الذين يرفضون أن يموتوا
توفيق أبو شومر | فلسطين
في كل فترة زمنية ينشغل الفلسطينيون بوجبة شعبية وحدثٍ سياسيٍّ يشغلهم فترة طويلة، ومن أبرز الوجبات الشعبية السياسية المنتشرة بين الشباب هذه الأيام، وجبة: “قادة الأحزاب (الكهول) الذين يمسكون بخِناق الأحزاب السياسية، ويرفضون تركَ مناصبهم لجيل الشباب، حتى وهم في النزع الأخير من الحياة!”. كثيرون من الشباب ومتوسطي العمر يُفطرون، ويتغدون، ويتعشون على هذه الوجبة، فهم دائمو الانتقاد لجيل مؤسسي الأحزاب والفصائل، يذمونهم، ليس لسبب ضعف أحزابهم، وانقسامها، وغياب تأثيرها، ولكن، لأنهم يرفضون أن يموتوا حتى اليوم!
المشكلةُ الحقيقية لا تكمن في كهولة مؤسسي الأحزاب، ولكنها تكمن في جوهر الفكر الحزبي الفلسطيني المصاب بتصلُّب شرايين الإبداع، وغياب التثقيف والتوعية الفكرية، هذا بالتأكيد أدَّى إلى عجزٍ في إنتاج الأفكار الإبداعية العملية في معظم أحزاب الفلسطينيين والعرب، إذ أن كثيرا من تلك الأحزاب أًصيبت بضمور فكري منذ زمنٍ بعيد، وانصرفت عن إنتاج الأفكار الجديدة، الناتجة عن تلاقُح الأفكار، فقد كفَّتْ الأحزاب الفلسطينية عن توظيف الفكر العالمي النهضوي لرفد الأفكار الثقافية السائدة، واكتفتْ بأناشيدها الخطابية التقليدية!
ومن أبرز مظاهر الجمود الفكري الحزبي عند الفلسطينيين، أن قادة كثيرٍ من الأحزاب خافوا من إشعال جذوة الفكر عند أتباعهم، وأصيبوا بالذُّعر من احتضان الإبداعات الشبابية خوفا على مناصبهم ومكتسباتهم، خشية تمرُّد الأتباع والمريدين، على قيادتهم، لذلك، فإنهم عمدوا إلى تأسيس نمطٍ حزبي خالٍ من الإبداعات المسبِّبة للثورات، وهو نمط، الأحزابٍ القبلية، التي تهدف فقط إلى تجنيد (ميليشيا) من الأتباع والموالين هدفها الرئيس إدامة سلطاتهم، والحفاظ على مكتسباتهم!
هناك نوعان من الأحزاب تتبنَّى مبدأ؛ تقديس قادة الأحزاب، وأزليتهم، هذان النوعان يبدوان في الظاهر مُتناقِضَيْن، غير أنهما يشتركان في مرضٍ واحد، وهو تقديس القادة والزعماء.
النوع الأول، هو أحزاب ما يُسمَّى بالتيار الوطني أو اليساري، هؤلاءِ يقيسون أحزابهم بأعمار قادة تلك الأحزاب ومؤسسيها، أي، بسنوات عمر قادتها ومؤسسيها وبالشعارات التي رفعَهَا هؤلاء القادة (الخالدون)، بدون أن يُجروا تجديدا في مجال، المبادئ، والأفكار، والقيادات، وبدون أن يسعَوْا إلى رفدها بمبادئ ثقافية وفكرية جديدة تصلح للمستقبل!
أما النوعُ الثاني، فهو ينطبق على كثيرٍ من الأحزاب السلفية الماضوية، التي تُؤسس عقائدَها على مقياسٍ زعمائها السالفين، باعتبارهم هم القدوة، بحيث يصل بهم الحال إلى تقديس كل ما كان في العصور السالفة، أي، الإيمان بنظرية؛ كلما توغَّلنا في سِيَر ِقادة الزمن الماضي ، فإننا سنجدُ فيهم الصلاحَ، والإخلاص، والعدل، فالماضي هو الأمل والمنقذ من الفقر والضلال، أما الحاضر والمستقبل فهما مصدرُ الشرور !!
هذان النوعان من الأحزاب يتوافقان في مبدأ؛ أزلية القائد الفرد، القائد المُنزَّه، القائد المُقدَّس، الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه، ولا مِن خلفه، هذان النوعان يعانيان من مرض نقص التغذية الفكرية والثقافية، وغياب الإبداع الذي يقود إلى المستقبل، وعدم فهم لغة المستقبل!!
أعني بلغة المستقبل ليس لغة الحديث المتبادلة، بل أعني، مجال التنافس الأبرز في العالم، ومجال التنافس الأبرز في عالم اليوم، هو تكنلوجيا المعلومات كرافعة رئيسة من روافع التقدم والرقي، هذه التكنلوجيا هي الحاكم الرئيس في عالم اليوم، وهي القائد الأبرز والأقوى في العالم، قائد عربة الاقتصاد، ومسير الدول وناظمها ومغيرها!
السؤال الذي يُحدِّد منزلة الدول، والأحزاب، والحركات السياسية في عالم اليوم، ليس سنوات عمر قادة الأحزاب، بل هو: ما منزلتكم في مجال تكنلوجيا المعلومات؟ هل وضعتم برنامجا عمليا لإبداعات الشباب في مجال تكنلوجيا المعلومات؟!!
هذا المجال للأسف غائبٌ عن أجندة أحزابنا!!