كتابة الجسد.. إلهام وإبداع أم شهوانية واحتياجات مادية؟!

عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري

    الكتابة الإبداعية هي عوالم إنسانية تتميز بإظهار الإنسان ودوافعه واحتياجاته وضروراته وتطورات إجراءات البناء في فكره ومدي العلاقة التي تربطه بمجمل رقيه حتي يصل إلي أعلي درجة من رقي الفعل والقول وهما منتج الإبداع الأدبي للإنسان، وأن تكون ضرورات مؤثرات فعله وقوله في عمله المبدع خالية من ذهنية الوصف لتفاصيل المادية والاحتياج من دون مبرر فني حتي يتحقق سمو الحياة من أثر هذا الإبداع.

    ونري الكثير من الذين يطلعون علي – قشرة – الإبداع الغربي ولا أقول عمق متنه ولا توازن إنتاجه حسب معطيات بيئته هناك التي تختلف كلية عن معطيات بيئتنا الشرقية بحدودها العقائدية والثقافية يدخلون هذا المضمار من دون تدبر لأحوال الثقافة التي ترتادها بيئته وخصوصية عقائدها التي يجب أن لا يكفلها.

    وقد دأب هؤلاء وكيفتهم احتياجاتهم ونواقصهم مع اطلاعاتهم – القشرة – علي الإنتاج الأدبي الغربي، أن يقلدوا وأن ينتهجوا، وأن يسعوا في فرض ميلهم وانحيازهم إلي هناك وفرضية ذلك علي أوساطنا الأدبية في أفرع إنتاجها، ويكونوا روادا  في ذلك ونسو وتناسو أن ذلك سيكون مثل فرض الشيء علي نقيضه

    وأن مجتمعاتنا وثقافتنا ستتتمتع بذلك في الخفاء وترفضه في العلن ويكونوا ذات الأثر البالغ في تشتيت الواقع الشرقي وبناء الصراعات النفسية والمادية فيه بسبب غباء هذا الناقل ولا أقول المبدع.

     الإبداع عوالم إنسانية متكاملة في أنسجة الاحتياج للجمال المادي والأدبي في منتج إبداعاتنا هم يحاولون من ماديتهم الخروج عن سلالم طلوعه إلي سلالم الهبوط والتدني.

كتبت منشورا في مثل هذا اليوم ذكرني به مارك وهو الآن بين أيديكم: الإبداع الجسدي إفلاس كتابة وشهوانية جسد أم مسار مادي آخر؟!.

    عندما تزايدت أعداد الكتاب الذين يسعون إلي الشهرة والحصول علي مساحات واسعة من ذاكرة الثقافة والإبداع انتهجوا كتابة لا تتوافق مع بنية احوالنا العامة وثقافتنا الخاصة وبيئتنا الشرقية.

    ورأيناهم يتخايلون بما حققوا من منجز في هذا المضمار من الإبداع الذي توغل في بيئة الأمة، وحرض علي النيل من كل المسكوت عنه بسبب العقائد الدينية أو بسبب تقاليد الحياة في البيئة العربية التي تمجد الفضيلة، وتستحسن الأخلاق والأصالة والعراقة المتأصلة في الجذور العربية.

   أقول عندما يتزايد الكتاب في سعيهم إلي ما تتفرد به ذواتهم علي حساب المرفوض من ذاكرتنا،فعلي البعض أن يبحث عن المسكوت عنه خاصة أن الفعل البشري الجمعي تتزايد انفتاحات تأثره بثقافات أخري تعادي ثقافتنا التي ذكرتها هنا، وثقافتنا تشيطن ثقافتهم وتنعت صانعيها بالدونية والبهائمية في غريزة الشهوة الجسدية التي لا ضابط ولا رابط لها عندهم، علي خلاف ثقافتنا.

   ليجد المبدع الموهوب وغير الموهوب ضالته بالخروج نحو هذه الثقافة المستوردة، بل وقد أوجد صانعوها أبواب الانفتاح عليها مجانية لكشف الثقافة التي تعادي ثقافتهم، وفضحها وتعرية أفعالها حتي تنتصر ثقافتهم لبيئتهم ويكون لهم السبق في الأثر والتأثير  وللسبب الأهم فضح عقائدهم الدينية التي تنبذ وتحرم شهوانية الجسد في علانيتها، مما دفعهم إلي الإعلان عن جوائز عالمية تمنح للإبداع الذي يرتقي لإنتاج بيئة مغايرة للبيئة العربية التي تتباهي بفضائل الأخلاق والتمسك بالعقيدة خاصة وهي تحافظ علي قيمة وجمال الجسد وعدم فضح شهوانيته التي وضع الله لها ميثاقا غليظا.

     كانت هذه مقدمة نتذكر بها واقعنا وثقافتنا التي انفتحت أبوابها علي مصراعيها لتلقف مادة تعرية الجسد في الإبداع أو الأفلام الإباحية التي ترفضها ثقافتنا وسلوكنا وعقيدتنا،  ليجد منها بعض الكتاب وسيلة شهرة، أو تكسب مادي، وخاصة أن الأجيال الجديدة التي انفتحت علي الثقافات الغربية تحتاج إليها بشدة لأسباب اجتماعية في صعوبة الزواج لأسباب مادية بالدرجة الأولي.

    أعود إلي ما قرأته مؤخرا علي صفحات التواصل الاجتماعي عن منشور كتبه البعض في هذا المضمار، وللأسف هذه الكتابة تنحاز إلي وصف الفعل الجنسي بأدق تفاصيله، من دون معالجة فنية مبدعة تجعل القارئ لا يقف كثيرا عند تشبع حاله ونواقصه واحتياجه، ليكون عالما إبداعيا ذات أنساق جمالية يتوفر فيها الفن والتفرد.

   لكن دأب البعض من الكتاب في الألفية الجديدة، علي أن يدخلوا حارات الجسد والمسكوت عنه في مجتمعاتنا محاولين اللعب علي ضفيرة الجسد واحتياجاته ودوافع النفس وضعفها عند الكثير، في مجتمعاتنا التي تمارس تجلياته وممنوعاته سرا والقذف بطوب الأرض لمن يقترب ويجاهر بها.

    الأمر ببساطة هو مرض البحث عن الشيطان في تفاصيل المسكوت عنه لكسر التابوهات غير المقبولة في مجتمعاتنا وهذا في ظني انحراف لمسالك يقبلها المجتمع في صومعة مغلقة ويرفضها في فضاءات واسعة وبالطبع هذا لا يمثل قيمة وجمال الجسد في تعريته وفضحه في سره وعلانيته.

    الحقيقة الكتابة الجسدية انفتح عليها الغرب من مئات السنين، وكان يتحرش بها بعض الكتاب العرب منذ عشرات السنوات لكن زادت فجاجتها في السنوات الأخيرة وهو ما يؤكد أن البيئة العربية وثقافتها تقترض ما رفضته من قبل، وتسعي بعد أن انفتحت الثقافات الكونية علي بعضها، لأهداف سياسية واجتماعية في الدرجة الأولي أن يبرز بعض كتابها – كتاب بيئتنا العربية – مفاتن جسد المرأة العربية وشهوانيتها وتلقف الرجل العربي بدافعه الشهواني أيضا، وربما ليكون بديلا عن مواثيق العقائد الدينية التي يحترمها ويقدسها العربي.

   إن مفهوم العربي داخل منطقة شهوانية الجسد يلتف حول سلوك وأخلاق أقرتها البيئة العربية قبل التشريع المسيحي والإسلامي وتربينا عليها، مما يدفع البعض إلي الدخول في محاريمه لتربح مادي وشهرة، ولربما كان الدافع يتلخص في انحيازه من تأثره ،وأن القادم سيقنن بوضع اليد وأن البيئة العربية التي أقرت شريعتها الكتب السماوية تؤكد: – إذا بليتم فاستتروا – ، باتت في أحضان علانية شهوة الكتابة الجنسية وما فعله البعض من الذين دخلوا ساحة الكتابة الجنسية، ربما كان “جس نبض” للقادم الذي يخصه في منطقة هذه الكتابة التي يقرأها الغالبية من الناس يعشقونها لكنهم يرفضونها.

    والقضية هنا تتلخص هل تقبل بيئتنا العربية هذه الكتابة التي تمنح الشهرة وتمنح الجحيم في تفتيت بنية مجتمعاتنا في عقيدتها، وفي ثقافتها، وفي سمو وقيمة الإنسان في عفته أم تتمسك بثوابت أخلاقها وتنحاز إلي عقيدتها  التي ترجم من يقترب منها في العلانية، أو من يدخل في مضمارها في سياقات حتي لو كانت إبداعية؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى