الحركة الشيوعية في فلسطين
رائد محمد الحواري | فلسطين
اعتقد بأننا في فلسطين بحاجة ماسة إلى كتب التاريخ الفلسطيني الحديث، فنحن معرضون للمحو وتزيف والتشويه من أكثر من جهة، كما أن تواجدنا في الشتات جعل تاريخنا غير مكتمل ومجزوء، من هنا نجد مادة تكتب هنا ومادة تكتب هناك دون وجود جامع بينها أو تنسيق، فأحيانا يكون تعارض في المعلومات أو نقص، وإذا علمنا أن الفصائل والمنظمات والأحزاب الفلسطينية كانت ـ ومنها ما زال ـ مطلوبا للنظام الرسمي العربي، نعلم أن أهمية تدوين التاريخ، من هنا نحن نتلقف اية مادة تاريخية معاصر فلسطينية بلهفة واهتمام.
بعد كتاب “فيض من الذاكرة” يقدم لنا “عبد الرحمن عوض الله” هذا الكتاب محاولا أن يلخص فيه تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني، ورغم اهمية الكتاب إلا أنه انتهج طريق حرق المحطات والقفز عنها، فمثلا لم يوضح لنا لماذا تشكلت “عصبة التحرر الوطني في فلسطين” وما هي الأسباب الحقيقية وراء خروج العرب من الحزب الشيوعي الفلسطيني وتشكيلهم للعصبة، كما أنه بعيد عن النهج التحليلي في كشف طبيعة الاشتراكية/الماركسية اليهودية ودورها في المشروع الصهيوني، فعلى سبيل المثل يقتبس الكاتب شيئا من برنامج “حزب العمال الاشتراكي في فلسطين” : “… وأكدوا أنهم سيناضلون من أجل ضمان انتصار الثورة الاشتراكية في فلسطين وتحقيق مبادئ “الصهيونية البروليتارية الحقيقية” … حذر قائد الحزب “ماير زون” العمال اليهود في فلسطين من مغبة الانقياد وراء السياسية الشوفينية المعادية للعرب التي ينتهجها زعماؤهم الصهاينة،…كما أعلن “ماير زون” أن هدف حزب العمال الاشتراكي في فلسطين يجب ألا يقتصر على إقامة مجتمع يهودي في البلاد بل يجب أن يتعدى ذلك إلى إقامة مجتمع أسمى، مجتمع عمالي حر قائم على الثورة والسلام، السلام ليس مع الحكومات فحسب، بل مع الشعوب أيضا” ص6و7، فالكاتب يحاول أن يلامس الحقيقة من خلال تحليله لهذا الطرح فيقول: “غير أنهم لم يتحرروا كليا من الأوهام الصهيونية، ولم يكتشفوا التناقض العدائي بين الصهيونية والشيوعية، واعتقدوا أن “الصهيونية البروليتارية” أي إقامة دولة اشتراكية يهودية في فلسطين لا يتعارض مع مصالح الكادحين العرب” ص7، من يقرأ “لينين” وكيف تناول المواقف والاحداث وكيف فككها وحللها، يعلم أن كل كلمة تخرج من “حزب/قيادي” بحاجة وقفة وتحليل، فلا يجوز (سياسيا) أن نمر مرور الكرام على برنامج حزب سياسي دون أن ندخل إلى أدق التفاصيل والأسباب والدوافع وراء تشكيل هذا الحزب.
هناك مسلمات لا بد من التوقف عندها، منها أن كل مكونات الشعب الفلسطيني، من برجوازية واقطاع وعمال وفلاحين تضرروا من الهجرة الصهيونية، فقد فقد الاقطاعي أرضه كما هو حال الفلاح وانتزعت منه مكانته الاجتماعية والاقتصادية، وهذا الأمر انطبق على (البرجوازية) الفلسطينية ـ إن كانت هناك برجوازية أصلا ـ وعلى العمال كذلك، فالمشروع الصهيوني إن كان اشتراكي أم رأسمالي يقوم على حساب الفلسطيني وعلى حساب أرض فلسطين، ففي كل النواحي هناك خسارة سكانية وجغرافية للفلسطيني، واعتقد آن الأون للحزب الشيوعي الفلسطيني والاحزاب الشيوعية العربية أن تعي طبيعة الصراع وتقف موقف (موضوعي/ماركسي) مما يجري في فلسطين، فقد تبين حقيقة المشروع الصهيوني في فلسطين ودوره الوظيفي في المنطقة العربية، ولا حاجة لبقاء “الرأس في الرمال”.
من المفترض أن يكون أي هدف أي حزب سياسي خدمة الشعب الذي يوجد في بلاد/دولة/جغرافيا معينة، فمن هو الشعب الذي يخدمه “حزب العمال الاشتراكي في فلسطين”؟ هو سيخدم بالأساس (المهاجرين اليهود الصهاينة) وليحقق ـ كما جاء في البرنامج ـ النظام الاشتراكي، فماذا سيستفيد “الفلسطيني” من هذه الاشتراكية إذا كانت على حساب أرضه وعلى حساب دوره ومكانته في المصنع/الأرض؟.
اجزم أننا في فلسطين ذهبنا إلى الشيوعية صادقين مؤمنين، لكن الصهاينة جاؤوا إلى فلسطين باشتراكية صهيونية، بمعنى أنهم جاؤوا لتحقيق وعد بلفور ـ إقامة دولة لليهود في فلسطين ـ من هنا أنا كفلسطيني لا يهمني النظام الذي سيطبق في فلسطين أو في أية دولة في العالم إذا كان هذا النظام يضر ويتعارض مع مصلحتي كفرد وكشعب وكأمة، هذا هو مربط الفرس، من هنا أذكر برواية “علي، سيرة رجل مستقيم” للروائي الفلسطيني “حسين ياسين” الذي استطاع أن يكشف حقيقة الصراع وطبيعته بين الفلسطيني واليهودي/الصهيوني، من هنا أدعو إلى التقدم من هذه الرواية لتكون رواية “الحزب الشيوعي الفلسطيني” ليس لأنها تبحث في تاريخ الشيوعيين الفلسطيني فحسب، بل لأنها تحلل وتوضح الخلل في الهدف البرنامج والهدف بين جماعتين، اليهود الصهاينة والفلسطينيين، فلكلا منهما أهدافه التي تتناقض مع الآخر، فكيف يجمعهما حزب واحد؟.
واعتقد أن برنامج “الحزب الشيوعي الفلسطيني” أثناء وجود العصبة كان يخادع ويضع السم في العسل من نجده يطرح حل المسألة الفلسطينية بهذا الشكل: “… دعا إلى دولة فلسطينية فدرالية، وإلى قيام مجلسين: مجلس نيابي يتكون حسب التمثيل النسبي، والآخر مجلس للقوميات يتساوى فيه عدد ممثلي العرب واليهود” ص20، بينما طرحت “عصبة التحرر الوطني في فلسطين” رؤية واعية تبين حقيقة المشروع الصهيوني في فلسطين، من هاذين البندين: “1ـ تصفية الانتداب حالا وجلاء الجيوش البريطانية.
2ـ إنشاء حكومة ديمفراطية مستلقة في فلسطين، هذا هو السبيل الوحيد لإيجاد حل ديمقراطي عادل للمشكلة الفلسطينية” ص21، إذا ما قرنا بين الطرح الأول والثاني، نجد ان الأول ـ من المفترض أن يقدم حل، لكنه مع طرح وتقديم الحلول يضع التعقيدات، فكيف لجماعة جاءت غصبا وبطرق غير مشروعة إلى فلسطين إن يعطوا “مجلس للقوميات يتساوى فيه عدد ممثلي العرب واليهود ” وهنا علينا أن نتوقف عند هذا الطرح، هل عدد اليهود في ذلك الوقت يعطيهم الحق بأن يكونوا متساوين بعدد الفلسطينيين؟، وهناك خطأ قاتل فيما طرحه “الحزب الشيوعي الفلسطيني” فكيف يستخدم مصطلح “القوميات” علما بأن الفلسطينيين يشكلون جزء من أمة/قومية وليس أمة/قومية، والمهاجرين اليهود هم خليط من الناس لا جامع بينهم؟ أليس هذا تلاعب بالألفاظ واستخدام مغلوط للمصطلحات؟ ومع هذا يعتبر الكاتب أن برنامج الحزب الشيوعي الفلسطيني برنامج جيد.
وكتأكيد على أن المشروع الصهيوني هو مشروع (امبريالي عالمي) اشترك وساهم فيه النظام الاشتراكي/الشيوعي مع الرأسمالي/القومي معا، كان “الحزب الشيوعي الفلسطيني” ـ وقد أصبح خالص لليهود بعد أن شكل الفلسطينيون العصبة ـ معترف به من الأممية الشيوعية (الكومنترون) بينما العصبة والتي تشكلت وشكلها العناصر الفلسطينية التي خرجت من وعلى الحزب الشيوعي الفلسطيني، لم يعترف بها من الأممية الشيوعية: “مع العلم بأن العصبة لم يكن بينها وبين الحزب السوفيتي أية علاقة رسمية” ص21، مع العلم أن العصبة كانت مخلصة ومؤمنة بالشيوعية أشد الإيمان، ومع هذا تجاهلتها الأممية الشيوعية كما تجاهلت من بعدها الحزب الشيوعي في قطاع غزة بعد أن قسمت فلسطين بين ثلاثة كيانات سياسية “دولة الاحتلال، والأردن، ومصر، وقد اعترفت الاممية بالحزبين الشيوعي الأردني والشيوعي الإسرائيلي، بينهما لم تعترف بالشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، كما لم تعترف الدول العربية ب”هيئة العليا” أليس هذا الأمر يستدعي التوقف والتأمل؟، السوفييت والدول الرجعية العربية كلاهما لم يتعرف بأي شيء اسمه فلسطين، أليس هذا دليلا على أن (فلسطين) وشعبها هما المستهدفين من هذا الأمر؟، ولتأكيد هذا الأمر يقول “نايف حواتمة” أن السوفييت تأخروا كثيرا ـ حتى عام 1981 ـ قبل أن يعترفوا بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واقامة دولته على الأرض المحتلة عام 1967.
ومن علامات القفز على المراحل وحرقها يقول الكاتب: “…ولم ينضم الحزب رسميا كحزب إلى (م. ت .ف) إلا بعد عام 1987 رافضا الالتزام بميثاقها الذي يطرح برنامجا غير واقعي لحل قضية الشعب الفلسطيني” ص29، يا ليت الكاتب وضح لنا ما هي مواد الميثاق الوطني الفلسطيني التي يراها الحزب “غير واقعية” فكلنا يعلم أن الميثاق الوطني الفلسطيني يعد مرتكز أساسي للشعب الفلسطيني وهو الجامع والموحد للفلسطينيين، فكيف يمكن لحزب سياسي فلسطيني أن يجد فيه ما يحول دون انطوائه تحت هذا الميثاق؟.
ولي ملاحظة على تغييرات اسم الحزب، فقد كان “الحزب الشيوعي الفلسطيني” ثم تغير إلى “حزب الشعب الفلسطيني” وبعدها إلى “حزب الشيوعيين الفلسطينيين” فهل لهذه التغييرات مبرر؟، وهل الاسم هو المشكلة؟ وهل تغير الاسم يعني/يشير إلى تغير في البرنامج/النهج/الاسلوب؟ اعتقد أننا بحاجة إلى وقفة عند هذه التغييرات (الشكلية) والتوقف عن البرنامج/النهج/الاسلوب/الطريقة المتبعة من الحزب، فها هي دولة الاحتلال تشكل احزاب جديدة وتموت احزاب قديمة، لكنها في النهاية تخدم المشروع الصهيوني، فلا يهمها لا حزب ولا قادة مؤسسين أو آباء، فمشروع الدولة وخدمتها هو الأساس والمحرك لأي حزب.
والكاتب يتناول “جماعة الاخوان المسلمين” ودورهم في تخريب المنطقة العربية ومنها فلسطين، مبينا الطرق القذرة التي يستخدمونها لتمرير مشروعهم المشبوه، وكيف يتقبلون بمواقفهم حسب ما تمليه مصالحهم الشخصية وليس الوطنية: فعلى سبيل المثل، عندما طلب منهم المشاركة في الانتفاضة الأولى قالوا “…نحن لا نشارك في انتفاضة شيوعية” ص69، لكن بعد شهرين من هذا الرد نجدهم يخرجون بهذا البيان: “لقد قررت حركة الإخوان المسلمين في اجتماعها الأخير بتاريخ 28/2/1088 المشاركة في الانتفاضة تحت اسم مرحة المقاومة الإسلامية (حماس)” ص69، وهذا المر تكرر في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي حاربته في عام 1996 وأيدته في عام 2006، وهناك سلوك همجي عدائي لكل ما هو وطني أو قومي، يقدم لنا الكاتب هذه الحادثة كتأكيد على نهج الإخوان المعادي لكل من هو ليس من الإخوان: “وفي أثناء كلمة الدكتور حيدر عبد الشافي تسلل أحد العناصر الملتحية إلى المنصة وأمسك بالميكروفون وصرخ بأعلى صوته “الله أكبر الإسلام هو الحل” ص71.
اعتقد أن لعبة الإخوان أصبحت مكشوفة، خاصة بعد انقلابهم في غزة وبعد أن انقلبوا على الدولة السورية التي قدمت لهم ما لم يقدمه أحد، لكنهم يتبعون برنامج الإخوان المسلمين العالمي، من هنا لا يمكن أن يكونوا في فلسطين إلا ضمن هذه الجماعة وبرنامجها ودورها التخريبي الهدام.
الكتاب من منشورات المركز الفلسطيني لقضايا السلام والديمقراطية، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2016.