مقال

رحلة إلى القرن الخامس الهجري في كتاب: خراسان في العصر الغزنوي

تأليف: د. محمد حسن العمادي

قراءة: د. محمود رمضان

قدم المؤرخ الدكتور محمد حسن العمادي رحمة الله عليه وغفر له بإذن الله تعالى – أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية العلوم الإنسانية بجامعة قطر – للوسط العلمي والأكاديمي، كتاباً جديداً في منهجه التاريخي، قيّمًا في معلوماته التاريخية والأثرية، أرَّخ به لفترة مهمة جدًا في حلقات التاريخ الإسلامي الأول في خراسان، وخاصة في العصر الغزنوي.

ورصد المؤلف تطور تاريخ خراسان وجغرافيتها الطبيعية والبشرية قبل وأثناء العصر الغزنوي، وتناول الدكتور العمادي في مؤلفه دراسة تاريخية شاملة للأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في خراسان، كما أطلع الباحثين على مصادر جديدة وأصلية باللغة الفارسية عنها وموقعها الجغرافي والتاريخي وأحداثه الداخلية، لم تُتح إلا لعدد قليل من المؤرخين العرب، وذلك بفضل إتقانه للغة الفارسية التي كتب بها كثير من المؤلفات التاريخية عن هذا الإقليم المهم.

وقد قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وخمسة أبواب وخاتمة، تشمل أهم النتائج التي توصل إليها من خلال العرض التاريخي لخراسان في العصر الغزنوي.

واشتملت المقدمة على عرض جغرافي عام لخراسان في العصر الغزنوي، وأسماء ومسميات خراسان وموقعها الجغرافي ومدنها، التي شملت في ذاك العصر مدن نيسابورر ونسا ورساتيق وهراة مرو، وسرخس وغرج الشار وبلخ، بالإضافة إلى الجبال والأنهار والمناخ في خراسان.

أما العرض التاريخي لخراسان، فشمل الدور المهم الذي لعبته في تاريخ الدولة العباسية في حالتي القوة والضعف، ومحاولات بسط السيطرة والنفوذ عليها من قبل الأسرات التي استقلت – أو حاولت الاستقلال عن الدولة العباسية – مثل الدولة الطاهرية (205-259هـ) والدولة الصفارية (254-290هـ) ثم الدولة السامانية (261-389هـ)، وما تلاها من قيام الدولة الغزنوية التي تُنسب إلى مدينة غزنة (الواقعة في أفغانستان الحالية) وتحول خراسان إلى إقليم تابع إلى عاصمة الغزنويين طيلة فترة حكم السلطان محمود الغزنوي، أما في عهد السلطان مسعود فقد أصبحت خراسان ومدنها بلخ وهراة ونيسابور حواضر له ولدولته.

وفي الباب الأول، يعرض المؤلف للتطور السياسي في خراسان في العصر الغزنوي، وخاصة ما أصاب النفوذ الساماني من ضعف قبيل العصر الغزنوي بها، وكيف دخلت خراسان في حوزة الغزنويين لضعف السامانيين وازدياد قوة الولاة المنشقين على الأخيرة وسقوطها في سنة 389هـ / 999م.

ولما تولى السلطان محمود الغزنوي 389- 421هـ /999 -1030 م، أراد أن تكون دولته متسعة الأرجاء مع الحصول على الصفة الرسمية له ولدولته من الخليفة القادر بالله العباسي، وبالفعل أيد الخليفة المذكور السلطان محمود، وأعطاه الصفة الشرعية بولاية خراسان، ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة، ومنحه تاجًا.

وأخذ السلطان الغزنوي بذكر اسم الخليفة القادر بالله في خطبة الجمعة بخراسان، ولعل اهتمام السلطان محمود بالفتوحات والغزوات وازدياد نفوذ دولته، كان سببًا في الضغط على الأهالي في خراسان مع زيادة الضرائب وتوقيع الغرامات على التجار والصناع والفلاحين في الإقليم، ما أدى إلى نزوح كثير منهم إلى خارج خراسان، وخاصة بعد وفاة السلطان الغزنوي في يوم الخميس 7 ربيع الآخر سنة 421هـ / أبريل 1030م، وبوفاته انتهت أيام عز خراسان وعاصمتها غزنة.

وقد ترك السلطان محمود الحكم لابنه الأصغر الأمير محمد في غزنة، وذلك للخلاف الذي حدث بين السلطان وابنه الأكبر مسعود؛ بسبب وشاية بعض الحاقدين على الأخير، الذي حكم خراسان أحد عشر عاماً فقط من 421 -432هـ / 1030 – 1041م.

وكان الخلاف بين الأخوين على الحكم، مع الضعف الذي أصاب خراسان وظهور قوة السلاجقة وانتصارهم على السلطان مسعود الغزنوي في معركة دنقدانقان في 8 رمضان سنة 431هـ – 3 يونيو 1040م، مع اعتراف الخليفة العباسي القائم بأمر الله بقيام دولتهم، إيذانًا بسقوط غزنة وحكمها، وقيام دولة السلاجقة الكبرى في خراسان وإيران.

وخصص الدكتور محمد العمادي، الباب الثاني لدراسة نظم الحكم والإدارة في خراسان في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، وكذلك إدارة الجيش ونفقاته ومعداته المختلفة.

وفي الباب الثالث، تحدث المؤلف عن الحالة الاقتصادية في خراسان، التي شملت الزراعة والثروة الحيوانية ومدى التقدم الذي طرأ على صناعة وتجارة خراسان الداخلية والخارجية، وكذلك المعاملات المالية بها.

وقدم المؤرخ العمادي في الباب الرابع، جوانب ومظاهر الحياة الاجتماعية التي ازدهرت في خراسان في العصر الغزنوي والسكان وطبقات المجتمع المختلفة والمناسبات الاجتماعية والأعياد والأسرة، ودور المرأة في الحياة الاجتماعية في غزنة خلال القرن النصف الأول من القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي.

وبيَّن المؤلف في الباب الخامس، الازدهار الحضاري الإسلامي في خراسان في العصر الغزنوي والنهضة الثقافية والعمرانية بها، وأهمية المراكز الثقافية مثل نيسابور ومرو وبلخ، حيث جذبت هذه المراكز العلماء وطلاب العلم من كافة الأقطار وازدادت الحركة العلمية بها، وأنشئت المكتبات وفتحت خزائنها للباحثين، وأقبل التلاميذ من كافة المدن المجاورة لخراسان على تلقي العلم والفقه الديني، بالإضافة إلى تنوع الفرق والمذاهب الدينية والتصوف وطرقه، وازدياد حركة التأليف، كما شهد البلاط الغزنوي نشاطًا كميًا في الشعر وكانت شاهنامة الفردوسي “ملحمة الفرس”، من الدلالات الثقافية في خراسان في العصر الغزنوي.

واختتم الدكتور محمد العمادي، هذه الرحلة الممتعة إلى خراسان، بالوقوف على النتائج المهمة التي بينها من خلال عرضه لهذا الكتاب القيم الذي أضاف إلى المكتبة التاريخية معلومات جديدة، تحمل بين طياتها دعوة لطلاب العلم والباحثين لدراسة الأقاليم الإسلامية في القرون الأولى للهجرة، التي كان لها تألق حضاري في إيران وما حولها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى