الاستشفاء بالرحيل
بقلم: أ. عبد الله المغلوث
من أصعب القرارات التي تواجه المرء في مجتمعاتنا العربية قرار الرحيل عن مكان أو وظيفة، فإذا ارتبطنا بشيء ظللنا أسرى له كأنه حكم مؤبد، لا بأس أن نستمر في مكان يمنحنا السعادة ونحصد فيه ما زرعنا، لكن من الانتحار أن نبقى فيه وهو يستنزف طاقاتنا بلا هوادة، ويبتلع أحلامنا بلا اكتراث.
ضحكوا علينا كثيراً بأمثال مثل ” بلادي وإن جارت علي عزيزة” و ”امسك مجنونك لا يجيك أجن منه”، وصار هذان المثلان وأشقاؤهما سيوفًا مسلطة على أعناق من يرغب في خوض تجربة جديدة أو عيشٍ كريم، فهذه الثقافة اليائسة التي ترفض الجديد وتعزز الانهزامية حرمت الكثير من طرق أبواب واعدة وبحجج واهية، تؤكد سيرة الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم، ومن بعده الصحابة ـــ رضي الله عنهم، وحديث العلماء المعاصرين، أنه لا نجاح في رحلات كلاسيكية، والنجاح حليف كل من سعى وراء هدفه بكل ما أوتي من شغف وإيمان، وأكثر اللحظات صعوبة هي لحظات التفكير بقرار المغادرة، إنه كالحمل تمامًا يرهق ويتعب ويوجع، لكن النتيجة تستحق التضحية.
الرحيل لا يقتصر على بلد أو عمل، بل يحدثُ أحياناً أن نرحل عن زميل أو رفيق، وأن نعيد حساباتنا في قائمة زملائنا، فبعضهم يحولون حياتنا إلى جحيم إما بقناعات سلبية أو نمط حيات رتيب، وقد تنتقل تلك العدوى إلينا، أو نكتسب شيئاً من صفاتها السوداوية.
إذا فقد أحدنا الرغبة في التغيير فليفتش مليًا في أعماقه ومحيطه، فلعل هناك ما يستحق أن ننفصل أو ننصرف عنه، وأن ننتزع ما يحول بيننا وأحلامنا، وإذا انطفأت تلك الرغبة فلنشعلها بجذوة الاقدام، وأن نؤمن بأن الرحيل كالقهوة “مرَّة” في الطعم، لكنها تمنح أيامنا إثارة.