القصة بين احتراز الذات واحتراز الوجود

 

حميد العنبر الخويلدي | العراق

تحقّقي لكل بُنيَةٍ نصّيةٍ، يختاره الفنان القاص هنا، ولزوما عليه أن تتم اختياريته على منطق جمالي حتما لعله يشبع في لحظة التلقي سماعاً أو قراءة غرائز الآخر الذوقية حيث يُعتَقد أنه المعادل النوعي وفق تناسبات النتاج وقواه.

(على أجنحة الخريف…)

ما أبلغ الاختيار حتى أنه يشهد لنا أن ذوقا استمرأهُ فثبّته،، وأنًّ خبرةً طاعنةً بمستوى بلوغ تجربتها جرت فولدته.

أول اللمسات على أجنحة… هنا مكانية ولكن أي المكانات لابد من إثبات محقق .. نعم نذعن إقناعا أنه طيران وخفق إرادة عزوم، وعبور ما أحلاه قد يكون هناك فضاء، فما اهتزَّ جنح إلا وهناك حيّزٌ تحته.

على أجنحة الخريف؛ والخريف فصل بالمعتاد الفلكلوري وبفلسفة الفيزياء ذهني، وهنا أصبح لدينا بالمُتخيّل قوس حصر وعرض سحنة وقراءة صفات.

الخريف شحوب اصفرار هبوب ريح لا على مرام مفتوح إنما ريح غرض تدفع بأموات أوراق الشجر بين هبة وهبة اندفاع وكأنّ تظاهرةً مرّت أو بالتوصيف أنه مهرجان جنائزي وبوق يأخذ بالأحاسيس إلى حيث الغيبيات الغامضة والتراجيديا.

ماتت أوراق الشجرة الفلانية بعد لأيٍ ونضارة وعنفوان.. ناهيك من تصبّر وجزع المستديم وتوقف داكن البرتقالة والسرو والأرزة، إلخ من بنات الوجود، هذي الأحاسيس حركها القاص في مهاميز فطنته ومن خلال طاقة اللغة ومعايير جمع بين معنى رأته مخيلته وبين لفظ جاء لا إراديا لموقف الخلق في اللحظة، ولرب إشارة فِكرٍ نبثُّها… من استدعى اللغة وأين كمونها؟   في مخ الفنان في جيبه أم من على رفوف قريبة.

قد أتحرى الإدراكي وما نسميه بالمعنى. وقد نقول إنه وليد الوجود دفع به الماوراء أو الطبيعة. باعتبارها شريك المبدع أينما أبدع..

وهذي بديهية وقانون الطبيعة الوجودية وشريكك فلاتجنح إلى  غرور، وهنا حظوظ الفنان. إن هذا الكون الوسيع بموازناته معه… هذي قراءات حالة استمكانية نراها حاصلة حركياً بداهةً….

(مالت الشمس إلى الأفق الغربي هادئة حالمة وهبات النسيم الرقيق تداعب الوجدان، فتثير مشاعر الإنسان وتبعث في النفس حب الحياة بطريقة جنونية)

هنا مَن هو الواصف المتأمل ذاك الوقت….؟

وأي الخلجات في تلك اللحظة تعبأت في نفسه، أو ماهي الاستشعارات وهو يتحسس مجسات وجوده…؟ وهل كان هذا الراوية أو المصغي في نظرنا لفعل سيهبط قريبا…

كان يتوخاه، أبدا المبدع لا يخبر بلحظة إبداعه إن هناك قوى مشتركة معه.. فلعل البطل المركزي يتحرك فيتحسسه أو قل الثانويون من عناصره والمشتركون..

نقول واقع الخلق في موقف التصير الابداعي للنص أيما نص مختلف تماما عن روح ومعنى الخلق المادي في الواقع..هنا نرى جثامينا وكتلا تغدو وتروح تجلب وتبعد..إلخ

أما الإبداع في اللحظة واقع آخر هو واقع حلولي في الذات.. الذات كل شيء ،  منها هذا الوجود الوسيع منها الفصول والبحار والفارس والغزال والسكين وكل جزء بتراكيبه ومؤدياته.. مع الفنان في غياب حلولي … حتما وخاصة أن مجريات القصة يتندر على باقي الفنون في رأينا، القصة وجود مخلوق سلفا.. وفضل الفنان استمكان هذا الوجود  تخليصه دون تشوّهات وتقديمه للعرض.. (رأت النيل يداعب جدائل أشجار الصفصاف ويغسل أقدام أشجار التوت والجميز خدره الإحساس بجمال الطبيعة)

القصة حكمت مكانها وحكمت زمانها وهذا لابد.. مادمنا نقول إن القصة خلق الطبيعة قبل خلق الفنان… ف على أجنحة الخريف أثبت النقد  فيها تقويم زمان وهو خريف واثبتت أن النيل حاضنة البطل وحاضنة المعنى. (..تسلقت عيناها جذع شجرة… شاهد الأغصان عارية تماما من الورق.. نظرت إلى الأشجار الأخرى لم يريها سوى بقية من أوراق جافة والهواء يحاول اقتلاعها وهي تقاوم…)

هنا بدأ صراع جواني مقارن وبدأ جدل فكري نفساني أثاره المشهد وهذي مكاشفات حس وإظهار دفائن من المعنى التوالدي … كيف يصارع الإنسان الواقع ومؤثراته كيف يدفع الضغوطات إلى حيث يطمح أن يبقى يطمح أن يَثبُت؛ فالإنسان أبقى من الشجرة..

كلُّ هذا لمحط ، ولكنه في العمق  يفرّق شُعبا من المعاني الجمالية بنفس النص  النص أيما نص ولو لوحة أو تمثال وغيرها فهو سند مثبت لطرد منفي ما.. هنا وبعد هذا التجلي والمكاشفة الإسرارية لإجهاري معروض..

نكثت رأسها حزنا كان الطريق مفروشا بالأوراق المتساقطة التي تجري بلا إرادة…أمام الريح..

هنا تحققت إرادات المحيط وكان قد حصرها المبدع الحصر الأول..كطبيعة منظورة وضرورة غيبية تحت الموضوع.. ويستجلي للحصر الثاني  استجلاءات الآخر، وهنا اللجّة الجدلية ممكن خوضها ومكن إبقاءها والمعتاد… بقى بطل القصة يرى ويتابع بتفاؤل ومكر للفكرة، لكنما بروح صوفي تراجيدي غير متشائم.. (وحين غربت الشمس اعتقدت أنها لن تشرق أبدا.. وساورها الشك… في أن الحامل لن تضع…والماء لن يروي…..هذا العرض التفكري التذكري. ما أعطى سلبا ولا سخر للفراغ.. إنما مللك علينا تفاؤله ومصير الجمعي… فهو للإيجاب أقرب وللمعطى حيازة…. هذا التشاؤم بالأخير ماهو إلا تلاميح افترضها الغروب والخريف والريح

لكنما هو بحث ذاتي… فذات الفنان مبصرة ترسم بأبصارها حياة.. تطغى على مسحة الموت الباردة…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى