حول سلوكيات المسلم الصائم في شهر رمضان الكريم

محمد المحسن | كاتب وصحافي تونسي

تصدير: يجب على المسلم الصائم أن يحسن إلى الضعيف ويساعد المحتاج ولا يقتصر إحسان المسلم على البشر،بل عليه أن يحسن كذلك إلى الطير والحيوان فلا يؤذيهما.

لم يشرع الله تعالى الصوم لامتحان قدرتنا على مجرد الصبر عن الطعام والشراب، فالإنسان يستطيع أن يقاوم ويحتمل الجوع والعطش. وليست الغاية من صيامنا أن يمتحن الله تعالى صبرنا عن الطعام والشراب فحسب،إنما شُرع الصيام لتهذيب أخلاقنا، وتطهير قلوبنا، وتزكية نفوسنا،وإعدادها،وتهيُّئها للسير على الصراط المستقيم علماً، وعملاً، وسلوكاً، وحالاً، ومقالاً.
لقد جاء الصوم إيماناً بالله سبحانه وتعالى،وطاعةً له،وقُربةً نتقرب بها إليه.وشُرع الصوم لنروِّض أنفسنا على أعمال الخير والبر،ولكي يستعد المسلم في يومه،وحاضره،ومستقبله لكل أعمال الخير ووجوهها،الأمر الذي يتطلب من المسلم الصائم أن يتحلى بمجموعة من الأخلاقيات الحميدة..
والمسلم الحقيقي هو الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة، إلى ممارسة عبادة الصوم بجوانبها المادية والروحية معاً،وجعلها بمثابة تدريب سنوي لتحسين أخلاقه والرقي بسلوكه في مختلف جوانب الحياة، بالشكل الذي يتلاءم مع الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا لَعَّانٍ،وَلَا فَاحِشِ وَلَا بَذِيء). فالمؤمن الحق في رمضان -وفي غير رمضان – لا يطعن في الناس وأعراضهم،ولا يلقي باللعنات هنا وهناك،ولا تصدر عنه الفواحش والبذاءة وغيرها من السلوكات المشينة والتصرفات الدنيئة.
والمسلم الحق في الأيام العادية-وفي شهر رمضان على الخصوص، لا يتحدث إلا بالصدق، ولا ينطق إلا بالخير، ولا ينقاد للممارسات المنبوذة كالكذب، والدجل، والخداع، وخيانة الأمانة، وشهادة الزور وغيرها،كي لا تنتفي معاني السلوك البنَّاء من ممارسته لعبادة الصوم، وعندئذ فلا حاجة لله بصيامه. فقد جاء في الحديث الشريف عن نبينا الكريم قوله: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). أي من صام ولم يترك الكذب والعمل به فلا قيمة لصيامه.

ما أريد أن أقول ؟
أردت القول أنّ الله فضّل شهر رمضان لكسب الأجر والتكفير عن الذنوب وكل شيء يهون إلا تغافل الناس وتهاونهم إزاء دينهم والشهر الكريم فهو شهر خير وعبادة وصوم والحسنة فيه بعشرة أمثالها وينبغي أن يعرف الصائم أن الصيام شرع من أجل نيل التقوى،قال الله عز وجل «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» كما أن الصيام تربية وتحمل ولذلك منعَنا الله من الأكل والشرب وكل الملذات فالصيام مدرسة،ولكن للأسف هناك بعض السلوكيات السيئة لبعض الصائمين قد تفسد عليه صيامه فالنبي صلى الله وعليه وسلم قال: «رُبّ صائم لا يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش» فهناك من يمضي أغلب الوقت في مشاهدة الفضائيات،الأمر الذي أصبح يميز الشهر الكريم بسبب انتشار عرض برامج ومسلسلات طيلة 24 ساعة وهذا يجعلهم ينشغلون عن العبادة المكملة للصوم،وتحوّل نهار رمضان لوقت للنوم، وهذه سلوكيات تتعارض مع الشهر الفضيل، وأقول لهؤلاء: راعوا الله وتقربوا إليه حتى ينصلح الحال.
وهنا أضيف : مما أثار انتباهي أن البعض وللأسف يزدادون حدة وعصبية عند الصيام، ويقل صبرهم على أهلهم،وعلى من يتعاملون معهم ويتحججون في ذلك بالصيام، ولو صح أن الصوم عن الطعام والشراب يؤدي إلى ذلك لما كتبه الله علينا ليعلمنا التقوى من خلاله.

على سبيل الخاتمة :
لكل عبادة آداب حريٌ بالمسلم الالتزام بها،فالصيام له آداب متنوعة،وآداب الصيام تنقسم إلى واجبة ومستحبة،ومن آداب الصيام الواجبة: المحافظة على ما أوجب الله -تعالى- من العبادات الفعلية والقولية، وعلى رأسها الصلاة، فلا يعقل أن يترك المسلم الركن الثاني من أركان الإسلام أثناء صيامه، فليس الهدف من الصيام الجوع والعطش، بل الانقياد والاستسلام لجميع أوامر الله تعالى، والوصول إلى درجة المتقين، فقد قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} كما أنّ من آداب الصيام الواجبة: اجتناب الأقوال والأفعال المحرمة جميعها، وضبط النفس حتى عند تلقي الاساءة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ،وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ”أما آداب الصيام المستحبة فمنها : السحور وتعجيل الفطر،وكذلك الحرص على قراءة القرآن الكريم،والدعاء،والصدقة،والإكثار من الأعمال الصالحة.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال،وأدام عليكم الصحة والعافية،ووفقكم لخيري الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى