حديث الغريب.. من أصداء الرحلة (1)

سوسن صالحة أحمد _ سوريا | كندا
إلى الأوطان التي لفظتنا ولم تترك الأمكنة إلا وهي فارغة من إنسانها.
إلى الأوطان التي قتلت الطفولة ورملت الأحلام
إلى الأوطان التي رمت كهولها هياكل تمج اللقمة على أبواب منظمات موصومة بالإنسانية
وإلى القلوب التي لم تغيرها الحرب ولم تجعلها تتخندق إلا لصالح إنسان
إلى كل ما سبق
وإليك يا صديقي أكتب
أنا امرأة ابتلعت الحرب أحلامها، ودفنت نتاج سنينها الماضية لتبدأ من صفر جديد كلما استجدت خطوة في المسير، وكأن محصلة الصفر لا بد أن تكون حتميةً علينا الرضا بها لقلة النوافذ المفتوحة وخصوصا في وجه سكان الحروب، سواء يمموا شطرا آخر أو بقوا في ساحاتها، كأن الصفر هو كل ما نملك مهما امتلكنا.
أخشى تدوين تاريخ وسرد حدث، لأني سأروي الحكايات بعيني، وعيني لا ترى تفاصيلا غائبة عنها ربما لو عرفناها لغيرت وجهة النظر، الإحاطة ملكة لا يمتلكها البشر، لذا فأي رواية تاريخية ناقصة، أنا لاأصدق التاريخ، ولا أعول على كتبه لأعرف الحقائق، ثم إن ما يمضي عليه أن يلم كل شتاته معه، الحقيقة التي في يدنا هي الآن، الآن هو ما يعول عليه بقدر انتباهنا له، البناء على الماضي أمر يشبه عمارة رُفِعَت فوق خراب أو على أحسن تقدير فوق أرض تحتاج للتسوية للتوافق مع متطلبات البناء وأسسه القويمة التي تحفظ السلامة وتؤمن مبتغى إنسان منها، لذلك التسوية مع الماضي تكون فقط بأخذ العبرة، أما العيش على أطلاله وفي هوائه لهو أمر خانق، التاريخ جزء من السياسة، وربما جلها، لذا فهو لا يخدم بتدوينه سوى فكرة الكاتب، ومن أين لنا العلم بما ضمر أي مدون للتاريخ لنعي الخلفية التي كتب منها وبها ولها، والحياد يحتاج حيادا ليكون عينا باصرة بصيرة ومتبصرة لا تنحاز ولا تتخندق، كاسرة كل قوالبها الفكرية متنحية عن كل ما تعتقد لتدون بحثا عن علل التعب من غير إيحاء أو توجيه، من يملك هذه الحيادية المطلقة يا صديقي ليدون التاريخ دون بطولات ودون مهزوم ومنتصر!، محتفظا بوجهة نظره لنفسه، لأن قصده التأريخ لا امتلاك العقول بالإشارات، على أن كل ذلك يضيع تحت حكم عدم الإحاطة ومحدودية الوصول للمعلومة، وعلى كم الصدق أو الكذب الذي يُنقَلُ عبر هذه المعلومة.
من أجل هذا كله أقول أنا لست ابنة الحدث، والتأريخ لا يعنيني إلا بقدر ما يمكن له إعطاء حلول لشقاء الإنسان، على أن تداعيات الأحداث تطالني كإنسان، لذا سأنقل لك صورة روحي والتي هي نسخة عن أغلب الأرواح في بلدي في هذا الحدث الذي لم تنتهِ تداعياته للآن، ولم تبرد قهوة فمازالت حديثه رغم أنها صارت ممجوجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى