حكايا من القرايا.. غدر الدجاج
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
في قاع الدار… تحت شجرة التين التي تنشر ظلها وتستر حرارة الشمس… كانت أم بدر تنقي طحنتها، تأخذ من شوال القمح وتضع في السدر، وترفع الزوان وبقايا القش الصغير وترميه على الأرض… الدجاجات مكيّفات؛ يلتقطن ما ترميه أم بدر… وأحياناً تتخانق الدجاجة الرقشة مع القرقّة الزلطة على حبّة زوان… فتفصل بينهما أم بدر… وبقية الدجاجات الخمس متفقات على ما قسم الله لهن وتيسر…
أم بدر تضع ما تنقيه في كيس الطحنة… وهي مستعجلة لإنهاء المهمة فالطحان سيأتي بتراكتوره اليوم أو غداً… أو بعد غد على أبعد حد… والجارات مشغولات لا يساعدنها في التنقية… فأم صالح مشغولة بتجهيز ابنتها العروس… وأم سعد تطرش الدار وتبيضها استعداداً لاستقبال الغالي سعد العائد من الكويت… وأم إبراهيم من بيت اشقع لبيت ارقع… ولكنها تبتعد عن البيوت المشغولة…
أم بدر تغني وتروّد… وتنقي… دخل عليها ابنها سعيد العائد من المدرسة… وسأل: شو طابخة يمّا؟ أنا مستوي من الجوع… هاي يمّا قليت شوية مشاط… وشوية كوسا… كل ريتو صحة وعافية… من الصبح مثل ما انت شايف وأنا بنقي بقمح… عقبال ما ننقي لك العروس يما… شقرا وعنين زرق… أم بدر تحكي وهي مشغولة، على يمينها قمح وزوان… وعلى يسارها قمح للطحان… والزوان يتطاير… والدجاجات تأكل…
دقّ على الباب، وصوت عالٍ: وينكم يا دار أبو بدر… أنصتت… ابتسمت هذا صوت أختها أم خالد… والله زمان عنك يختي… من سنة ما شفتها… تركت سدر القمح والكيسين… وهرولت تفتح الباب… تعانقت الأختان، وحزم من الأسئلة عن الحال والأحوال والترحاب… وعتاب لطول الغياب… وجلستا على الكنبة متلاصقتين… خوف أن تفر إحداهما من الأخرى…
تركت أم بدر أختها وذهبت إلى مطبخها لتغلي فنجاناً من القهوة تقدمه للضيفة العزيزة… وفي طريقها إلى المطبخ، وفي قاع الدار… يا هول ما رأت! صاحت من قحف رأسها…! ظنت أختها أم خالد أن مكروهاً أصاب أم بدر… أسرعت إليها… وصاحت أم خالد أيضاً… دشعت الجارات المشغولات يستطلعن الأمر على عجل… وبدأت مفردات: عزا… عزيين… يا وردي شو هذا؟ يقشيلي عليك يا أم بدر… الجاجات اقتحمن سدر القمح… وأكلن ما أكلن وفعفلن الباقي على الأرض… الجاجات صعدن إلى حواف كيس القمح المنقى فبُذِرَ القمح على الأرض وفعفلنه… يا خراب بيتك يا أم بدر… التقطت أختها مكنسة وبدأت تلم القمح مع التراب… وتحاول إزالة آثار العدوان… بينما لحقت الجارة أم صالح بالدجاجات… حتى خارج الدار… وبعد أن شربت أم بدر الماء، وفاقت على نفسها، حلفت أن تذبح الدجاجات وحده ورا الثانية… قالت: بيض ما بتبضن… بس قاعدات لخراب البيت… مثل ما قالوها ” خير ما فكش خير… ودخانك بعمي العنين” … وابتسمت للجارات… وحيّت أختها…