الدكتور عبد المنعم سلطان من شاطئ النيل إلى سواحل عمان
بقلم: أبو الحسن الجمال | كاتب مصري
أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في كلية الآداب جامعة سوهاج، التقيته مرة يتيمة سنة 1998 في رحاب كلية الآداب جامعة المنيا حينما كان يرأس مناقشة رسالة علمية، وكنت طالباً في هذا التوقيت، وبعد اللقاء بستة عشر عاماً، ذهبت إلى مدينة سوهاج لحضور مؤتمر اقليم وسط الصعيد الثقافي الذي عقد في مارس سنة 2016، وكان من ضمن الفعاليات زيارة كلية الآداب بجامعة سوهاج وانتهزتها فرصة وذهبت إلى قسم التاريخ للقاء الدكتور عبد المنعم سلطان حتى اقترب منه واحاوره في تجربته العلمية؛ لأنني كنت وما زلت مغرماً بمحاورة المؤرخين ومعرفة المدارس التاريخية في الجامعات المصرية، فأخبرني الدكتور صلاح ضبيع أستاذ تاريخ العصور الوسطى بأنه رحل منذ سنتين فحزنت عليه أشد الحزن، وهذا حفزني أن أبحث عنه واكتب عنه هذا المقال، وقد رجعت فيه إلى سجلات كلية الآداب بسوهاج بمساعدة ابنته الدكتورة رشا، ثم ساعدني زميل دفعته وصديقه الدكتور رضوان البارودي، أستاذ التاريخ الإسلامي في آداب طنطا، وكلك رجعت إلى كتبه وأبحاثه وقد انصبت جهوده للتأريخ لمصر الإسلامية وخصوصاً في العصر الفاطمي، ثم تاريخ عمان ومنطقة الخليج العربي التي كتب عنها الكثير من الكتب والأبحاث واقترب من الوثائق عندما في هذا القطر الشقيق سنوات عديدة، وتعد هذه الكتب والأبحاث من اهم ما كتب في هذا المجال.
والدكتور عبد المنعم سلطان مثال للعصامية والمثابرة فهو يكتف بتخرجه في دبلوم المعلمين وهو الثامنة عشر لكي يضمن وظيفة سريعة تدر دخلا يساعد به أسرته، ولم تيسرت له الأحوال صمم أن ينتسب إلى التعليم الثانوي ثم انتسب إلى كلية الآداب بالإسكندرية ثم أكمل دراساته العليا وتبوأ مكانة كبرى بين مؤرخي وأساتذة عصره وصار يشار إليه بالبنان، ثم عمل على إيجاد أجيال من المؤرخين في صعيد مصر وفي الخليج العربي حيث تولاها بالرعاية والنصح.
ولد عبد المنعم عبد الحميد إبراهيم سلطان في مدينة الإسكندرية في منطقة محرم بك في العشرين من شهر يناير سنة 1938، وتعلم في مدارسها، حتى حصل على دبلوم المعلمين سنة 1956، وعمل بالتربية والتعليم وظل يعمل بها حتى نهاية عام 1977 وقد عين مديراً لأحدى المدارس، وأحس بينه وبين نفسه أن هذا ليس طموحه وصمم أن يكمل المشوار فدرس الثانوية العامة حتى حصل على شهادتها، ثم التحق بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، واختار قسم التاريخ الذي كان يعج بكبار الأساتذة في هذا التوقيت من أمثال: جمال الدين الشيال، ومحمد عواد حسين، وسعد زغلول عبد الحميد، وأحمد مختار العبادي، والسيد عبد العزيز سالم، وجوزيف نسيم يوسف ومن زملاء دفعته والذين أكملوا معه الدراسات العليا فيما بعد: المرحوم الدكتور مصطفى الكناني، والمرحوم الدكتور مصطفى أبو ضيف، والدكتور رضوان البارودي، فلم يرض هذا نهمه وصمم أن يكمل دراسته العليا رغم أعبائه الوظيفية والعائلية، حصل على الماجستير في موضوع بعنوان “البحرية الإسلامية في العصر الفاطمي” في 11 نوفمبر سنة 1975، بتقدير “جيد جدا” بإشراف الدكتور السيد عبد العزيز سالم، ثم أعد رسالته للدكتوراه وكانت بعنوان “المجتمع المصري في عصر الدولة الفاطمية” بإشراف الدكتور السيد عبد العزيز سالم أيضاً، وحصل عليها في 11 يونيو سنة 1980، بمرتبة الشرف الأولى.
كان الدكتور عبد المنعم من مؤسسي قسم التاريخ بكلية الآداب بسوهاج حيث عين مدرساً مساعداً في الأول من يناير سنة 1977، وكانت الكلية تتبع جامعة أسيوط، ثم انضمت بعد ذلك إلى جامعة جنوب الوادي بقنا ثم استقلت ثم صارت جامعة .ز وكان معه رفيق دربه الدكتور أحمد محمد الطوخي، والدكتور الحويري، وعلى أيديهم تخرج العشرات من طلاب العلم ومنهم من أصبح أستاذاً. عين مدرساً مساعداً في الأول من يناير سنة 1977، ثم مدرساً بتاريخ 9/7/1980، وأستاذاً مساعداً في 21/7/1985، وأستاذاً للتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في 14/1/1996، ثم وكيلاً لكلية الآداب لشئون التعليم والطلاب في 9/9/1996، وعمل أستاذاً مساعداً بكلية التربية والعلوم الإسلامية بجامعة السلطان قابوس من 1/7/1986 وحتى 1993. ثم أستاذاً متفرغاً سنة 1998.
الإنتاج العلمي:
خلال مشواره العلمي أثرى الدكتور عبد المنعم سلطان الحياة العلمية بالعديد من البحوث والمؤلفات العلمية المتخصصة بالإضافة إلى المقالات التي نشرت في المجلات العلمية المحكمة ومن كتبه نذكر:
- “صور من النشاط الثقافي والتعليمي في مصر في العصر الفاطمي، المطبعة العصرية، 1983.
- “المجتمع المصري في العصر الفاطمي” دار المعارف بالقاهرة سنة 1985.
- “الشرطة في مصر الإسلامية في عصر الولاة”، دار الثقافة، 1985.
- “آل المهلب العمانيون في المشرق الإسلامي حتى سقوط الدولة الأموية”، مركز الإسكندرية للكتاب 2012.
- قضايا وإشكاليات في تاريخ عمان: منذ صدر الإسلام وحتى سقوط الإمامة الإباضية الأولى (134هـ -751م). مركز الإسكندرية للكتاب 2005.
- “أسواق مصر في العصر الفاطمي (385-567هـ/969-1171م)”، الدار الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع، 1990.
- “الحركة التجارية ونظام الأسواق في مصر الفاطمية (385-567هـ/969-1171م)”، المكتب الجامعي الحديث، 2012.
- “دراسات في تاريخ عمان والخليج في صدر الإسلام، دراسة وثائقية” مركز الإسكندرية للكتاب 2012.
- “العرب والفرس: قراءة جديدة لدور القوميتين في سقوط الدولة الأموية وأحداث العصر العباسي الأول” المكتب الجامعي الحديث، 2010.
- “الشرطة والأمن الداخلي في العصر الفاطمي”، مركز الإسكندرية للكتاب 1998.
- “أضواء على تاريخ الدولة العباسية في عصرها الأول: دراسة وثائقية” مركز الإسكندرية للكتاب 2013.
- “دراسات و بحوث في التاريخ و الحضارة الإسلامية: قراءة جديدة للمصادر” الإسكندرية 2010.
- “الأوضاع الدينية والسياسية لمدينة القدس تحت الحكم الإسلامي منذ الفتح وحتى الاحتلال الصليبي 492هـ -1099م” مجلة كلية الآداب بسوهاج، ع18،/ج2(فبراير 1995)، ص29-74 (45ص).
- “دور يعقوب بن كلس في تاريخ مصر الإسلامية (355-380هـ/966-1091م). مجلة كلية الآداب بسوهاج، ع14،/(يناير 1996) ص89-113 (25ص).
- “أسرة القاضي النعمان بن محمد وعلاقته بالفاطميين”. مجلة كلية الآداب بسوهاج، ع17،/ج1(يناير 1995)، ص27-68 (42ص).
- “حقيقة التفسير العنصري للثورة العباسية: دراسة حول إسهامات القوى المؤيدة لها”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة المنيا، مج15، ع3، (يناير 1995) ص129-165.
- “آراء ابن خلدون في ولاية العهد بين النظرية والواقع التاريخي”، مجلة كلية الآداب جامعة الإسكندرية ، عدد45، ص169-222.
- “دور العرب في قيام الدولة العباسية”، مجلة كلية الآداب جامعة سوهاج، ع12 (يناير 1992) ص1-34 (34) ص.
وقد أشرف الدكتور على عدد من الرسائل العلمية في مجال التاريخ الإسلامي كما اشترك في مناقشة العديد منها. كما شارك في السمنار العلمي الذي تنظمه الكلية بإلقاء البحوث وإثراء المناقشات. كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية في مصر وخارجها منها مؤتمر أسيوط بين الماضي والحاضر والمستقبل في أكتوبر سنة 1995، وألقى خلاله بحثاً “أسيوط في العصر الإسلامي”، كما شارك في مؤتمر عمان في التاريخ (24-27 سبتمبر سنة 1994) وألقى خلاله بحثاً موضوعه “آل المهلب العمانيون”.
رحل الدكتور عبد المنعم سلطان يوم الجمعة السابع من نوفمبر سنة 2014م، بعد أن قام بأداء صلاة الظهر وفجأة أحس ببعض التعب وأستقل سيارة أجرة إلى بيته وعندما وصل مات في الحال، وشيعت جنازته في نفس اليوم ودفن في مدينة الإسكندرية.