تاريخ الأزهر الشريف في ذكري التأسيس
د. إسلام إسماعيل أبوزيد | مؤرخ مصري
خلال 27 شهرًا انتهى جوهر الصقلي من بناء جامع الأزهر، حيث بدأ في بنائه عام 359 هـ، وتم افتتاحه للصلاة عام 361 هـ، الموافق 972 م، في يوم الجمعة، وسمي بجامع الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجة الإمام علي بن أبي طالب، التي ينتسب إليها الفاطميون على الأرجح.
وقد انتهت علاقة الأزهر بالمذهب الشيعي كونه منبرًا لنشره بنهاية العصر الفاطمي في مصر على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي، وإعادة مصر للمذهب السني مرة أخرى، حيث تم تعطيل إقامة صلاة الجمعة به، كما تم إنشاء مدارس تابعة للمذهب السني لتدخل في منافسة مع الأزهر بنشر الرسالة العلمية السنية.
وبحلول العصر المملوكي، شهد جامع الأزهر تحولًا كبيرًا واستأثر بالزعامة الدينية والعلمية، حيث استرد رونقه بإعادة السلاطين المماليك الوضع كما كان عليه، فبدأت إقامة صلاة الجمعة بداخله مرة أخرى كما الأزهر إلى نشاطه العلمي وتحت راية السنة هذه المرة.
وبعد سقوط بغداد في الشرق وتصدع الحكم الإسلامي في الأندلس وشمال أفريقيا، أصبحت آمال المسلمين متعلقة في رقبة الأزهر، لذا تولى الأزهر مهمته العلمية والدينية حتى أصبح جامعة إسلامية كبرى يقصدها طلاب العلم وعلماء الدين الإسلامي من كل مكان، حتى أنه أصبح المركز الرئيسي للدراسات السنية ليس في مصر فقط ولكن في العالم الإسلامي كله.
أما في ظل الحكم العثماني وعلى مدار ثلاثة قرون،استطاع جامع الأزهر الاحتفاظ بقوته،وكان يؤدي رسالته بقوة في الاتجاهين الديني والعلمي باللغة العربية،وزادت قوته وتعمقت في مصر حتى استطاع أن يحافظ على الهوية والطابع العربي لمصر ، كما احتفظ بكونه قبلة تستقبل طلاب العلم من شتى بقاع العالم،واستمر في قوته خلال هذه العصر حتى ظهر منصب شيخ الأزهر.
كما كان الجامع الأزهر هو القلعة التي تحطمت على أبوابها أمال الحملة الفرنسية في البقاء في مصر ( 1798 ـــ 1801)، وقاد علماؤه البلاد في فترة الفراغ السياسي التي أعقبت خروج الفرنسيين، واختاروا محمد علي ليكون حاكمًا على البلاد عام 1220ه/ 1805م، وذلك وفق الشروط التي اتخذوها عليه من إقامة العدل وعدم فرض الضرائب ومشورتهم في القرارات التي تخص عامة الشعب … وغير ذلك، كما مَثَّل الجامع الأزهر حائط الصد المنيع الذي وقف في وجه حملة فريزر الإنجليزية عام 1222/ 1807م، وضرب علماؤه أروع الأمثلة في الوطنية في مساندة الثورة العُرابيَّة عام 1299ه/ 1882م والمشاركة فيها، مواصلًا دوره الوطني الباسل والراسخ الذي سجله التاريخ بمدادٍ من ذهب في أحداث ثورة عام 1338ه/ 1919م، وإبان الحرب العالمية الثانية (1939 ـــ 1945م) من عدم الزج بالبلاد في الحرب وتجنيبها ويلاتها، والدور الوطني الباسل على كافة المستويات إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1376ه/ 1956م.