المفكر ادوارد سعيد.. حالة «ميؤوس منها» والمدرسة جهاز قمعي
بثينة العيسى | الكويت
قرأتُ سيرة إدوارد سعيد مدفوعة بتساؤل؛ ما هي ظروف النشأة التي يمكن أن تخرج مفكّرًا من هذا الطراز؟ قرأتُ له كتابين السنة الماضية: (الثقافة والإمبريالية) و(السلطة والسياسة والثقافة)، وكلاهما كان امتدادًا أو تنويعًا على عمله الأهم – الذي لم أقرأه بعد – وهو الاستشراق.
كنتُ أتخيّل، قبل كل شيء – وأنا الجاهلة لكل شيء – تربية يسارية من نوعٍ ما، وعائلة تخوضُ في السياسة على طاولة الطعام، وتفوّق دراسي يشي بنبوغٍ مبكّر. في المقابل، وجدتُ طفلًا مذعورًا أمام أبٍ عملاق، بتشابهٍ عجيب مع ما كتبه كافكا في «رسالة إلى الوالد» وحتى بول أوستر في «اختراع العزلة». الأم الملتبسة – المتلاعبة والحانية – بحسب الضرورة، والشقيقات الحاضرات كظلالٍ نائية. إنها حكاية أسرة تجيد الجَلد والدَّلال لطفلٍ لم يكن – ويا للمفارقة – على قدر التطلعات، ابتداءً بـ «فمه الرخو» و«يديه الكبيرتين» وانتهاءً بسلوكه المدرسيّ.
تنقل إدوارد بين مدارس عديدة واتفق معلموه جميعهم على كونِه حالة «ميؤوس منها». وهكذا تحضر المدرسة في سيرة إدوارد سعيد غالبًا بصفتها جهازًا قمعيًا باردًا، مسرحًا للتنمّر من الأنداد والتعسّف من المعلمين. شيء يذكرني بما كتبه ستيفان زفايغ في سيرته البديعة «عالم الأمس».
أثمّن في هذه السيرة أنها كتبت بشفافيةٍ عالية، ولجمل إدوارد سعيد عندي جرسٌ مبهج، وهو ما ذكرته مرارًا؛ احتفاؤه بكل ما مركّب وملتبس، قدرته على الاستدراك وتعففه أمام العبارات الحاسمة. شخصٌ بهذه التركيبة الفكرية كان، رغم لغته المتحفظة وحذره، ثوريًا في الأوساط الأكاديمية، وأعتقد بأننا في الشرق مدينون له جميعًا تحريرنا من سرديات الغربِ الاختزالية التي انتهى بنا الأمر، في أحيانٍ كثيرة، إلى تبنّيها.