مقال

دار أفاتار تصدر: شعر عمر بن أبي ربيعة

شعر عمر بن أبي ربيعة دراسة لغويَّة للباحثة: عائشة عبد الله أحمد

عالم الثقافة | القاهرة – دار أفاتار للطباعة والنشر

   يسعى البحثَ اللُّغويَّ للمادَّة الأدبيَّة إلى كشف تلك اللُّغةِ الخاصَّة، الَّتي يستخدمُها المبدعُ ناسجاً منها كيانَ النَّصِّ، للوقوف على جماليَّات اللُّغة حين تُمارسُ في مستوىً يفوقُ مستوى التَّواصل المعتاد، ومـن الواضح أنَّنا لا نقصدُ بـ ((اللُّغة في شعر الشَّاعر)) ذلك النِّظام المتعارفَ عليه، بل نقصدُ أمْراً يتجاوزُه، وهو القول الشِّعريّ ، أي صورة اللُّغة المتحقِّقة في شعر هذا الشَّاعر، فلكلِّ واحد من الشُّعراء سماته وميزاته اللُّغويَّة، الَّتي  يتميَّز بها عن غيره، مثل: المعجم اللُّغويِّ ، والطَّريقة الخاصَّة في بناء الجمل، والرَّبط بينها ، وسوى ذلك كثير .

    ولعلَّ من أهمِّ ما دعانِي إلى دراسةِ هذا الموضوع الموسومِ بـ (شعر عمر بن أبي ربيعة دراسة لغويَّة)  أنَّ عمر بن أبي ربيعة – وأضرابَه من شعراء الحجاز – يُعدّون من الشُّعراءِ المتفرِّدين بين شعراءِ العربيَّة ، وأنَّ أشعارهُم تُعدُّ مظهراً بارزاً وفريداً في تاريخ الأدبِ الأُمويِّ ، وقد لا أبالغُ إنْ قلتُ : في تاريخ الأدبِ العربيِّ .

    وقد كانت أشعار عمر محطَّ أنظارِ كثيرٍ من الأدباء والنُّقَّاد والدَّارسين، وقلَّما نتصفَّحُ كتاباً من كتب الأدبِ، دون أنْ نقفَ فيه على شيءٍ من شعره، فعمر – إذن – شخصيَّة جديرة بالدِّراسة من النَّواحي كافَّة، ويعنِينَا من هذه النَّواحي ناحية أبلغ أثراً، وأكثر خطراً، وهي ناحية اللُّغة الَّتي أدَّى بها الشّاعر معـانيه، بكلِّ ما تشتمل عليه هذه الكلمة من معانٍ ، وعلى مختلف المستويات من صوتيَّة وصرفيَّة ونحويَّة ودلاليَّة.

وعليه ارتأينا أنَّ من الأفضل دراسة شعر هذا الشِّاعر، لِمَا لِشعرهِ من مزايا لُغويَّة متعدِّدة ، ولِمَا لهُ من أَثَرَةٍ في بعض كتب النَّحو واللُّغة، فقد كان هذا الشِّعر محطَّ استشهاد كثير من أُمَّهات تلك الكتب، وفي مقدِّمتها كتاب سيبويه، الَّذي يحوي أربعة عشر شاهداً شعريَّاً ؛ وأيضاً لِمَا يحفلُ به هذا الشِّعر من ألفاظ ومفردات متميِّزة ، واستعمالات جديدة ومبتكرة . 

  كما أنَّ في دراسة شعر عمر مَا يُدلِّلُ على أنَّ اللُّغة في تطوُّر وتبدُّل مستمرٍّ ، وأَنَّها تسيرُ ِفي تغيُّرها اللُّغويِّ الدَّائب، غير مكترثةٍ بما تحويه المعاجم اللُّغويَّة من معاني الألفاظ في بعض الأحيان، وبِما تنُصُّ عليه قواعد النُّحاة أحياناً أُخر. فالشِّعر -كما نعلمُ – ((يتألَّفُ من اللُّغة، ولكنَّهُ ينتجُ تأثيراً لا تنتجهُ اللُّغة العاديَّة، وعلى هذا فإنَّ الشِّعر يكونُ لغةً ذاتَ نظامٍ أو ترتيبٍ مختلفٍ عن اللُّغة العاديَّة، ولذلك فإنَّ دراسةَ الشِّعر ينبغي أنْ تنبعَ أساساً من دراسة اللُّغة المكوِّنة لهُ ، لأنَّها تُبرزُ مَا في الشِّعر من ثراءٍ ينبعُ من داخل النَّص، ولا يُفرض! عليه من الخارج)).

   وقد جاءت هيكلية  الدِّراسة مقسمة على النحو الآتي: المقدِّمة وافتتحت باستهلال موجزٍ لمضمون الدِّراسة، وأهمِّيتها، وأسباب اختيارها، وأهمِّ المراجع الَّتي اعتمدت عليها ، مع ذكر عرضٍ لخطَّتها ، وتقسيم مواضيعها وعناصرها .

   ثم كان التَّمهيد بعنوان: (شعر عمر مصدر لدراسة لهجة الحجاز)، والذي تناول دراسة هذا الشِّعر بوصفه مصدراً أساسيَّاً لدراسة اللَّهجة الحجازيَّة، إذ إنَّ فيه الكثير من السِّمات الَّتي تميَّزت بها لهجة الحجاز، فلا أحدَ ينكرُ أنَّ الشَّاعر ابنُ بيئتهِ ، ولذا فقد كان شعر عمر صورةً، عكستْ كُلَّ ما امتازتْ به بيئة الحجاز، في مختلف الأصعدة، ومنها اللُّغة .

    وأمَّا الفصل الأوَّل فقد حمل عنوان: (الدِّراسة الصَّوتيَّة والصَّرفيَّة)، وقد تضمَّن مباحث متعددة تتعلق بالناحيتين الصوتية والصرفية.

    وخُصِّص الحديث في الفصل الثَّاني للدِّراسة النَّحويَّة والتَّركيبيَّة)، التي تناولت دراسة التَّركيب النَّحويِّ، الَّذي تتكشَّفُ من خلاله عبقريَّة الشَّاعر، ومدى تفرُّده وتميُّزه عن غيره من الشُّعراء .

    وأمَّا الفصل الثَّالث فقد كان بعنوان: (الدِّراسة الدِّلاليَّة)، وقد تضمَّن دراسة اللُّغة من حيث دلالتها، أي من حيث أنَّها أداة للتَّعبير عمَّا يجول بالخاطر، وقد عقدتُ الحديث فيه عن الحقول الدِّلاليَّة ، والوحدات الدِّلاليَّة الممثِّلة لها، ودلالاتها المتنوِّعة، والسِّياقات المختلفة الَّتي وردت فيها .

وقد خلصت هذه الدراسة إلى نتائج عدة، منها:

أ-يُعَدُّ شعر عمر – وشعر غيره من الحجازيِّين – فضلاً عمَّا نُقلَ إلينا من أخبار ، مثل أحاديث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسيرته – من المصادر الوثيقة بعد القرآن الكريم لدراسة اللَّهجة الحجازيَّة، وبيان أهمِّ الخصائص والسِّمات الَّتي تنفردُ بها عن اللَّهجات الأخرى ، سواء في المظاهر الصَّوتيَّة ، أو الصَّرفيَّة أو النَّحويَّة أو الدِّلاليَّة .

ب- يمكنُ تعليلُ بعض المظاهر والاستعمالات اللَّهجيَّة المخالفة في شعر عمر، مثل: تحقيق الهمزة، بأمور عدَّة أهمها:

أنَّ اللُّغات واللَّهجاتِ غيرُ خاضعةٍ لقانونٍ شاملٍ يحكمُها، وإنِّما هي في عمليَّة تبادلٍ مستمرٍّ بينَها وبين غيرها ، طبقاً لطبيعة الحياة ، وطبيعة مجتمعاتها البشريَّة .

الاحتكاك ببيئاتٍ لُغويَّة أخرى، إذ إِنَّ من الصَّعب أَنْ يكون للقبيلة الواحدة حدودها الجغرافيَّة الخاصَّة، الَّتي تحولُ دون اختلاطها بغيرها من القبائل الأخرى، بحكم ديدن الحياة المتنقِّلة، الَّتي عاشها العرب في جزيرتهم العربيَّة.

ج- وجود مفردات متميِّزة من صيغ المبالغة، وجموع التَّكسير،  وبعض الألفاظ الأخرى ، صبغتْ معجم عمر اللُّغويَّ بصبغة التَّفـرُّد والابتكار.

د – أكَّد تفرُّد عمر باستخدام بعض الألفاظ أو التَّراكيب، – الَّتي لم ترد في كتب اللُّغة، أو ترد عند غيره من الشُّعراء -، أكَّد أنَّ اللُّغة في تطوُّر وتبدُّل مستمرٍّ، فاللُّغة ما هي إلاَّ كائن حيٌّ يُؤثِّر ويتأثَّر، فهي من أشدِّ المظاهر الحيويَّة لِيْناً ، وأقلّها تصلُّباً وتحجُّراً، وأطوعها للتَّطوُّر ، إذ إنَّ من غير المعقول أنْ تظلَّ اللُّغة محتفظةً ((بخواصِّها الأولى أو الثَّانية أو الثَّالثة ، إلاَّ إذا كانت لغةً بدائيَّة منقرضة، أو كان أهلها غير ذوي شأن في التَّاريخ ، ولم تكن العربيَّة هكذا ، ولا أهلها كانوا كذلك )).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى