تداخل الأجناس الأدبيّة والفنون في سيرة “بغداد وقد انتصف الليل فيها” لحياة الرّايس

أميرة بوعزيزي | تونس

أولا – تقرير تليفزيزني

ثانيا – ملخص الرسالة الأكاديمية

أضحت الرواية النسائية تحظى بمكانة أثيلة مغاربيا وعربيا، متميّزةً بعلامات دالّةٍ على خصوصيتها واختلافها دفعت الكثير من النقاد والباحثين إلى مقاربة السرد النسائيِّ الروائيِّ لمختلف فروعه. وهو ما جعلها تصبح موضوعا اتّجهت له الساحة الأكاديميّة.

 في هذا الإطار يأتي اهتمام  رسالة ماجستير التي نوقشت يوم 28 ديسمبر 2021 في كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان – تونس بعنوان: تداخل الأجناس الأدبيّة والفنون في سيرة “بغداد وقد انتصف الليل فيها” لحياة الرّايس،  للباحثة أميرة بوعزيزي تحت إشراف الأستاذ الراحل بوشوشة بن جمعة، وقد تشكلت اللجنة من الأستاذ محمد صالح بوعمراني رئيسا والأستاذ الذهبي اليوسفي مقررا والأستاذ محمد إدريس مشرفا إداريّا، وقررتمنحشهادة الماجستير للطالبةبملاحظة حسن جدا.

وكانت رواية “بغداد وقد انتصف الليل فيها” لحياة الرّايس لقت اهتماما واسعا منذ طبعتها الأولى بدار ميّارة للنشر سنة 2018، حاملة ثمانية وعشرين فصلا  قصصيًا متفاوتة الطول والقصر، موزعة وفق حركة ذكريات الكاتبة متمّردة على طبيعة الزّمن الخطي، تُفصح على وجه ما عن مراحل القص وأطواره، مشحونة بطاقات إيحائية ورمزية نظرا لغلبة الطابع الوجداني عليها ويمكن للقارئ تمثّلها بقراءة سرديّة استرجاعيّة، فيحمل كلّ عنوان حدثًا معينًا أو حكاية قصيرة تترابط في ما بينها وتُشكّلها العلائق الوشيجة بين الشخصيات والأزمنة والأمكنة وتحوم جلّها حول ذات الساردة وتجاربها النفسية والثقافية والصحفية والدراسية والسياسية والعاطفية والاجتماعية التي ساهمت في تكوينها وما انتهت إليها من مصائر، وكأنها احتفاء بشخصية “حياة الرّايس” والكشف عن مراحل تحوّلاتها من الطفولة والصبا إلى مرحلة الشباب.

وقد اختارت الباحثة تجربةَ الكاتبةِ التونسيةِ “حياة الرّايس” لأهميّتها في المشهدِ الأدبيِّ التونسيِّ والعربيِّ صوتًا نسائيًا أثبتَ امتلاكَهُ العلاماتِ الدالّةَ على موهبةِ الكتابةِ السير ذاتيةِ وحذقه أفانينَ سحرِ الحكايةِ بارتحالها من كتابةِ القصةِ القصيرةِ والمسرحيةِ إلى تجريبِ الكتابةِ السير ذاتيةِ باعتبارها فضاءً يتسع للتعبير عن القضايا النسائيّةِ في المجتمعات العربيّةِ، واختارت هذه المدوّنة نموذجا إجرائيا باعتبارها تجربةً ابداعيةً اشتغلت فيها الكاتبة باستعادة سيرتها الذاتية متمثلة في رحلة سفرها من تونس إلى العراق وتحديدا بغداد للدراسة بكلية آدابها قسم الفلسفة وما لاحظته فيها من غنى الأجناس الأدبيّة والفنون التي انفتحت عليها واستوعبتها في تشكيلِ عوالمَها الحكائيّةِ وسدي نسيجها النصيّ، مُشكلةً روافد إغناء جماليّ ودلالي.

وتعتبر الباحثة أنّ حياة الرّايس أنشأت شعريّة عملها الإبداعيّ بتوظيف الحِوارَ الأجناسيَّ والمبادلاتِ الفنيّةَ بين مجموعة من الأجناس، فأفادت من جنس المذكرات ووظفت السرد الروائيّ واستعارت آليّات التخييل الذاتي واستثمرت الأدوات الشعريّة بطاقاتها الرمزية واللّغوية والايقاعية وتزيين القالب السردي بنصوص شعرية مختلفة ووظفت الأسطورة بأبعادها العجائبية وتعبيراتها الرمزيّة واستحضرت آليات الرحلة وفن التّاريخ وإيقاع الغناء، حيث أتاح لها هذا الانفتاح أن تكون ثرية بفعل تماس تخومها بتخوم هذهالأجناس في صياغة عوالمها الفكرية والجمالية التي يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي والواقعيّ بالمتخيّل والسرديّ بالشعريّ والحقيقيّ بالعجائبيّ وهي عوالم بقدر ما تختلف ظاهريا تتآلف لإعادة تشكيل سيرتها الذاتية بعد انقضاء ما يقارب الأربعة عقود من خلال الاشتغال المكثف على الذاكرة في إعادة صياغة وقائع تلك المرحلة من حياتها عبر تحويلها المنقضي من تجارب وجودها إلى نص سير ذاتي مقروء. واستطاعت بذلك الخروج عن السائد خروجًا واعيًا نابعًا من “معرفة” بعبارة بارت، حيث جعلت سيرتَها الذاتيةَ الروائيةَ بانفتاحها على الفنون وتعايش الأجناس الأدبيّة معها تُجسدُ “الرفض” شكلًا ومضمونًا: رفضَ التزامِ قوالبِ السيرة الذاتية التقليدية وقواعدها، رفضَ طقوس التلقي السائدةِ، رفضَ قيود مجتمع ذكوري يُحكمُ قبضته عليها ويُعرقل مسار تمرُدها على الموجود وتوقها نحو المنشودِ.