المواطنة كمفهوم وتطبيق وحياة يومية
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
الرسم بالأشجار – اللوحة للفنانة الأردنية هاجر الطيار
في الحديث عن علاقة الفنون بمفاهيم المواطنة تتسع التجربة وتظهر ملامح جديدة ضمن رؤى واقتراحات شبابية في ظل التطور المتسارع للثورة المعلوماتية وآفاق الفنون الإبداعية، هذا ما أرادته جامعة دار الكلمة في مؤتمرها الثالث والعشرين والذي اتخذ من الفن والمواطنة عنواناً لنقاش معمق ومستمر من خلال أوراق بحثية وتجارب ومبادرات تعزز من العلاقة بين الفرد والمجتمع ومفهوم الدولة.
ولعل انعقاد المؤتمر بشكل إبداعي جمع بين بيت لحم وبيروت وعمان والمحافظات الجنوبية في غزة إضافة إلى المشاركات من دول العالم المختلفة عزز من مفهوم التواصل والتحدي لسياسات الاستعمار بالانفتاح على التجارب والهموم المشتركة للمساهمة في صياغة بيان المواطنة الفاعلة رغم كل التحديات.
إن الاهتمام بآفاق التعليم الأساسي والتعليم العالي ومخرجاته وتحفيز العملية الإبداعية في سياق التطوير الأكاديمي وخلق مساحات ملائمة لتحفيز الاقتصاد الإبداعي يعزز من مفاهيم الصمود في مواجهة سياسات الاستعمار ويشكل مدخلاً أساسياً نحو فهم المواطنة في بُعدها المقاوم.
لعل فلسطين تجربة فريدة في سياق فهم المواطنة في ظل وجود الاحتلال والتقسيم الاستعماري للديموغرافيا الفلسطينية إلى كتل بشرية شبه معزولة عن بعضها البعض في غزة والضفة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل عام ١٩٤٨ إضافة إلى دول الشتات، ما يجعل مفهوم المواطنة أكثر تعقيداً في الحالة الفلسطينية ولكن بالاستناد إلى تجربة الانتفاضة الشعبية – على الأقل – خلال سنوات الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي وما مثلته من تجربة مضيئة في خلق كيانية سياسية تمثلت في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة والتي بدورها شكلت بؤرة ارتكاز وجذب استراتيجية عبر لجانها الشعبية المتعددة وحالة تنظيمية تشبه حالة الدولة في التخطيط والتنسيق والمتابعات اليومية عبر لجان التعليم الشعبي والصحي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها من آفاق العمل الوطني الفلسطيني.
يمكن القول بأن المواطنة كحالة ديناميكية تفسر علاقة الفرد بالمجتمع والدولة تحققت إلى حد معقول في تلك الفترة الزمنية والتي عبرت عن ذاتها سياسياً وثقافياً بشكل واضح معتمدة على حالة الشراكة الحقيقية والثقة الناشئة والمتعاظمة بين المجتمع ومفردات قيادة العمل الجماهيري الفلسطيني.
إن ارتباط جامعة دار الكلمة بالنبض الفلسطيني الثقافي واختصاصها في مجال تفعيل وتطوير آفاق التعليم الجامعي في مجالات الثقافة والفنون جعلها تبادر عبر مؤتمر الفن والمواطنة إلى اعتبار المؤتمر منصة للحوار والتفاعل العابر للأجيال والاختصاصات الثقافية المختلفة وصولاً إلى سياسات ثقافية قادرة على جعل المزج بين المواطنة والمقاومة كفعل انتماء ورؤية مساحة قابلة للتحقق ضمن مفاهيم احترام التعددية في المجتمع وتحفيز طاقات الحرية الإبداعية والوطنية القادرة على صون الوجود الفلسطيني من عبث التفتت والانعزال والهزيمة.
ليومين كاملين وعبر ستة جلسات والعديد من المداخلات الثرية في مضمونها ورؤيتها كانت القدس حاضرة افتتاح معرض نبض القدس في مقر الجامعة وعبر الحديث عن ملحمة الشيخ جراح المتواصلة والتي قدمت نموذجاً لمواطنة انسانية فاعلة عبر الوسائط الرقمية.
وكانت السينما والرؤى الموسيقية في الأغنية الوطنية وتجربة ناجي العلي الفنية حاضرة عبر تحليل أبعاد الصورة والأغنية الوطنية في تحفيز فعل المقاومة وعبر تحليل رسومات ناجي العلي الكاريكاتورية الملهمة في تعزيز مفهوم المواطنة وكان حضور مفاهيم صناعة المكان والتكوين الإبداعي عبر فنون الدراما عاملاً محفزاً على طرح المزيد من الأسئلة والمبادرات الثقافية الفاعلة.
وكان الانتصار لفلسطين الهوية والتراث عبر الثوب الفلسطيني والكوفية حاضراً مع افتتاح المؤتمر كرسالة تعبر عن مدلولاتها الوطنية عبر البعد الرمزي الذي شكله ارتداء الثوب والكوفية الفلسطينية في يوم افتتاح مؤتمر الفن والمواطنة في جامعة دار الكلمة في بيت لحم.