اليهود، لم يعودوا يسكنون بولندا !!
توفيق أبو شومر | فلسطين
نشر الإعلامُ الإسرائيلي موافقة البرلمان البولندي في 26 يناير 2018م على مشروع قانونٍ، يُجرِّم كل من يتهم بولندا بمشاركتها في الهولوكوست، أو يكتب، أو يردد عبارة: “مخيمات الإبادة الجماعية في بولندا” فإنه سيُسجن ثلاث سنوات!!
اعترضتْ إسرائيل على القانون، لأنه يُعفي إسرائيل من ابتزاز حكومة بولندا، ويُشكك في رواية إسرائيل للهولوكوست، المعتمدة رسميا في العالم، لأجل ذلك استدعتْ الخارجيةُ الإسرائيلية السفيرَ البولندي (لتوبيخه) على هذا القانون، يوم 27-1-2018م.
لم تكتفِ إسرائيلُ بتوبيخ السفير البولندي، بل نشرتْ وثائق من المكتبة الوطنية الإسرائيلية في القدس، تؤكد تورط بولندا في التعاون مع النازيين، ويبدو أنها لم تعثر على وثائق مهمة تُثبت هذا التورط.
(نشرت، صحيفة يديعوت أحرونوت، يوم 29-1-2018م صور مظاريف الرسائل البريدية، المُرجَعة إلى مُرسليها، يهودِ بولندا، بين عامي 1940-1941م أي خلال الحرب العالمية الثانية، وهي تسعةٌ وخمسون رسالة بريدية، كان يحتفظ بها، رئيس الجالية اليهودية في، كراكوف، بولندا، متشل ويخت.
على غلاف الرسائل الخارجي تعليقات سُعاة البريد مكتوبة بخط اليد:
“تُعاد الرسالة لمرسليها”!!
“اليهود لم يعودوا موجودين في بولندا”
“رُحِّلُ اليهود من بولندا”
” أما عن طوابع البريد الملصقة على المظاريف فمكتوب عليها، باللغة البولندية:
“النصر للألمان في كل الجبهات”) انتهى الاقتباس.
سأعيدُ مرةً أخرى فتحَ ملف، أهمية الاحتفاظ بالأرشيف، وضرورة وجود مكتبة وطنية لحفظ التراث، بخاصة للفلسطينيين!
إنَّ انصرافنا إلى مهمةٍ وحيدة فقط، هي توثيق وإحصاء خسائرنا المادية، بسبب الاحتلال، شغلنا عما هو أهم من ذلك، أي، خسارتنا الفكرية والثقافية.
ليس من قبيل المبالغة القول؛ إن الاحتلال أصاب ذاكرتنا الوطنية الثقافية، فأثَّر على قدراتها التخطيطية، لأن المحتلين الإسرائيليين كانوا يخشون وجودَ شعبٍ مثقفٍ واعٍ، له تاريخ عريقٌ في أرضه، كشعب فلسطين، المثقَّف الحضاري، فذلك أكبر مُهدِّد لوجوده، لأجل ذلك، أسست إسرائيل وحداتٍ عسكرية، مهمَّتُها، مصادرة الوثائق والمخطوطات، والتراث الفلسطيني بكاملة، لكي تمسح حلقة الاتصال بين هذا التراث العريق، والأجيال الفلسطينية الناشئة.
لم يكتفِ الاحتلالُ الإسرائيلي بتزييف التراث الفلسطيني، والادعاء بملكية إسرائيل لصحن الحمص، والفلافل، والحطة الفلسطينية، والدبكة، والشكشوكة، بل عَمِد المحتلون إلى تزييف وثائق ملكية الأرض، الطابو، والمواقع الأثرية الكنعانية، والمعابد، والمساجد، والكُنس، في أبشع عملية تطهير ثقافية في التاريخ!!
للأسف هذا التزييف لم يُبرمج بعدُ في أجندة النضال الفلسطينية، ضمن خطة محكمة، لوزارة، أو لجنة مختصة، تأخذ في الاعتبار، مطاردة الاحتلال في كل القطاعات الحكومية وغير الحكومية في العالم.
قبل عامين فقط ، نشرتْ صحيفة، هارتس خبرٍا عن وجود وثائق فلسطينية، صادرها الجيش الإسرائيلي، عام 1948م من منازل الفلسطينيين، تشمل مكتباتٍ خاصة، ووثائق، ومستندات، لم يُتابع هذا الملف بالاهتمام الواجب.
ليس التاريخ ببعيد حين أرسلت إسرائيلُ إلى رئيس مركز الدراسات والأبحاث الفلسطيني في بيروت، الدكتور، أنيس صايغ، رسالة ملغومة عام 1972م، أدت إلى بتر أصابعه، ثم قصفت إسرائيل مكتبة المركز بثلاثة صواريخ، دمرت المكتبة بالكامل يوم 14-12-1974م.
لم تَكُفْ إسرائيل عن متابعة هدفها، المتمثل في سرقة الذاكرة الفلسطينية، عندما اجتاح الجيشُ الإسرائيلي لبنانَ، عام 1982م استولى على كل وثائق مركز الدراسات والأبحاث، ونقلها إلى إسرائيل، كأبشع جريمة في حق التراث الفلسطيني!
حتى في غزة، والضفة الغربية، غرزتْ إسرائيلُ بين الفلسطينيين كُرَهَ اقتناءِ الكتب والوثائق، لأن جيش الاحتلال، اعتاد أن يُفتِّش البيوت، وكان يعتبر الكُتبَ دليلَ اتهام على صاحب المكتبة، فيُسجن الفلسطيني على هذه التهمة فتراتٍ طويلة.
ما أزال أذكرُ أن مكتبتي التي تركتها في منزل والدي، في معسكر دير البلح، عندما كنت طالبا جامعيا، قد جرى التخلص منها نهائيا، خوفا من غارات الجيش الإسرائيلي المحتل في ساعات الصباح على البيوت، كي لا يُتهم أحدٌ من أفراد أسرتي بجريمة الاقتناء!
كنتُ أيضا شاهدا على نُقل أرشيف الثورة الفلسطينية من تونس إلى قطاع غزة، عقب اتفاقية أوسلو، وكيف عطَّل الإسرائيليون إدخال هذا الكنز الأرشيفي، ولم يسمحوا بإدخاله، إلا بعد أن تأكدوا بأنه سيُدمَّر أيضا، فاحتجزوه على معبر رفح مدة طويلة، ثم وافقوا على إدخاله بشاحنات مكشوفة في يوم مطير، وأفرغه أهلُهُ كما تُفرغ حاويات القمامة، داخل ورشة ميكانيكية للسيارات القديمة في سرايا غزة، ثم سُرق!!
اخيرا، إن الشعوب التي لا تحفظ تراثها، لا يمكنها أن تُنافس على التطور والرقي، وتربية جيلٍ جديدٍ يواصلُ مسيرة النضال، وستظلُّ دوما تُعيد تجاربها السابقة مراتٍ عديدة بالأخطاءِ نفسِها