رواية”عناق الأصابع” لـ عادل سالم توثق معاناة الأسرى
جميل السلحوت | فلسطين
صدرت رواية ”عناق الأصابع” للأديب المقدسي عادل سالم عام 2010 عن دار شمس للنشر والتوزيع في القاهرة وتقع الرواية التي صمم غلافها إسلام الشماع في 365 صفحة من الحجم المتوسط.
مدخل: “أدب السجون” والكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، فقد كتب عنها كثيرون في عصور مختلفة.
عنوان الرواية: “عناق الأصابع” عنوان رواية عادل سالم عنوان مباشر وفاضح للمحتل الاسرائيلي، الذي يحرم الأسرى وذويهم حتى من المصافحة والعناق اثناء الزيارة، وللتذكير فان قوانين الاحتلال بخصوص زيارات الأسرى شهدت تطورات سلبية متوالية ضمن سياسة القمع المستمرة، فقبل شهر نيسان 1969 كان الأسرى يصافحون زائريهم ويجلسون قبالتهم على طاولة واحدة، يتناولون وجبة طعام مشتركة يحضرها الزائرون معهم من الخارج، وكان يسمح للزائرين بادخال سلة فواكه للأسير قد يصل وزنها الى خمسة عشر كيلو غرام، ومنذ ذلك التاريخ منعوا ادخال وجبة الطعام، ومنذ منتصف سبعينات القرن الماضي منعوا لقاء الأسرى بزائريهم، ومنعوا المصافحة بينهم إلا من خلال شباك حديدية لا تسمح إلا بدخول الأصابع كل إصبع على حدة، فأصبحت المصافحة بالأصابع فقط، فلا يستطيع الأسير حتى احتضان طفله الرضيع، ولا يستطيع والدا الأسير احتضان ابنهم، كما منعوا ادخال الفواكه.
وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي أيضا أصبحت الزيارة من خلف زجاج مقوى وعبر سماعة هاتف تفتح بين الأسير وزائريه، يرون بعضهم البعض من خلال الزجاج الفاصل، ويتحدثون عبر الهاتف، ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي أيضا، لم يعد يسمح بزيارة الأسير إلا لأقربائه من الدرجة الأولى مثل (الوالدين والأبناء والأخوة والأخوات والزوجة فقط) وفي المراحل كلها فان الزيارة لثلاثة أشخاص فقط، ومرة كل أسبوعين في الظروف العادية، وهناك ظروف قد تمنع زيارة السجناء كافة في سجن ما لمدة شهور، أو تمنع الزيارة كليا لأسرى العزل الانفرادي.
وواضح أن عادل سالم قد استوحى عنوان روايته من مرحلة سلام الأصابع عبر الشباك الحديدية الفاصلة.
زمن الرواية: تمتد الرواية في فترة زمنية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى منتصف التسعينات.
مكان الرواية: تدور أحداث الرواية في مدينة القدس العربية المحتلة، وفي سجون الاحتلال التي يحتجز بها الأسرى ومنها” الرملة، عسقلان، نفحة وشطة”.
الرواية تسجيلية: الرواية التي بين أيدينا رواية تسجيلية واقعية، لا خيال فيها، وحتى الأسماء الواردة في الرواية هي أسماء حقيقية في غالبيتها العظمى، وما يدور في السجون المغلقة على الأسرى من إضراب عن الطعام، وسقوط شهداء ومرضى، ونضالات لتحقيق مكاسب، وتعذيب من قبل السجانين، وتحقيق الأسرى مع بعض المتساقطين، واعدام بعضهم، وخلافات عقائدية بين الأسرى أنفسهم، هي حوادث حقيقية وواقعية حتى النخاع، وبالأسماء الحقيقية لشخوصها…حتى أن الكاتب سجل التاريخ الحقيقي للحوادث مثل اضراب سجن نفحة الشهير في تموز 1980 والذي استمر لثلاثة وثلاثين يوما، سقط فيه الى قمة المجد الشهيدان باسم حلاوة وعلي الجعفري، وما تبع ذلك من استشهاد القائد عمر القاسم، واسحق موسى المراغي”أبو جمال”….وكذلك صفقة تبادل الأسرى عام 1985، وصفقة تحرير أسرى بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، واستثناء بعض المناضلين من أمثال عمر القاسم وغيره، كلها أمور حدثت على أرض الواقع.
شروط فنية: يبدو أن تركيز الكاتب على السرد التسجيلي لما يدور في أقبية السجون، ومعاناة الأسرى وذويهم، قد أوقعه في كتابة التقارير الصحفية، والحكاية أكثر من كتابة الرواية، وهذا ما يطغى على أسلوب النص السردي.
المرأة: ظهر في الرواية أن الكاتب ركز على الدور التحرري للمرأة الفلسطينية، فخولة شاهين كتبت عقد زواجها على علي النجار المحكوم مدى الحياة، وانتظرته حتى تحرر في صفقة بعد ثمان وعشرين سنة، ومع ذلك فقد استشهد يوم حفلة عرسهما دون أن تزف اليه، وكانت راضية بقدرها.
ورحاب شقيقة علي سافرت الى موسكو طلبا للعلم وهناك أحبت شابا روسيا وتزوجته، وأنجبت منه طفلا، ثم تطلقت منه، وعادت الى القدس تاركة ابنها في حضانة والده، وعملت في مجال الصحافة وتزوجت زميلا لها، بعد أن كاشفته بزواجها الأول، ولم يعترض على ذلك، وأنجبت منه، ولما عرض عليها طليقها الروسي أن تأخذ ابنها منه ليكون في رعايتها بعد أن قرر الهجرة إلى أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عارض زوجها الفلسطيني ذلك، لكنها تحدته وسافرت لاحتضان ابنها، بعد أن انكشف سرها لعائلتها التي تقبلت ذلك على مضض، ليتبين لاحقا أنها سافرت وإياه للعمل في ألمانيا، ولتعود الى القدس للمشاركة في زفاف شقيقها علي الذي تحرر من السجن، لكنه يستشهد يوم زفافه وقبل أن تراه.
ونضال الأمهات والزوجات في زيارة أبنائهن وأزواجهن، ومشاركتهن في الاعتصامات والتظاهرات التضامنية مع الأسرى كلها أمور كان لها نصيب بيّن في الرواية.
وماذا بعد: تشكل هذه الرواية إضافة نوعية للمكتبة العربية عن معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي، والكتابة عنها لا يغني عن قراءتها، فالتجربة النضالية للأسرى فيها الكثير مما يحتاج الى الكتابة والنشر والتعميم.