لا جوائز للخصم
د. خضر محجز | فلسطين
اللوحة للفنان البولندي: فويتشخ جيرسون
قلت هذا الكلام بعد الحرب الأخيرة في مجالسي الخاصة، وحرصت على عدم إذاعته، خوفاً من أن تصلني من النيابة استدعاءات بأنني لم أرد على فلان السلام. فلا ينفعني كل دفاع.
الآن أقول هذا، بعد أن غلب على ظني أنهم من الممكن أن يحتملوا كلامي. فلا جرم كنتُ دوماً عجوزاً شديد الخوف من ظلم الحكام.
أقول:
يمكن لقوة ما ألا ترى إلى الواقع، خارج منظور مصلحتها. لكن قَلَّما يبلغ قصورُ النظر بقوة سياسية، درجةَ أن ترى إلى الواقع بما يضاد مصلحتها: فقد عودنا تاريخ المسيطرين والخاضعين، على أن المسيطرين يُحسنون قراءة كل ما يمكنه أن يديم سيطرتهم، وأن الخاضعين يتلفتون حولهم ـ مثلي ـ قبل أن يتنفسوا عميقاً في الليل.
وأن تمتلك قوة فلسطينية سياسية القدرةَ على إقلاق إسرائيل، وهي في كيان محاصر كغزة، أمرٌ ممكنٌ، ويستطيع أن يعيش إلى حين، وربما تقبل بذلك إسرائيل، ثمناً لديمومة الانقسام الفلسطيني.
توازن إسرائيل بين قلقين:
الأول: وحدة الفلسطينيين وإقلاقهم المجتمع الدولي مطالبين بحقوقهم.
والثاني: المساعدة في ديمومة الانقسام، وما يتبع ذلك من حصار، ولو بثمن يتمثل في سقوط بعض الصواريخ في الغلاف الصحراوي.
فترجح إسرائيل القبول بضرر أقل دون ما هو أكبر.
لا بأس ببعض الصواريخ في الغلاف ـ تقول إسرائيل في السر ـ مقابل استمرار الانقسام، وانعدام التمثيل؛ بما يعزز الرواية الإسرائيلية عن شعب لم يكتمل تَخَلًّقُهُ، أو يحاول التَّخَلُّقَ من حيثُ لم يكن.
لكن حين تتطور القدرة العسكرية لغزة، إلى درجة أن تلحق صواريخها بإسرائيل أكثر من “صفارات الإنذار تدوي في أشكول” فإن إسرائيل بالتأكيد ستعيد حساباتها.
والنتيجة: ستسعى إسرائيل ـ بقوة حاسمة ـ إلى استبدال الحاكمين في غزة بغيرهم. ولن يكون البديل السلطة الشرعية في رام الله، لأن لا أحد ـ في عالم السياسة ـ يمنح جوائز مجانية للخصم.