لا غرابة، إنها أفريقيا السمراء
سميرة والنبي | أديبة وإعلامية – باريس
كانت رحلة ممتعة على مدى أسابيع، كانت فرجة حماسية وشيقة تلك الوصلة الفنية الاخوية التي جمعت المنتخبات الكروية مع ملايين الجماهير، في منافسات النسخة الثالثة والثلاثين من نهائيات كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم.
لكني أود أن أقول كلمة، كلمة عن قصد أو عن غير قصد… كلمة حق قد نتفق أو نختلف على مضمونها لكن المرام ،تحية لأهل الأرض …
وكلنا أمل، وعلى أمل ،أن لا تكون هذه الكرة البلاستيكية او الجلدية العجيبة أداة للتفرقة والكراهية بين الشعوب… وهنا أتوقف برهة ولو أن تلك البقعة من كوكبنا الصغير تستحق أكثر من وقفة، أكثر من لفته وكل المحبة …
في تلك القارة الافريقية الجنوبية، عاشت شعوبها منذ غابر الازمان على التلاحم بين القبائل والاتنيات المختلفة، على القيم والاخلاق والاسراف في المحبة ….لا يعترفون بالحدود، كل الارض أرضهم ، أرض الله ،إلى أن غزاها اللورد البريطاني ودخلها الاستعمار على اختلافه مدججا بكافة الاسلحة ، ليستبد بهم على حين غرة ،ويأخذ من خيرات تلك الارض ،وينهب دون حسيب أو رقيب …
وذاك يوم طويل منحوت، حول بطولات الاجداد، في كتب تاريخ التحرر العالمي.
ولا غرابة في أن يناضل الافارقة لاسترداد أرضهم تلك الارض المتجذرة في تاريخ البشرية ، كريمة سخية منذ الأزل …تحمي في باطنها ، خيرات الدنيا من الماس ومعادن واحجار كريمة وغاز وبترول ، وخضروات وفواكه وشتى الخيرات جعلت المنطقة السمراء في مرمى أطماع الاستعمار …بيد أن الكنز الذي توارثته الاجيال هو الاخلاق والمبادئ العالية ،التسامح والمحبة والضيافة …
لا غرابة ، فهي شعوب القارة السمراء …
لا غرابة ، وهي التي تعايشت مع الغريب قبل القريب .لكن في المقابل ، لايزال ابناؤها في يومنا هذا ، يعانون من تبعات ذاك المخطط الاستعماري الذي أخذ أرضهم ونهب حقهم في العيش الكريم … وحتى حينما يقرر بعض ابنائها الهروب من ضيق العيش والفقر ،وهي من تداعيات الحقبة الاستعمارية نفسها ، حين يقررون الخلاص ، ذات ليلة سوداء في معركة مع الامواج على متن قوارب الموت ! حتى إن بلغوا برَّ الامان ، وجدوا الحراس مدججين بالسلاح على حدود أرض الغزاة الأولين ،خلف الابيض المتوسط ، يزجون بهم في سجون مخيمات العار! … خلف سياج يفصلهم عن الحرية بأمتار …ينظرون الى لأوطانهم ،الى ضفة الجنوب في شجون والدمعات تلجلجت في العيون …أصواتهم مبحوحة … أنفاسهم مختنقة … ينتظرون الفرج وبدعوات الامهات يبلغون …
في وقفتي هذه اليوم ، أود أن أوجه تحية لتلك الارض ،أصلي وفصلي و أصل البشرية جمعاء، تحية إجلال واحترام للمرأة الافريقية المثابرة الصابرة بلا هوادة …تحية إجلال واحترام للشعوب الافريقية من شمالها الى الجنوب … من كينيا والتحرر من عبودية اللورد البريطاني ، إلى الغابون أثيوبيا وغامبيا والسينغال الصوفية والدراويش، إلى وزامبيا ساحل العاج والقوافل ، نيجيريا النيجر غناوة ، والصومال ارض الملح طريق الحرير الى سودان الخرطوم والعاج ومالي طوارق الصحراء الامازيغ المور في مغربها الاقصى ،منبت الأحرار ، وغيرها من الأمم الشامخة بعراقتها … فلا غرابة ، إنها أفريقيا السمراء .