حكايا من القرايا.. قالب الثلج والكازوز

بقلم: عمر عبد الرحمن نمر

ولم تقتصر ضيافة المشاركين في الفرح على السكاكر والسلفانا، بل كانت تتعدى ذلك إلى الشراب، وكان المُعزّب لا يجد غضاضةً في حلّ (أسنس) العصير في سطل (قيزان) ماء ينتشله من البير، حيث ماء البير بارد صيفاً، خصوصاً إذا كان محفوراً في صخور حِوّرِيَّةٍ لينة… ويشرب الناس هنيئاً مريئاً، وهم يحمدون ويشكرون… وفي مرحلة تالية أنزل المعزب (\الكازوز) في البير علّه يبرد… تلك كانت مرحلة انعدم فيها نور الكهرباء، وخلت من تبريد الثلاجات… وكان الزير الفخاري الذي يرشح ماء، ويتعرق جداره… قد غمرت قناني الكازوز في مائه أيضاً… لغاية التبريد…

إن محاولات التبريد هذه، و(كرب وجه) المعزّب أمام ضيوفه، أدّت بالمعزّب، أن يركب حماره في صباح يوم الفرح، وقبل أن يطير الندى، ويسافر إلى المدينة، يربط حماره بشجرة على الشارع العام، ويلوّح بيده لأيّ سيارة تقله إلى المدينة، إلى مصنع الثلج في مدينة نابلس، أو مصنع الثلج في مدينة جنين، كان مصنع الثلج النابلسي في السوق الشرقي (حالياً)، والثلج الجنيني في الحسبة، ويشتري المعزّب في عزّ الصيف اللاهب قالباً من الثلج أو اثنين، يلفهما في أكياس من الخيش (شوال أبو خطّ أحمر)، ينقلهما في عربة إلى كراج السيارات المتجهة إلى القرى… يضع الرجل قوالبه على ظهر السيارة، ويثبتها السائق بحباله… وهناك مرحلة الانتظار البرزخية، حيث ينتظر المعزّب السيارة؛ كي تأخذ نصابها من الركاب، وتنطلق، والشمس التي أفاقت من سباتها تهاجم الثلج، وتبدأ صراعها لصهره، وتنحدر نقاط من الماء السائلة على جنبات السيارة… والمعزّب على أعصابه فالثلج ينصهر ويذوي، ولا حيلة لمنع انصهار الثلج إلا الصبر… وما أن تصل السيارة الحمار، حتى ينطلق الحمار بأقصى سرعة حاملاً ثلوج الفرح على ظهره… ويبدأ تكسير ما تبقى من القوالب الثلجية إلى قطع صغيرة… توضع بينها قناني الكازوز… ويحصل التبريد… تتوازى عملية التكسير، بمهاهاة النساء وزغاريدهن، وذِكْر المعزّب ومدحه في ثنايا الخطاب الغنائي:

يا جاي دار أبو مفلح… ويا عطشان اشرب قازوز

كان ذلك كله، قبل اقتناء ثلاجات تعمل على طاقة احتراق الكاز… وفي وقت لاحق طاقة الغاز… وقتها كان الكازوز الغازي في لونين اثنين: أسود وأحمر… يشربهما الناس بعشق وشغف… وفي الفرح، كان الطروسي يتناول القنينة السوداء، حتى إذا أتى على ما بها في نَفَس واحد، إلا قليلا من الكازوز يبقيه في قاعها… ينادي حامل القناني، ويقول: لا تواخذني، هذه ليست الرغبة… ويعيد القنينة السوداء، ويتناول الحمراء… ويفترسها… وكأن الحمراء هي رغبته، لكنه أخطأ في الاختيار…

ويدخل على الخط العصير، وخصوصاً عصير البرتقال، وتصبح المقارنة بين كازوز (بِطَشْطِش) وكازوز لا يطشطش، ولكل كازوز حزبه… تلك أيام كانت الأشياء فيها جميلة… ولقمة الخبز حتى الجافة منها لذيذة… والناس كلهم يعيشون على بركة الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى