المغرب العربي على صفيح ساخن..فهل من مبادرة عربية لإطفاء اللهيب؟

محمد المحسن | تونس
قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت إنه مع إعلان الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط، قد يتحوّل المغرب الكبير من منطقة ذات استقرار ملحوظ إلى “صفيح ساخن قابل للإنفجار في كل لحظة” ومن غير الواضح حتى الآن ما سيؤدي إليه التوتر المتصاعد بين الجارتين الذي قد تطال تبعاته المنطقة بأكملها.
 إن البلدين يتقاتلان من أجل الهيمنة الإقليمية منذ عقود،وتزايد الخلاف بينهما يرفع من منسوب التوتر في المنطقة التي تشهد أيضا أزمة سياسية داخلية في تونس،وحالة الحرب في ليبيا، إضافة إلى الانهيار المؤسسي لمنطقة الساحل المجاورة.
وفي مواجهة هذا السياق المسموم،يخشى أن تؤدي دوامة الاستفزازات إلى نوع من المواجهة العنيفة.علما أنه حتى الآن،سجلت بالفعل “تحركات للقوات على الحدود”.
لقد انخرط المغرب والجزائر لسنوات في سباق تسلح مكلف،ففي السنوات الخمس الماضية، كانت حيازتهما للأسلحة تمثل 70 في المئة من جميع صفقات أفريقيا.
وسبق للمغرب أن قطع علاقاته مع الجزائر سنة 1976 بعد اعتراف الجزائر بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية.ولم تُستأنف العلاقات إلا في 1988 بعد وساطة سعودية.
وهنا أضيف : عندما أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي،فسّر وزير الخارجية الجزائري رمتان لعمامرة ذلك بوجود أسباب عميقة أدت ببلاده إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة،تعود حسب قوله إلى العام 1963. يجب أن لا ننسى أن النزاع بين البلدين نزاع معقد ومتجذر منذ زمن طويل على  خلفية مسألة السيادة على الصحراء الغربية،ورغبة كل من البلدين بفرض نفسه كأكبر قوة إقليمية.
لكن إذا بحثنا عن الأسباب الفورية التي أدت إلى نشوب الأزمة،نرى أن التوقيع على “اتفاقيات إبراهيم” في خريف 2020 بين المغرب وإسرائيل،إضافة إلى الولايات المتحدة وبعض دول الخليج (الإمارات العربية المتحدة والبحرين)، ساهم بدون شك في تذكية النار.وبموجب هذا الاتفاق تعترف واشنطن بـ”مغربية” الصحراء الغربية،ويمثل ذلك للجزائر “داعيا كافيا للحرب”.خاصة وأن المغرب سجل في السنوات الأخيرة عدة نقاط على مستوى الدبلوماسية معززا مكانته على الساحة الدولية في حين ظلت الجزائر على الهامش.
أصل الأزمة وتداعياتها الدراماتيكية :
كانت أحداث الكركرات التي وقعت يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على حدود الصحراء المغربية وما أعقبها من اعتراف أميركي بسيادة المغرب على صحرائه واستثمار المغرب في ذلك السبب المباشر في تأجيج الوضع والدفع بالتوتر الذي كان متخفيا ومنضبطا بحدود معينة إلى الخروج للعلن في تصريحات متشنجة هنا وهناك، مما يشير إلى أن العلاقة بين الدولتين الجارتين دخلت منعطفا جديدا قد تكون له تبعات سلبية.
-في تقديري-،لم تكن أحداث الكركرات عادية من حيث أبعادها وبالنظر إلى الموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي تحتله المنطقة باعتبارها بوابة المغرب نحو أفريقيا، مما يفسر التدخل المغربي،وللتذكير بالحدث،فقد ولجت عناصر من جبهة البوليساريو عبر المنطقة العازلة بين الحدود الموريتانية المغربية، لينصبوا خياما في نقطة العبور التي تربط المغرب بالعمق الأفريقي، وذلك دفع المغرب إلى التدخل لفض الاعتصام وإزالة الخيام بعد إحاطة الأمم المتحدة بما يجري على موقع يعدّ شريانا للحياة الاقتصادية والتجارية للمغرب،وجسرا يربطه بالدول الأفريقية،وهي الدول التي أضحى التمدد الاقتصادي والسياسي المغربي بها يتمدد منذ عودته للاتحاد الأفريقي، مما يشكل هو الآخر دافعا لاشتداد النزاع.
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع :
هل الحرب واردة بين الجارتين ؟
قراءة التاريخ تجعل فرضية الحرب واردة، وإن كانت ضعيفة. فلا أحد كان يعتقد في وقوع حروب البلقان بجرائمها البشعة في قلب أوروبا إبان التسعينيات، ولا أحد كان يتخيل الحرب اليمنية أو الليبية أو السورية. وإذا عدنا الى التاريخ واطلعنا على كتابات المحللين بعد الحرب العالمية الأولى، كان الجميع يعتقد في استحالة وقوع حرب عالمية ثانية أخرى، بل دخول العالم مرحلة من السلم، ووقعت الحرب العالمية الثانية. وإقليميا، حتى الأمس القريب لا أحد كان يعتقد في عودة جبهة البوليساريو إلى الحرب، لكنها عادت وإن كان الأمر مجرد مناوشات عسكرية منخفضة، وقابلة للتطور في سياق التوتر الاقليمي. إن الأوضاع بين المغرب والجزائر تقارب نسبيا تلك التي سادت بين ألمانيا وفرنسا ما بين 1870 إلى انفجار الحرب العالمية الأولى، حيث أصبح العداء بين الطرفين مهيكلا فكريا وسياسيا وعسكريا وأدى إلى المواجهة الحربية التاريخية بينهما. لقد أصبح العداء العميق بين المغرب والجزائر مهيكلاً على جميع الأصعدة، ويتفاقم في ظل الحشود العسكرية على الحدود المشتركة، والغموض الذي يلف اتفاقية ترسيم الحدود، وبالتالي أصبح مرشحا للانفجار، أي وقوع الحرب إذا انفلتت الأمور من السيطرة الدبلوماسية. والأسوأ أن كل واحد منهما يعتقد أنه قادر على تحقيق الانتصار في الحرب إذا اندلعت.
على سبيل الخاتمة :
 تحمل التوترات الحالية بين الجزائر والمغرب في طياتها تأثيرات سلبية متعددة ينبغي تجاوزها أو عقلنتها في حدود معينة، منها ما يزرع أحقادا في النسيج المجتمعي للبلدين الذي توحده القسمات والخصائص نفسها،بالإضافة إلى تأثيرها في اقتصاد الدولتين، بل إن حدّة النزاع تحول الإمكانات التي يتوفر عليها المغرب والجزائر من عناصر يمكن أن تسهم في بناء مغرب كبير وفق تطلعات مشتركة للتقدم والنهوض إلى عنصر إضعاف وتفكيك، فضلا عن أن كل محاولات تغذية التجزئة تخدم بشكل ضمني إستراتيجيات الاستعمار، وتعد سقطة أخلاقية لساسة ودول تجمع شعوبها الثقافة نفسها والتاريخ المشترك والمصير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى