هل ينقذ الرئيس قيس سعيّد البلاد والعباد..من عقال الفساد والمفسدين..؟
محمد المحسن | تونس
وسط ذهول وإستنكار ومبباركة، انقسمت المواقف في الشارع والقوى السياسية التونسية، بعد إعلان الرئيس قيس سعيد في الأيامة القليلة الماضية، تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطة التنفيذية بنفسه.
وأعلن بيان رئاسي عقب “أنتفاضة” 25 جويلية 2021، تفعيل قيس سعيد الفصل 80 من الدستور والذي يوصف بالسلطة الجبارة في يد الرئيس،متخذا جملة من القرارات بررها بحفظ “كيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة”.
هذا، وقرر سعيد تجميد عمل البرلمان مدة 30 يوما ورفع الحصانة عن كل نوابه،فضلا عن إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه. ودعت رئاسة الجمهورية التونسيين إلى “الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى”.
ووصف رئيس البرلمان وحركة النهضة راشد الغنوشي في تدوينة على صفحته الرسمية على فيسبوك ما قام به الرئيس قيس سعيد بأنه “انقلاب على الثورة والدستور”، مؤكدا أن أنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون على الثورة..!!
“سي قيس” – كما يحلو للبعض أن يناديه – خبير في الفقه الدستوري، وهو،في موقع اختصاصه، أحدُ الفقهاء الكبار المشكّكين في نجاعة الديمقراطية التمثيلية البرلمانية،في التعبير عن إرادة الشعب.
ومنهنا، فهو يميل،مع غيره من المختصّين الكبار،إلى الديمقراطية التشاركية، أو الديمقراطية المباشرة في التعبير عن إرادة الشعب،استناداً إلى تجارب تاريخية،منذ اليونان القديمة،إلى كومونة باريس (عام 1870) وحركة “المير” في روسيا عام 1906، إلى الجمعيات العمومية العمالية والفلاحية في إسبانيا وأوروبا، إلى تجربة سويسرا والحركة “الزاباتية” في المكسيك عام 1994.. إلخ (راجع،على سبيل المثال: أنطوان بيفور، “نحو ديموقراطية تشاركية”، منشورات الصحافة في العلوم السياسية،باريس، 2002).
الثابت أن الرئيس سعيّد ليس من الدوغمائيين، الذين يتخيّلون الدستور والديموقراطية التمثيلية كتابَين إلهيَّين مقدَّسين، يُتَّهَم من يشكّك في قدسية وجودهما بصبغة الإلحاد أو الشعبوية، كما يتخيّل بعض المحرّضين وبعض محدودي الأفق أن سعيّد يستلهم نظرية -أحد الزعماء العرب الراحلين-.
ليست -مجاملة-مني حين أقول أن الرئيس قيس سعيّد ليس من دعاة التغيير الثوري للنظام،ولا الظروف الداخلية والإقليمية متاحة لتعيير جذري قد يشوبه العنف وجرائم المجموعات البربرية،والتي لا تزال أميركا تحتفظ بخدماتها في المنطقة.فسرقة الثورة ولجم زخمها في تونس أدّيا إلى زيادة نفوذ قوى الثورة المضادة ومصالحها،والى استفحال الخراب،سياسياً واجتماعياً.
وهنا أضيف:
لم يعد ممكناً بأي حال من الأحوال أن تستمر الأوضاع على حالها بعد أن بلغ السيل الزُبى ولم يعد للتونسيين ما يخسرونه، فكان لا بد من أن يحصل شيء ما بحسب توقعات أطراف محلية وخارجية.وكانت البداية بانطلاق حراك شعبي جديد شمل أغلب مدن الجمهورية (حراك 25 جويلية 2021) حمل مطالب اجتماعية،وصبّ جام غضبه على “حركة النهضة” مقتحماً مقراتها،ثم تبعته قرارات الرئيس قيس سعيّد التي وصفه البعض ب”الإنقلاب”!
ولعل في خروج تونسيين بكثافة إلى الشارع للاحتفال بقرارات رئيس الجمهورية-كما أشرت- رغم حظر التجول،دليل على ما في قلوب الكثير من التونسسين من غلّ،وسخط على “حركة النهضة” التي يحملونها المسؤولية عن تردي أوضاعهم المعيشية وعلى الكارثة الصحية التي طاولت البلاد وأفقدتهم الكثير من الأقارب والأصدقاء والأحباء.
ويرى هؤلاء في قيس سعيّد المنقذ للبلاد من براثن من عبثوا بالدولة طيلة العشرية الماضية وهو ما يبدو أنه دفع “الأستاذ قيس” إلى اتخاذ هذه الخطوة الجريئة التي كانت منتظرة داخلياً وخارجياً.
ما أريد أن أقول؟
أردت القول بأنّ الديمقراطية التونسية الناشئة تمكنت-ببراعة واقتدار-من خوض تجاربها الانتخابية بنجاح،من أجل إرساء منطق الانتخاب،بدل فكر الانقلاب،والاستحواذ غير الشرعي على السلطة،وهو أمر يمثل درساً مهماً لكل متابعي التجربة التونسية على الصعيد الديمقراطي،حيث يمكن اعتبارها دليلاً على حيوية المجتمع السياسي،وسرعة تشكله،وسيره بخطوات واضحة نحو الوضع الديمقراطي النهائي،وينبغي أن ندرك أن الديمقراطيات،جميعاً،إنما قامت على نمط من الإكراهات،وعلى صراعات سلمية بين القوى المختلفة،لتستقر،في النهاية،على نمط حكم قائم على توازي السلط وتقابلها ومراقبتها بعضها بعضاً..
وإذن؟
تونس قادرةإذا،على الانتصار على فجوة الانحطاط والترجرج،إن توفّرت الإرادة الوطنية الصادقة، واستنفر المجتمع المدني كل قواه كي يكون سدا منيعا أمام كافة التحديات،وغلّب الجميع العقل على النقل.. والرتق على الفتق.. بمنآى عن كل المصالح الحزبية أو الفردية أو الفئوية..
لست أحلم..ولكنّه الإيمان الأكثر دقة في لحظات المد الثوري الخلاّق..من حسابات بعض السياسيين من ذوي المصالح الحزبية الضيقة..
وهنا أختم :
إنّ الأزمة التونسية هي أزمة مجتمعية “بنيوية” وهي تتجاوز-في تقديري-مؤسسة رئاسة الجمهورية،بل تفيض على مجمل الحقل السياسي.ولا يمكن بأي حال إعفاء كل الفاعلين الجماعيين-في المستوى السياسي وغيره -من مسؤولية تعميق تلك الأزمة أو الدفع بها نحو ممكنات كارثية.
وقد لا يكون الحل في ضرب “الديمقراطية التمثيلية” بقدر ما هو في تغيير آليات/ منطق إدارتها (وهذا ما يسعى إليه-دوما في تقديري-الرئيس قيس سعيّد)،وهو أمر لا يمكن أن يحصل في المدى المنظور أو المتوسط إلا بظهور”كتلة تاريخية” تعيد تشكيل الحقل السياسي،بل تعيد بناء “المشترك المواطني” أو “الكلمة السواء” بعيدا عن الأطروحات الحالية التي لم تورّث البلاد إلا مزيدا من الفساد والتبعية رغم كل اداعاءاتها ومزايداتها.