رثاء متأخر لغادة الكاميليا
د. علي زين العابدين الحسيني
في حياة المرء محطات عديدة يجب الوقوف عندها، وفي الأيام حوادث لا ينبغي المرور عليها سريعاً، وفي دنيا الناس شخصيات عزيزة الوجود لا يمكن تجاوزها، وللصداقة عناوين يحسن التأمل فيها.
أرى من الواجب عليّ -قبل أيّ شيء- أن أقرّ بتقصيري غير المتعمد في حق الشاعرة الإنسانة المتألقة شريفة السيد، وهي التي تبذل من وقتها جهداً واسعاً في دعوتي وغيري للكلام عن مثقفين عظماء أثروا حياتنا الأدبية.
حقاً صار إصفاء المودة لأهله واعتقاد العرفان لأصحابه نسياً منسياً عند الكثيرين، لكن أبت شريفة السيد أن تجسد هذه المعاني واقعاً عملياً ملموساً، ولها مع ذلك ميزةٌ كبرى أنها امرأة تحسن العمل مجتمعة أفضل مما تحسنه منفردة، فتشرك غيرها في طرق الخير.
أقول صدقاً: ما أروعها، وأصبرها!
وإذا كنت قد قصرت في معرفة الشاعرة الراحلة المرحومة السيدة كاميليا كامل عثمان عن قرب، إلا أنني قد استطعت أن أرسم عنها في ذهني صورة مشرفة محفوفة بالتقدير والاحترام من خلال قراءة ديوانها، وما تجمع لديّ من معلومات فريدة من أصحابها، وقد قرأت ما كتب عنها في شتى وسائل التواصل الحديثة، خصوصاً ما كان من عارفيها بداية من مرضها وانتهاءً بخبر وفاتها.
إنّ هذه المرأة عظيمة!
استطاعت لعظمتها أن تجمع قلوب وأفئدة الجميع على محبتها وتقديرها!
ولدت الشاعرة كاميليا كامل في محافظة الشرقية بمصر عام 1964م، وهي تعدّ شاعرة عامية في صدارة المتصدرين لشعر العامية بمصر، واختارت لنفسها “غادة الكاميليا” اسماً أدبياً، فاشتهرت به، وقد اتصلت اتصالاً مباشراً بالحركة الأدبية والثقافية بمصر منذ وقت طويل، متنقلة في الندوات والأمسيات الأدبية المختلفة، تعرفت فيها على كثير من الشعراء والنقاد بالوسط الأدبيّ، حتى أصبحت تدعى للمحافل الثقافية بمصر وخارجها.
عملت معلمة بالمرحلة الثانوية بوزارة التربية والتعليم، كما أنّها حازت شرف عضوية اتحاد الكتاب بمصر، وكانت تشغل منصب رئيس مجموعة “رضا علوان الثقافي” في العراق، فرع القاهرة، وأخرجت من الدواوين الشعرية: ديوان “طمي النيل”، وديوان “مركب ورق”، وديوان “شجرة التفاح”.
هي كما عرفتُ، لم يعرف عنها لؤماً في معاملة، ولا غشاً في صداقة، ولا حقداً على أحد، ولا سوءاً في أخلاق، ولا كتماناً لنصيحة، يرضيك أفعالها، ويطربك حديثها، ويعجبك شعرها، توثقت أسباب المودة وأواصر الخير بينها وبين زملائها، فأضافت الجديد لكلّ مَن تعرف عليها.
كانت موضع تقدير من جميع المشتغلين بالأدب، وخيرُ دليلٍ على ذلك تلك الصفحات التي حملت أخبار مرضها أولاً إلى أن نزل خبر وفاتها صاعقة على الجميع، فأصابهم أسفٌ تخالطه حسرات، وبكاءٌ يتخلله ذهولٌ، وحرقةٌ يعتريها رضا وإيمان!
لم أر شاعراً أو كاتباً غيبه الموت نال الرضا والحزن عليه من الجميع بكلّ معانيه مثل هذه الشاعرة!
أجل جفّ قلمها، وانطفأ بريق شعرها، فرحلت عن عالمنا بعد صراعٍ طويل مع المرض في يوم الإثنين أول شهر نوفمبر الحالي سنة2021م، عن عمر يناهز ٥٧ عاماً.
ومن عجيب محبة الناس لها أنه قد انفجرت صفحات أصحابها قبل وفاتها بالدعاء لها بالسلامة انفجار الواقفين على جبل عرفات بالدعاء، وازداد الأمر بعد نبأ وفاتها حتى بلغ ذروته، وحقّ لعارفيها ذلك.
أحقاً أصدقاء “كاميليا” لن تسمعوها بعد اليوم تنشد قصائدها الرقراقة؟!
أحقاً صحيبات “كاميليا” لن تجدوها بعد اليوم متنقلة في الأندية الثقافية والأمسيات الشعرية؟!
أحقاً صارت “كاميليا” مجرد ذكرى؟!
هكذا قضى المولى، فالأسى كل ّالأسى على صديقة مضت، وصاحبة وفاء انتهت أيامها، وزميلة حرفة انتهى أجلها.
إننا إذا حزنا على “كاميليا” فإننا نحزن علينا لا عليها؛ لأنها قد قدمت على رب كريم بخلق رضيّ، وعمل بهيّ، وإخاء مواسي، ووفاء مضحي.
وكلّ ما أملكه أنا وغيري من عارفيها أن نجدد الذكرى بها ما استطعنا، وندعو الله لها أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن ينزلها منزلة الأبرار في نعيم جنته.
أرجو لذويها الخير، وأدعو لهم بالتوفيق، وأختم بالسلام عليهم!