مناجم التكنولوجيا الرقمية
توفيق أبو شومر | فلسطين
هل أدركنا – نحن العرب – التحول الجديد في مفاهيم الثروات؟
متى سيُغيِّرُ العربُ معنى (الثروات الوطنية)، في قواميس مدارِسهم وكلياتهم وجامعاتهم؟!
إلى متى ستظل المقررات المدرسية تعتبرُ الثرواتِ الوطنية هي الثروات الطبيعيةَ كمناجمُ الحديد وآبار النفط والأخشاب، والأسمدة الزراعية، والثروات البحرية وغيرها؟!
متى سيشرع العربُ في تغيير استراتيجياتهم، ليفهموا بأن مناجم العقول غدتْ أهمَ من مناجم الذهب والحديد والألماس والفحم؟!
لقد مرَّت أخبارُ شراء بعض مناجم التكنولوجيا الرقمية في وسائل الإعلام العربية مرور الكرام، ولم تحظَ بالتعليق والمتابعة للاستفادة منها، فقد اشترى مالِك شركة الفيس بوك مارك زوكربرغ منجما فكريا وعقليا واحدا من مناجم العقول وبرامجها، وهو (منجم) برنامج الواتس آب يوم 19/2/2014 بمبلغ تسعة عشر مليار دولار، أي ما يعادل الميزانيات السنوية لأكثر من عشرات الدول، التي ما تزال تقيسُ قوتها وعزَّتها الوطنية بالكيلومترات الجُغرافية، وعدد السكان، ومناخها الحار والجاف صيفا، والدافئ الممطر شتاءً،وتقيسُ عزتها ومنعتها بتاريخ سيرة الأجداد وغزواتهم وفتوحاتهم؟!
لم يستفد كثيرون من قول مالك شركة الفيس بوك، الشاب( مارك زوكربرغ) عندما اشترى برنامج الواتس آب، وهو إنتاج عقلي رقمي، فقد قال مُعلقا على الصفقة:
” لم يحدث في التاريخ شيئا شبيها بما فعلناه،أي أن نشتري كنزا رقميا جديدا بمبلغ تسعة عشر مليار دولار”!!
هذا الكنز، ابتدعه اثنان، الأمريكي، بريان أكتون( Brian Acton)) من جامعة ستانفورد، والأوكراني جان كوم(Jan Koum) وهو مهاجرٌ من وطنه الأم أوكرانيا إلى كاليفورنيا بأمريكا، والكنز ليس منجما من البترول والغاز والألماس، بل هو منجمٌ إلكتروني، يعمل في أجواء التواصل الهوائي بين البشر، فهو يرسل الرسائل الصوتية والرقمية أي أنه (ماسينجر)، ويقوم بإيصال أكثر من سبعة وعشرين مليار رسالة يومية إلى الهواتف المحمولة، الآي فون، والبلاك بيري، والأندرويد، ووندوز فون!!
إنه العالم الجديد، عالم مناجم البرامج العقلية، وهو أبرز سمة من سمات الألفية الثالثة!
قبل شراء برنامج الواتس آب، مرَّ خبر شراء برامج أخرى قبله منذ سنوات مرور الكرام في الصحافة العربية،وكأن هذا الحدثَ حدثٌ عابرٌ، لا أهميةَ له!
فقد مرَّ خبرُ شراءِ برنامج التويتر الرقمي عام 2009 لإسرائيل،وانتقلت ملكيته من أسبانيا إلى إسرائيل!
ومرَّ خبرٌ جديد آخرُ، لم يستثر العربَ كذلك، وهو بيعُ منجمٍ آخرَ جديد، وهو برنامج التجسس الأول في العالم، وهو برنامج فايبر Viber الذي أنتجته عقول مشتركة في قبرص وبلاروسيا وإسرائيل في شهر فبراير 2014 بمبلغ تسعمائة مليون دولار.
وكذلك مرَّ خبر بيع منجمٍ إلكتروني جديد عام 2013 وهو برنامج ويز Waze الإسرائيلي، وهو برنامج يقوم بتوجيه سائقي السيارات إلى الطرق الأقل اكتظاظا، تخفيفا لاستهلاك الوقود، وخدمة للنظام البيئي لمنع التلوث، وقد اشترته شركة غوغول بمليار وثلاثمائة مليون دولار أيضا!
كل تلك البرامج للأسف لم تشعل الضوء الأحمر أمام مَن بقي من أمة العرب، ولم تُثرْ اهتمامهم!
ولم تتمكن من نقل رسالة عاجلة لهم تقول:
غيروا برامجكم التعليمية لتُناسب مستقبل مناجم الثروات التكنولوجية في عالم اليوم، فطريق المستقبل، ليس حفظ وترديد الأناشيد والمحفوظات التراثية، ولا حفظ المعادلات العلمية والكيميائية، وكتابة أسمائها في أوراق الامتحانات، فليست العقولُ مستودعاتٍ للمحفوظات، بل هي أدوات للإبداعات، إن المستقبلَ هو مزيجٌ من استقطاب واكتشاف المواهب الشبابية، وتوفير المناخ الملائم لها للإبداع.
إن المستقبل تملكه البلدانُ القادرةُ على استقطاب العقول وجلبها من كل أنحاء العالم، وليس بفرض الإقامة الجبرية على الشباب، وفرض الوصاية عليهم، وتطويعهم ليخدموا الأهل والعشيرة، وهذا التطويع يقتل مواهبهم وتميزهم ، ويدفعهم قسرا إلى وأد طموحهم الشخصي لمصلحة العائلة والعشيرة!
ولا يجب أن نَغْفَلَ عن دور أحزابنا السياسية العربية في مستقبل أجيالنا، فكثيرٌ من هذه الأحزابِ تتحملُ الوِزَر الأكبر من المسؤولية، فهي ما تزالُ تعتبر الشبابَ وقودا لإنضاجِ طعام رؤساء الأحزاب وقادتها فقط، فالشباب عند أكثر هذه الأحزاب هم محاربو الأحزاب ضد منافسيهم من بني جلدتهم ،وليسوا مناجم عقلية تبني الأوطان وتقودها نحو المستقبل!
إن كل أمةٍ تطرد أبناءها المتفوقين، وتقتل إبداعات المبدعين، وتُهجِّر نابغيها، هي دولة دخلت مرحلة متقدمة في طور الانقراض!