الظلم ظلمات وجهالة

ماجد الدجاني | فلسطين المحتلة

الظلم في اللغة هو وضع الشيء في غير موضعه المخصص إما بزيادة أو نقصان ومنه قوله تعالى:(كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا) أي لم تنقص وهو أيضا مجاوزة الحق في قليل أو كثير لذلك قيل لآدم ظالم وقيل لإبليس ظالم مع ما بين فعليهما من بون وفرق كبير وقد قسم العلماء الظلم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ظلم بين الإنسان وربه ومن ذلك قوله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم) ومنها قوله :(لعنة الله على الظالمين) ومنها قوله تعالى: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون) .

أما الثاني فظلم بين الإنسان وبين الناس ومنها قوله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) والثالث : ظلم بين الإنسان ونفسه وظلمه لنفسه ومنها قوله تعالى:(فمنهم ظالم لنفسه) وقوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) وقوله: ( ولا تمسكونهم ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) وقوله: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقوله عن صاحب الجنتين : (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا) ولعل الاعتراف بالظلم للنفس مفتاح المغفرة لذلك كان دعاء آدم وحواء : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ودعاء يونس في بطن الحوت: فنادى في الظلمات أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . وقول بلقيس بعد أن أسلمت: ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. وقول موسى بعد أن وكز الرجل فقضى عليه: قال رب إني ظلمت نفسي فإغفر لي فغفر له.

ولقد بين الله تعالى في كتابه مداخل الشيطان للظلم يقول تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي شرك ومن الظلم تجاوز حدود الله يقول تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) ويقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الظالمون) ومن هنا تأتي الندامة على مصاحبة الكفرة والظالمين يقول تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليثني اتخذت مع الرسول سبيلا) وتبلغ الندامة ذروتها يوم القيامة حيث الظلم ظلمات والظلم خيبة يقول تعالى: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما) ويقول عن تولي أعداء الله واتخاذهم أولياء: (ومن يتولهم منكم فلؤلئك هم الظالمون) ويقول: (والكافرون هم الظالمون) والظلم مانع للخير وباب للمصائب في الدنيا والآخرة والله لا يظلم مثقال حبة من خردل.

يقول الله تعالى: (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم ظالمون) أي يضعون أنفسهم في غير موضعها ويوم القيامة يرى الظلم مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة ويرى المؤمن مقعده من النار لو أساء ليزداد نشوة وتمتعا يقول تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبين الذين ظلموا منكم خاصة) وعلمنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن وضع حد للظالم وكبح جماحه أمر مانع للعذاب وأن عدم فعله يمنع استجابة الله للدعاء يقول(إن الناس إذا رأووا الظلم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعذاب ويقول: (إذا رأيت أمتي تخشى ان تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها) ويقول ان من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ويقول سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى حاكم ظلم فنصحه فقتله).

ويتوعد الله تعالى الظالمين بقوله: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ويقول : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم  ومن الظلم عدم أداء الحقوق مع القدرة يقول عليه الصلاة والسلام: مطل الغني ظلم . ومن هنا فإن الظلم أمر خطير ودرب عسير يجلب الظلام يوم القيامة فالمؤمنون يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ويطلبون من الله أن يتمم لهم نورهم والظالمون لهم حلكة وظلام دامس.

يقول عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) ويقول: من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) ويقول: اتق دعوة المظلوم فإنها ليست بينها وبين الله حجابا ).

وجاء في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله ولانتقمن ممن رأى مظلوما فقدر أن ينصره فلم ينصره.

وقد يحسب البعض أن غنى بعض الناس وقوتهم هو خير لهم ولكن هذا الظن وهم مهلك فإن الله تعالى يقول: (وكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة) ويتابع فيقول: (فكأيّن من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها) يقول عليه الصلاة والسلام: إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم تلا قوله تعالى: (وكذلك اخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه اليم شديد) وحذر حبيبنا صلى الله عليه وسلم من أكل الحقوق ظلما لأنها سترد يوم القيامة رغم أنف سالبها ومغتصبها. يقول عليه الصلاة والسلام: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ويقول:(من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه او من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن لع حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه).

وبعض الناس يأكل الحقوق عن طريق شاهد زور أو محام المعي وقد حذر الرسول عليه السلام من ذلك فقال: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق آخيه فإنما أقطع له قطعة من النار.

ويحذر قائلا:( إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار) والظلم حاجز عن حب الله وعن النصر وعن الهداية لذلك عندما قال إبراهيم عليه السلام : (ومن ذريتي) قال له ربه: (لا ينال عهدي الظالمين) ويقول الله تعالى موضحا عاقبة الظلم : (والله لا يهدي الظالمين) (والله لا يحب الظالمين) وما للظالمين من أنصار).

وتبلغ عاقبة الظلم ذروتها حين يعلن من قبل رب العالمين لعنة على أهل الظلم. يقول الله تعالى: (فأذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين )

ويحدد القرآن ذروة الظلم في سلوكيات مختلفة , يقول تعالى : (ومن اظلم ممن منع مساجد الله إن يذكر فيها اسمه).

ويقول: ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله. ويقول: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بآياته) ويقول: (ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها).

فاتقوا الظلم ولو كنتم قادرين عليه وإذا دعتكم قدرتكم على الناس فتذكروا قدرة الله عليكم وأنه يمهل ولا بهمل .

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا

فالظلم أخره يأتيك بالندم

نامت عيونك والمظلوم منتبه

يدعو عليك وعين الله لم تنم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى