقول سبحانه وتعلى : {{نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثل للناس والله بكل شيء عليم }} ( النور :35) …
هذه الشجرة أزهارها قناديل مضاءة بزيت عروق الشاعرة بدمها وماانجبته الأرحام من خلف كوقود يضمن استمرار تواجد شعلتها ونورها … لكن على أريكته عشش طائر .. نجهل من يكون ؟؟ غائر العينين ..!! يظهر حزنا عميقا دفينا ”يذكر بلحظة الاحتضار” او بالغدر او الخيانة وهو طائر قد يكون قدومه من مكان بعيد او محلي استولى على الشجرة عن طريق الطيران بطريقة معينة …الأريكة تعني المكان الصالح للجلوس والإستراحة بل و الأفضل مما يعني أنه في وضع مريح … ترى من يكون هذا الطائر ؟؟ والى ماذا يرمز؟؟ والى اي جهة ينتمي ؟؟ هو لم ينم منذ تشنج الأفق وسحبه وربطه بوسادة اللحن .!! قد نلمس هنا انقطاعا في خط الفهم الذي نريد رسمه فورود نقطين قد تعني فاصلة او حذف معين واضافة علامتي تعجب امام وسادة اللحن لها دلالة خاصة.. فاي لحن هو المقصود في النص ؟؟ وكيف تم الاستلاء عليه ؟؟ وياتي الجواب على شكل جملة استفهامية تستفسر القابض على وسادة اللحن والأفق .. هل سبق له أن سمع أغنية اللحن ؟؟ .. لتنخرط الشاعرة في تفسير مكونات الأغنية اللحنية فقافيتها كانت تصنع على أنغام المجاديف في اشارة الى السفن وهي تمخر عباب البحر علي ايقاع ولحن ارتطامها بالماء في حركة السواعد القوية لتندفع ا الى الامام في رحلتها تذكيرا بامجاد سوريا وما لعبته من دور في حضارة البحر المتوسط مهد الحضارات العالمية … وكانت بهدير الشلال تخيف وحش البحر ” الكائن الخطير” المتمدد بين شعاب الروح و المحتمل قدومه من البحر لكنه ذو طبيعة روحية يمكنها التمدد روحيا لهذا نعتبره موجات روحية ايمانية او دينية تنسل في هدوء الماء الى شعاب الروح بكل تلاوينها لتتغدى على ريع الاصداف التي تعني على العموم ” الأصداف البحرية” وماتنتج من خيرات ودرر وهي كائنات مسالمة قد ترمز الى الناس البسطاء الذين اعتنقوا فكر دينيا بسيطا سطحي يسهل استغلالهم كثروة او كوقود من طرف الوحش البحري الخطير لزرع افكاره في ارواحهم بعد اسكات الشلال الهادر البري الذي قد يشير لكل مقومات الذات والهوية الثقافية والحضارية التي كانت تشكل دوما واجهة لصد الطامعين والمتسلطين لكن اصابها الوهن والانكسارات …
وشاءت الصدف يا اكسير نبض معتق
بتراتيل الياسمين
أن اشرب نخب عينيك دمع القصيد
أن اسهر والشرفات النائية لاتتقن
الحديث مع القمر
لا تفقه عبق الحواري
أحاول شرب كأس النور قبل أن تتجعد
ملامح الشمس حين تنزلق مهووسة بالخضاب
أحاول اشغالها بفقعات بوحي
تخرج من غرغرة صدر جوفه النوى
في عروق تصلبت من التهام دسم القهر
وشاءت الصدف ، القدر و الظروف الغير المتحكم فيها ..يا اكسير نبض معتق .. ايها العقار او المشروب الاسطوري المعتق الذي ننتظر منه ان يمنحنا حياة ابدية لقلوبنا بتراتيل الياسمين ان اشرب تكريما لك واحتفاء بك وتيمنا دمع القصيد كما تقول الشاعرة اي كلام فيه حنين وحسرة والم ووجع وان تسهر وهي في تفكير و تأمل عميق تحت تاثير حبها الكبير لبلدها ايقونة الياسمين لكن الشرفات البعيدة لا تتقن الحديث مع ماتعتبره قمرا بعيدا في الاعالي والذي قد يرمز الى الوطن والشرفات الى بلد الغربة والتي لا تفهم عبق الحواري اي التلميذ او المريد الظريف المتجرد من كل ارادته امام حبه لشيخه او معلمه او الى وطنه . يمكن ان نفهم محاولة الشاعرة شرب كاس النور قبل ان تتجعد ملامح الشمس. بان الضوء او النور المعني يتخد حالات فيزيائية متعددة فمن موجات مرئية ”الوان قوس قزح ” او غير مرئية الى سائل في كاس يمكن شربه الى حالة صلبة يمكن ان تتجعد فماذا ياترى تعني الشاعرة مجازيا بالنور فهو عامة يشير الى العقل ،الفكر ، الاشعاع والطاقة البناءة وقد يتماشى مع المراد والمطلوب فيتحول الى شيء سائل تستساغ عملية شربه لكي يتم تقبله وتبنيه عمليا و حسب الشاعرة ان لم نسرع قد يتجعد مصدره اي ملامح الشمس فيصبح النور صلبا غير قابل للشرب وخاصة عندما تنزلق الشمس مهووسة بالخضاب ، من الناحية البيولوجية قد نتكلم عن اليخضور في النباتات ( الخضاب ) والذي على مستواه تتم عملية التركيب الضوئي التي هي اساس نمو وازهار واثمار النباتات لتعم الخيرات وتحتاج هذه العملية للطاقة التي تستمدها من اشعة الشمس .. كما ان الخضاب قد يعني الخضاب الدموي الناقل للاؤكسجين لمختلف اعضاء الجسم وهنا من الناحية المجازية يمكن اعتباره انتقال الفكر المتجعد الذي لا يرى الا مصلحته بطريقة شوفينية ويصبو الى استعمال القوة ليعم كل الارجاء ولتحمله المورثاث المنقولة الى الاجيال اللاحقة والحالتين معا تفيدان تقريبا نفس الشي اما عدم مرور الفكر السائل او هيمنة فكر متجعد مضر .. وحتى لا يحصل ذلك تلجا الشاعرة الى عملية الإلهاء بفقاعات البوح التي تعبر عن فكر لامحتوى له لان الفقاعات عندما تنفجر لا تسفر عن شيء اذا مجرد اوهام تخرج من صدر يجد صعوبة كبيرة في التنفس بفعل البعد الذي احدث فيه تجويفا عميقا نجمت عنه غرغرة او حشرجة او صفير وعروق دموية تصلبت بكثرة ما تناولته من دسم القهر وكاننا هنا امام مقارنة بين تصلب الشرايين بفعل الذهون المتربسة بجوانبها الداخلية على شكل ”كوليسترول” غير نافع // والوجع والالم الذي يعيشه الفرد المقهور من جراء الظروف والاوضاع المزرية التي يعرفها الوطن مما قد يسبب في انسداد الافق // انسداد الشرايين قد ينجم عنه البثر وانسداد الافق قد ينجم عنه الانفصال والتشردم على مستوى الوطن ….
كل شوق قاتم ..!! اشعل ثقاب النارنج
وعلى جسد بيوت تساندت امد شعري
اغسل آخر قصيدة كتبتها بدمع الزيتون
اشرب نقيعها لسعال قلب شفت نياطه
اتهجا مابين السطور
ها انت هنا.. تنمقين الصدى الذي
شاخ على وجه النداء
ياول بياض فلق من ايات الضحى
قد اقسم الياسمين ان يطوي شتاءك
فاكترى ايقونة النسغ وفاض مدد
الشوق الى البلد قاتم لما يحصل ولما يصل كاخبار سيئة يجعل الشاعرة تشعل عود ثقاب اشجار ”النارنج ” شجرة تنتمي الى الحمضيات وهي تزين بها الطرقات او الدروب او الحدائق وتعطي ازهارا لها رائحة طيبة و ثمارا كسائر الحمضيات والشاعرة تشعل الذاكرة لتتذكر الطرقات والدروب وكل الاماكن التي كانت ترتداها .. وتمد شعرها على بيوت تساندت تضامنت في بقاءها أو تهاوت و عمها الخراب
اغسل اخر قصيدة كتبتها بدمع الزيتون في اشارة الى ان ما اصاب البلد حتى اشجار الزيتون تبكيه وهي رمز السلم والامان والاصل والانتماء الى حضارة البحر المتوسط حيث تتواجد هذه الشجرة المعمرة والمباركة والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم في عدة مواقع يقوله تعالى :{{ والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الامين }} (التين 1-3) وذكر دموع هذه الشجرة المباركة دليل قوي على ما وصلت اليه الاحداث من خطورة بالغة …
وستشرب الشاعرة نقيع القصيدة كدواء لسعال قلب مريض بحب الوطن رقت نياطه (خيوطه ) بفعل الشوق والحنين و الالم والحسرة لما يعرفه من احداث خطيرة … وتتهجا ماتخفيه السطور اي ماهو لا مرئي او لا مفكر فيه في القصيدة علها تجد ما يساعد ويوضح الرؤية .. متوجهة الى الذات الشاعرة في صيغة المخاطب تقول ها انت هنا .. تنمقين وتزخرفين مايصلك من اصوات على شكل صدى شاخ وتجاوز اوانه وفقد حيويته والامل في تحققه وتفعيله فما عاد اكثر من نداء اجوف وبالتال لا ينفع استحضاره او التشبت به
يا أول بياض من نور آيات الضحى حيث يقول جل جلاله: {{ والضحى والليل اذا سجى ماودعك ربك وما قلى وللاخرة خير من الاولى ولسوف يعطيك ربك فترضى الم يجدك يتيما فاوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فاغنى فاما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر واما بنعمة ربك فحدث }} وهذه السورة قد نعتبرها رؤية للخروج من المازق الذي تعرفه بعض بلداننا او جلها وقد نجدفيها ما يشفي الغليل ويفتح الافق المسدود وينفس عنا بعضا من احزاننا فسورة الضحى تدعونا الى ان نضع امرنا بيد الله الذي لن يتخلى عنا وسوف يعطينا ما يرضينا . وان ضعف ايماننا بالله عز جلاله فستستمر دار لقمان على حالها الى ان يرث الله الارض وما عليها …
قد اقسم الياسمين ان يطوي الشتاء .. اقسم اهل الشام ان ينهوا برودة وصقيع هذا الشتاء الذي خيم على ديارهم من حيث لا يريدون وربما لا يعلمون وليفعل الياسمين ذلك اكترى ايقونة النسغ اي ما يمده بالطاقة الضرورية لاعادة الأمور الى نصابها والنسغ يمكن اعتباره الدماء الشابة الجديدة التي تجري في العروق ساخنة متعطشة للإنعتاق والحرية والسلم والرخاء الذي سيعم أرجاء البلاد في شحنة من الامل تطرحها الشاعرة في القفلة من باب ” ما اضيق العيش لولا فسحة الامل ” ….
الخاتمة :
نص عميق قوي المبنى والمعنى قدم في حلة يشوبها الغموض في بعض المقاطع ، حافل بالمجاز والافكار العميقة قابل لتعدد القراءات و منفتح على عوالم متعددة .. ما جاء من فهم مرتبط بفقراءتي المتواضعة للنص هو ما تشكل لدي حسب معرفتي وتجربتي الحياتية ورؤيتي للعالم ولا ادعي الاحاطة بكل ما جال هنا من فكر ..
نحن امام شاعرة مبدعة متمكنة من لغتها الشعرية تحسن صياغة وابداع الصور الشعرية الجميلة والراقية باسلوب عذب مسترسل.. قراءة ماتعة لنص مائز…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى