دعوة للبحث في الكتب القديمة والحديثة عن تسويغ للخطأ النحوي في القول ( نصفان إنّي )
ثناء حاج صالح | ألمانيا
ردّاً على ما كتبه الأستاذ الفاضل د. ناصر أبو عون في دفاعه عن النص الفائز في جائزة كتارا لشاعر الرسول – صلى الله عليه وسلَّم – لهذا العام2021 .
.
يقول د. ناصر أبو عون
أمّا قبلُ: فور إعلان فوز العُمانية بدرية البدري بـ(جائزة شاعرة الرسول)، امتشق ثلة من الشعراء المستبعدين من حلبة السباق سيوف النقد من أجفان الغيرة والحسد، والبعض الآخر استلّ نصل خنجره من غمد الجهل بصنعة النقد وجوهره، ومن ورائهم جاء الذين كانوا لهم تبعًا فامْتَخَطوا أمشاطا من ألسنة حداد سلقوا بها القصيدة وجرّدوها من كل فضيلة.
.ردي على هذا الكلام
.
من الطبيعي جدا أن يبدأ نقد النص فور إعلان فوزه بالمركز الأول. فاستجابة البشر وردود أفعالهم تأتي مباشرة بعد تعرِّضهم للإثارة والتنبيه. فلو أنك صفعت شخصا، فمن المتوقع أن يصرخ مباشرة بعد تلقيه الصفعة . ولا تنتظر منه تأجيل الصراخ إلى وقت آخر ، إلا إذا كان خائفا من الصراخ المباشر.
وقد تسبب إعلان فوز هذا النص بصدمة كبيرة لشريحة كبيرة جدا من متذوقي الشعر، بله الشعراء، والنقاد الذين لا يتفقون مع قرار لجنة الحكم في المسابقة .
وهذا يعني أن دوافع نقد النص الفائز قد ترجع إلى الغيرة فعلا ، ولكن ليس الغيرة من الشاعرة، وإنما الغيرة على الشعر والشعراء؛ والحال الذي وصل إليه مستوى شعر المديح النبوي ، طالما أن التخطيط للمستقبل في هذا الشأن ، يتجه باتجاه منح التيجان والمنصات الإعلامية لهشاشة الشعر وضعف البيان وتقصير البلاغة. وهو ما ينذر بكوارث الاضمحلال الثقافي والتقهقر الفكري والأدبي. لأن الشعراء جميعا يطمحون لإرضاء لجنة النقد في المسابقة ، ولا غرابة في أن يتسارعوا لكتابة وترسيخ الأنماط التي ترضيها طمعا باللقب العظيم وبالجوائز المالية معا .
.
يقول د. ناصر أبو عون
.
والذي لديه فضلة من ذائقةٍ شعرية وتابع سباق الجائزة على مدار دوراتها الخمس المتعاقبة سيتبين له خيط الطبع من خيط الصنعة من الشعر؛ حيث كان الشعراء يأتون إلى «كتارا»، وهم يحملون فوق أكتافهم قصائد السابقين الأولين أنموذجا ومثالا يحتذيه يبني عليه ولا يتجاوزه يخشى الإتيان بالجديد أو الابتداع مخالفة للسابقين الأولين؛ فمنهم من تلفّع بُردة البوصيري قلبا وقالبا، وآخرون تمنطقوا بإزار أمير الشعراء روحًا ونظمًا، وغيرهم اقتفى أثر ابن الخيّاط في صوره ومعانيه شكلا ورسما، وبعضهم قفز في قارب نزار قبّاني مقتفيا أثره لفظا ونغما، والبعض الآخر ارتقى سُلَّم حسان ابن ثابت وتقلّد سيفه واستعار بيانه وامتطى أفكاره.
.
ردي:
نعم. إن نص الشاعرة بدرية البدري لم يتلفع ببردة البوصيري، ولم يتمنطق بإزار أمير الشعراء، ولم يرتق درجات سلَّم حسان بن ثابت. ولكنه بالمقابل لم يلبس رداء جديدا يخصُّه، ولم يتحمَّل مسؤولية ابتكار زيَّ واضح ومميز يملأ عين الناظر بجماله وإتقانه وابتكاره ودقة بيانه وعلو بلاغته.
فالنص يكرر ما تم عرضه وتقديمه من أساليب تعبيرية في المواسم الأربعة السابقة، وكان هو أقلها توهجا . لأن كثيرا من الصور الشعرية فيه جاءت عادية مستهلكة في نسيج لغوي متقطع حوَّلها ، أو حوَّل بعضها إلى قصاصات غير مترابطة وغير متكاملة المعاني ؛ وهذه هي أسباب الهشاشة والتفكك المعنوي في أفكار النص ودلالاتها غير المؤكدة.
يقول د. ناصر:
أمّا بعدُ: ففي هذه الدورة الخامسة جاءت بدرية البدري إلى «كتارا» بقصيدة حداثوية مفتوحة على تأويلات لا متناهية، فأعرضت ابتداءً بقلمها عن الأبحر الخليلية القصيرة، وأمسكت بمغزل البحر البسيط الموغل في الجديّة والوقار ونسجت صورها على أنوال تفعيلته الثنائية «مُسْتَفْعِلُنْ» و«فَاْعِلُنْ»؛ فتمكّنت من تضفير اللغة الشعرية وتضبير مفرداتها، وتركيب صورها، ولضم أفكارها دررا ساطعةً، وثريات منيرة في سماء المديح النبويّ، ثُمّ ابتدأت بإسقاط التصريع قصدًا أو سهوًا أو طبعًا- فالأمر عندنا سيان- وهو تقليد عربيّ يَعُدُّه الشطر الأعظم من النُّقاد- قُدامى ومحدثين- عُمدةً في معمار القصيدة؛ فأفلتت من الشِّراك المُفخّخة المنصوبة تحت المصاريع المصطنعة تقليدًا لا إبداعًا من عثرة «الإيطاء»، وكبوة «الإقواء»، وسقطة «الإكفاء»، وهنّة «الإجارة»، وكل ما يصيب القوافي من ابتلاءات لا يُرجى شفاؤها.
.
ردي:
.
أولا
ليس استخدام البحر البسيط مما يُمدح به النص، وكذلك عدم وقوع الشاعرة في الإقواء وارتكابها الإيطاء وغير ذلك من عيوب القافية . لأن الأصل في كل ذلك هو الصحة والسلامة حتى عند الشعراء المبتدئين . فكيف بنا مع المرشح لحمل لقب ( شاعر / شاعرة الرسول)!
ثم إن المطلع مصرَع فهل ستغيرون رأيكم بعد اكتشاف هذا ليتحوَّل التصريع إلى ميزة جميلة بعد أن رأيتموه عبئا ؟
.
ثانيا
أين هو المديح النبوي في القصيدة ، بالله عليكم !
.
أين هو المديح ؟
إبحث في معاني النص في ثلاثين بيتا ، ولن تجد سوى المعاني المجهضة غير المكتملة وغير الناضجة تخاطب فيها الشاعرة الرسول – عليه الصلاة والسلام – عن بعد . ولا تأتي لا على ذكر معجزاته ولا على ذكر خصائصه ومميزاته ولا شمائله وأخلاقه ولا مكارمه وأمجاده . فأين هو المديح ؟
.
أما الاتكاء على مسألة (التأويلات اللامتناهية) فهو لا يُنجي النص من سقوطه في العجز عن تكوين المعاني القيِّمة التي تستحق الإشادة. فمؤشر تتابع الأفكار في النص لم يسجِّل ارتفاعا في تكوين أية عِبرة تراد من الكلام ، أو تجسيد أي حكمة تفيد القارئ وتشغل عقله بالتفكير وتخطف لبَّه بالتأمل والتدبر. بل سجّل النص هبوطا معنويا ، واتسم بالخواء الفكري من خلال استعراض الضياع النفسي للذات الشاعرة، والذي أصبح سمة نفسية لمعظم النصوص الفائزة بهذه الجائزة في دوراتها السابقة .
ولا يكاد المرء يعثر في كثير من تلك النصوص على رباطة جأش الشاعر أو الشاعرة، ولا على شدة وعيه وقوة إدراكه واختياره في اتباع نهج الرسول -عليه الصلاة والسلام – إلا على سبيل الاندفاع اللاواعي في الضياع، الذي يتوج مسيرة الإحباط بالمصادفة في وجود رسول يمكن اللجوء إليه . وهذا هو حال الشاعرة في قصيدتها
.
أتيتُ من هامشِ المعنى أحثُّ فَمي
علّي أراني، أنا من كُلَّهُ جَهِلا
.
فالشاعرة جاهلة لنفسها، أتت من هامش المعنى وليس من صميمه ومركزه، وهامش المعنى يدل على عدم امتلاك مركز المعنى ، والمعنى هو القيمة الفكرية. وجهل النفس دليل على التخبط النفسي، ودليل على الفراغ والخواء وفقدان البوصلة .
.
فمن أين ستأتي روح الفخر بأمجاد الرسول- صلى الله عليه وسلَم – ومن أين سيجد الشاعر بابا يدخل منه إلى المديح القوي الناصع المبين ؟
.
ومن الواضح أن الشاعرة كانت تحاول أن تقلِد من سبقها بالفوز بالجائزة وأن تسير على آثار خطواته، وأن تفصل مقاسات خطواتها على مقاسات آثار أقدامه، فاستولدت نصا عديم الملامح، غير مؤهل لامتلاك هوية شخصية تخصّه.
لأن هامش المعنى هنا تحوير طفيف لـ(عتمة المعنى) التي جاء بها الشاعر العماني الفائز بلقب (شاعر الرسول) جمال الملا حينما قال: (أنسل من عتْمة المعنى أغيب سدى) في مطلع قصيدته الفائزة بالمركز الأول عام 2016
.
أنسل من عتْمة المعنى أغيب سدى
خلعت نعليّ لا ظلا ولا جسدا
.
يقول د. ناصر:
ولأنّ البدريّة امتلكت ناصية السرد الروائي عبر روايتين واقعيتين هما: «ما وراء الفقد» و«العبور الأخير»، اللتين تخففت فيهما من الافتتاحيات الوصفية الطويلة، فقد نجحت في حمل هذه الخبرة الأسلوبية إلى قصيدتها «قنديل من الغار»، ودخلت إلى بِنية النص مباشرة متنصلةً من عبءِ «التصاريع» و«الافتتاحيات المطوّلة» التي تستهلك الطاقة الشعريّة المختزنة. وهذا ردّنا على من تحامل على الشاعرة منتقدا قائلا: «لا يوجد مطلع نبوي قديمًا وحديثًا لم يصرع فغياب التصريع لا يليق بنص مديح نبويّ طويل» ولا أدري من أين أتى بهذا الحكم الجائر قولًا وفكرًا.
.
كما استفادت بدرية البدري في بناء معمار قصيدتها من فنون إبداعية حداثوية متنوّعة ومتعددة المشارب والتوجّهات؛ فاستدعت تقنية «المشهد السينمائي» وكان بمثابة الناظم والعروة الوثقى القابضة على الوحدة الموضوعية والخيط الرفيع الجامع للآلىء القصيدة، فلم تنفرط حبّاتها ولم تتشظَّ صورها. ولتحقيق هذه الغاية العظمى اعتمدت الشاعرة على آليات عديدة في تركيب فسيفساء النصّ فاستعانت بتقنية «المونتاج السينمائي» في تركيب مشاهد السيرة النبوية، ولجأت إلى فن «الكولاج» في تركيب أبنية الصور المتجاورة أفقيًا، والمتوالية رأسيًا من المطلع إلى القفل، ونجحت في «تضفير» المشاهد التصويرية في بناء وحدة «عضوية» متينة السبك.
.
ردي:
.
القصيدة نعم حافظت على وحدتها العضوية لأنها عادت لتختم النص بالنقطة التي بدأت منها ( وهي خلع الجراح بالسطر)، ولكن لم تكن الروابط المعنوية بين تراكيبها اللغوية في البيت الواحد دائما قوية ومتواشجة . بل كانت هزيلة ورخوة ومنقطعة في بعض الأحيان : انظر إلى انقطاع الروابط المعنوية بين الصدر والعجز في هذه الأبيات:
.
أصغيتُ، كان هديلُ الوُرْقِ مِئذَنَةً
اركضْ بقلبِكَ تلقَ الأرضَ مُغتَسلا
و
يعدو بي الدربُ والأشواقُ راحِلتي
والغارُ أيقظَ جفنَ الليلِ وابتهلا
و
لا نورَ يوقِظُ هذا العصرَ من خَدَرٍ
والكهفُ لمّا أوى، أحصاهُمُ مِلَلا
وأما عن ضعف البلاغة وعجز البيان فخذ مثلا قولها (أرضا يحط عليها) فجعلت موضع الرسول في الأسفل لأنها شبهته بالأرض ، وجعلت موضع من يحط على الأرض أعلى من موضع الرسول لأن الأرض تأتي تحته مكانيا . وهذا لعمري من أبشع أنواع التصوير وأكثرها تنفيرا للذوق الأدبي ونفورا عن الذائقة الشعرية مع غرض المديح في الشعر على الرغم من صحة التشبيه . لأن عملية التخييل هنا تقتضي تخيُّل الرسول في موضع سفلي يعلوه من يحط على الأرض وهو ذلك الفتى الذي تتلبس الشاعرة شخصيته.
فلا حول ولا قوة إلا بالله .
أرضًا يحطُّ عليها كلّما وَهَنًا
هوى جناحاهُ، أو عن هَدْيِهِ عَدَلا
.
وانظر إلى التناقض في قولها ( ولا نصف يؤازرني ) مجتمعا مع قولها (والخوفُ جفنٌ على بعضِ الرجا انْسدلا)
نصفان إنّي، ولا نصفٌ يُؤازِرُني
والخوفُ جفنٌ على بعضِ الرجا انْسدلا
.
فإذا كانت نصفين هما الخوف والرجاء ، فإن الرجاء يؤازرها حتما لأنه يمنحها أملا ويقف في صفها ويشد من أزرها بهذا الأمل . فكيف تقول ( ولا نصف يؤازرني ) ؟
وهي على الرغم من كونها روائية لم تستفد من السيرة النبوية ولم تذكر شيئا من أحداثها ولم تلحق أيا من الأحداث بصاحب السيرة العطرة – عليه الصلاة والسلام – ولم تمدحه مديحا مباشرا ولم تلق أي ضوء على لا شخصيته ولا على أخلاقه العظيمة ولا على أثار رسالته السماوية في الزمان والمكان . ولا على أفضاله ولا على أفعاله .
كل الذي فعلته أنها تحدثت عن نفسها وعن حاجتها لاتباع هديه فقط وبأسلوب عام لا يحدد طبيعة هديه ولا يدخل في تفاصيل حضوره . فقد رأيناه في النص مجرد طيف هائم غائم بعيد لم يجد فرصة للحضور الثقيل الذي يملأ وعينا بهيبة حضوره وعظمة تمثل هذا الحضور . لقد كانت شخصية الشاعرة نفسها ضائعة في نصها وأضاعت القارئ وانتهت القصيدة وكلاهما ما يزالان ضائعين .
.
يقول د. ناصر
ثم اعتمدت الشاعرة استراتيجية «التَّناص» للاستفادة من تمازج السياقات المتنوّعة للنصوص المتعالقة مأخوذةً برغبة عارمة في إنتاج «سياق جديد» وتوليد رؤية مغايرة للعالم، عبر استدعاء «القصص القرآني» إلى ساحة النص، من خلال اللقطات المقربة دامجة بين الزمان والمكان متكئة على «التناص غير المباشر» أو ما يُعرف بـ«تناص الخفاء»، وكان «الحوار التفاعلي» حاضرا بقوة مرتديا عباءة «المنولوج الداخلي» في سائر مقاطع القصيدة.
.
وأرد قائلة:
لم تفلح الشاعرة في إنشاء تناص حقيقي واضح وسليم على الدوام . لأن استيراد لفظة واحدة أو لفظتين لا يكفي لإنشاء تناص عندما يكون السياق مفتقدا لذلك الترابط الذي يوحي بضرورة حدوث التناص في مكانه من السياق وفقا لمناسبته لما جاء قبله من تمهيد. فأحيانا يهيئ الشاعر للتناص مكانه بمؤشرات تسبقه أو تتبعه فيقع في مكانه المناسب وفي وقته المناسب . فإذا افتقد النص لهذه الإشارات المسبقة واللاحقة المتسقة مع سياق التناص فسوف يفشل التناص في إحداث الدلالة المطلوبة . وانظر إلى الشاعر كيف أفشلت التناص الذي حاولت إنشاءه مع (سدرة المنتهى ) عندما أتبعته بقولها ( هناك تنمو على الأشواك نرجسة ) . هذا القول الذي جعل التناص مضطربا كونه أضاف إلى دلالة الصورة ( سدرة المنتهى ) ما لا ينسجم معها ولا يدعمها وهو الأشواك والنرجسة .
واصعد إلى السدرةِ العُليا بلا حَذَرٍ
من دافِقِ العشقِ، إنْ ناداكَ وانهملا
.
هناكَ تنمو على الأشواكِ نرجِسَةٌ
تؤرجِحُ العطرَ في أوراقِها أَمَلا
.وكذلك الأمر فقد كان التناص فاشلا عندما جعلت الجبل ظلا للنور في قولها
(آنست نورا كان ظله جبلا ). فإن الجبل لا يصلح ليكون ظلا للنور وتفشل عملية التخييل . فضلا عن فساد المعنى لأنها جعلت للنور ظلا لا يليق بها بافتراض أن النور هو الله .
.
يقول د. ناصر
ومن أهم «آليات التناص» التي لجأت إليها الشاعرة، ما يُسمى بـ«التناص المباشر» في مطلع القصيدة وكان ذلك من باب الاستئناس بـ«المستنسخات النصية» احتفاءً بتراث السابقين من الشعراء الحداثويين في قولها: «اخلع جراحك» للشاعر السوداني (أبو ذر الغفاري) من قصيدته التي قال فيها: «اخلع جراحك لا تمل/ وارفع صلاة الاحتجاج بلا وجل/ وارفع يمينك واليسار/ لهم/ وقل/ سبحانك اللهم».
.
ردي:
لماذا ترون أن التناص الذي مارسته الشاعرة مع (تراث الحداثويين) مرحب به ، وتراث البوصيري وحسان بن ثابت وأمير الشعراء غير مرحب به، وكلهم ممن سبق . وأنتم ضد الاتكاء على ما سبق.
.
يقول د. ناصر وهو يقصدني
:
وقد خطَّأتْ إحدى الناقدات البدرية في قولها: «[نصفان إنّي]، ولا نصفٌ يُؤازِرُني/ والخوفُ جفنٌ على بعضِ الرجا انْسدلا»؛ متعللة بتقديمها خبر [إنّ] (نصفان) على «إنّ الناسخة واسمها» محتجّة بـ«إن وأخواتها»، تدخل على «أسماء الصدارة» ولا يجوز تقديم الخبر عليها، والناقدة هنا عرفت شيئًا وغابت عنها ما أورده ابن السّراج في كتابيه «الأصول في النحو» و«شرح كتاب سيبويه» بجواز «الابتداء بالنكرة» «فمتى حصلت الفائدة في الكلام، جازَ الابتداء بالنكرة»؛ فضلًا عن قول الكوفيين: «إن» وأخواتها لا تنصب الاسم ولا ترفع الخبر «جريًا على القياس في حطّ الفروع عن الأصول».
.
ردي:
أكرر ما قلته هنا سابقا : قول الشاعرة (نصفان إني ) خطأ نحوي قاتل لا يرتكبه تلامذة الصف السادس الابتدائي . وأما جواز الابتداء بنكرة فهذا أمر آخر يتعلق بمسألة جواز تنكير المبتدأ كما في أسماء الشرط والاستفهام . ولا يتعلق بتقديم خبر إن عليها . أما تقديم الخبر على إن وأخواتها فهو غير جائز .ولا يقول به أحد لا ابن السراج ولا غيره . ولا علاقة له بقول الكوفيين فيما يتعلق بعمل إن .
وعدم توفر دليل علمي من كتب النحو القديمة أو الحديثة تثبت فيه صحة قول الشاعرة ( نصفان إني ) لا يعني أن نغِّير الحقائق والقواعد لنختلق دليلا يجعل الخطأ صوابا .
وبناء عليه كان يجب استبعاد النص من المسابقة فقط بسبب هذا الخطأ الذي أفقده أهلية المشاركة في المسابقة.
.
يقول د. ناصر
أمّا القول إن البدريةَ نافست الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض خصائصه، بنسبتها للذات الشاعرة بعض هذه الخصائص في سياق متوالٍ عبر اختيارها ألفاظ مثل: «الوحي، السدرة العليا، المسرى» في قولها: «اخلعْ جراحَكَ بالسطرِ المُقدَّسِ، لا/ يصدَّك الذنبُ عن وحيٍ بكَ ارتحلا»، وقولها: «واصعد إلى السدرةِ العُليا بلا حَذَرٍ/ من دافِقِ العشقِ، إنْ ناداكَ وانهملا»، وقولها: «أتى تسيلُ ذنوبُ الأرضِ من دمِهِ / ما ضَلَّ مسراهُ، لكِنْ بالرؤى شُغِلا»، فنرد بأنه يمكننا القول إن «قنديل من الغار»، نصٌّ حداثوي جاء متدثرًا بخبرة السرد الروائي التي امتلكت ناصيتها الشاعرة وتتداخل فيه الشخصيات ويتمتع بمرجعية تحيل القاريء إلى عالم جديد خارج خيمة اللغة، ويفضي إلى عوالم شتى غير لفظية؛ فضلا عن تقمّص النَّاصّة شخصية الرسول، وتلبّسها بها، واستلهامها سيرته، وخلعها كل الأقنعة الصورية.
لقد تجردت البدرية من العوالق الملتبسة والمبهمة والمترسخة في ذاتها التي راكمتها المناهج الدراسية والحكايات الشعبية، وتداخلت كيميائيًا وذابت كليًا في الحقبة التاريخية للسيرة النبوية أثناء كتابة النص والذي نعتقد أنه تمّ إنتاجه على مراحل متعددة وفترات زمنية متباعدة.. هذا والله أعلم.
ردي :
النص لم يف شخصية الرسول العظيمة حقها من التكريم والمديح والإشادة ولم يقترب من الحديث عن سيرته العطرة ولو اقترابا ، وجاء هزيلا ضعيفا يعرج ويلثغ ويتلعثم . وتقمص الناصّة/ الناص لشخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم – أسميه تطاولا على شخصيته العظيمة التي ينبغي أن يحول الحياء والتهيب من التفكير مجرد التفكير بتقمصها . خاصة وأنها تعترف بأنها مرتكبة للذنوب . فمن هي ليحق لها تقمّص شخصيته .
ولكنني لا أراها أرادت تقمص شخصيته ولا أوافقكم في هذا التحليل، وإنما أعتقد أنها كانت تتقمص شخصية شاعر رجل بدليل قولها
.
خلفي تلفّتَ بعضيْ إذ رأيتُ فتىً
ساقيه أطلَقَ والريحُ استوتْ سُبُلا
فهي هنا تتقمص شخصية الفتى الذي يطلق ساقيه للريح ، وهو ما أنقص من صدق النص، ومصداقية عاطفته .