أليسار عمران
(1/1)
كعادتهِ متصالحاً مع كأسِ الفودكا الذي يمنحهُ حرّية التعبير عمّا يجولُ في نفسهِ من خلفَ الشّاشةِ فكم من البطولاتِ الافتراضية خلف تلكَ الشاشاتِ
كبطولة مارك باختراعِ الفيسبوك ليقطع كل طرقات الاعتراف لحبيبته ويكتب لها رحيق شوقه بعد عدة سنواتٍ من عدمِ امتلاكِ الجرأة على التّصريحِ به
استكهولم(٢٠١٤) تبدأُ مخيلته با ستعادةِ سوزي التي اختفت وغيبتها الحروب وتختفي معها صورة الدروبِ
ظهرهما الملتصقُ ورأسيهما الذي يتحدّثُ بكلِّ هذا الاسى
نلتقي ولابدّ أن نفترقْ
ليتها تفهمُ أنّ قمة الحبّ أن أراها بخيرٍ وبدوني
يقلبُ لائحةَ الاسماءِ سوزي في كلّ الأسماءِ ولكنها تضيعُ منه أكثر وأكثر
يدقّ بابه أسامة يأخذُ كرسيّاً بجانبه ويبدأُ البكاء والشكوى
إنّها تكرهني لاتحبّني مع أنني اقوم بكلّ أعمال المنزلِ حتى الجلي والطّبخِ لاحافظ على نعومة أظافرها تكهرني يا داني
غامرتُ بحياتي وقطعتُ الدّروب لأصل السّويد كرمى لعينيها
التي تعتني بالكحل والمسكرة
يطلقُ داني سخريتهُ ويقولُ:ابنة عمي المتعجرفة وأعرفها
كان الله في عونكِ لايعيره اهتماماً بالمطلقِ
يمسحُ أسامة دموعه ويعودُ أدراجه إلى منزله
ثمّ يدخلُ مراد الشابّ الفلسطيني السوريّ الذي يقاتل هو وأهله في صفوفِ الجيشِ العربي ضدّ الثورة المزعومة
فهم قومٌ مغامرون وعزيزو نفس شرفهم التّراب وحسب
يطالعُ داني وجه مراد ويشعر بالفخر ويقول في قلبهِ ما أجمل أن أكون مراد فهو يفرضُ حضوره على الأرض ياله من رجلٍ مخيفٍ
يبدأ بكتابة فكرته الأولى(الدّين أفيون الشّعوب )
ليراقب عدد المسلمين الذين سيحاولون ضمّه للاسلام
ويصغي على ماسنجرٍ إلى أحاديثهم التي حفظوها على مدى قرونٍ من الزّمان
أسلم تسلم ياداني يكتبُ له أبو مصلحٍ الذي سمعَ عنهُ من الاصدقاءِ أنّه يحتفظ لديهِ بخمسِ سبايا عبارة عن فتياتٍ من طوائف لاتنتمي إلى طائفته
(1/2)
إن كنتَ لم تعد تحتمل نفسكَ المحمّلة بالقهرِ
اجعل همومك كبيرة واتجه نحو هذا الكونِ بمجمله
يدير داني محرك غوغل على شاشة اللابتوب ويعاود البحث عن سوزي التي أدارت ظهرها وتزوجت واختفت
مازال يتابع أخبارها لقد تزوجت بكندا وأصبح لديها طفلين جميلين ،كلّ ماأثّر به سيلُ دمعٍ وخيبةٍ ترقرقت من عينيها
وكلمتها التي دخلت قلبه كرصاصة أنتَ رجلٌ جبان
الثوراتُ تجتاحُ الوطن العربي والشهداء والدّماء يحاول تغطية وجهه عن رؤية منظر الدّماء ومقاطع الفديو التي تظهر بها أصابع أمّ ثكلى تحنو على مشهدها الأخير في جثمانِ طفلها الذي أخذ عمرها معه
مؤلمٌ ورهيبٌ مايحدثُ في هذا العالم إذا ماقارنت نقسي به
يسكنُ داني في الطابقِ الثاني من البنايةِ ويسكن والديه في الطابق السفلي حيثُ ينفتح الطابق على حديقةٍ مزروعةٍ
بالورد والأشجار الوارفةٍ والدته مسيحية من صافيتا ووالده مسلم من لواء اسكندرون أما داني بالهوية(لادين)
لطالما تناوبا أمامه بفتحِ الانجيلِ والقرآنِ فهي تعتزّ بمسيحيتها ومحمود يعتزّ بمصحفه أما داني فتحَ قلبهُ وحسب
لقد استيقظ هذا الصباح ليسمع عباراتٍ تردها والدته دوماً لوالده
حين يقتربُ منها ويطلب إليها أن تعد له فنجان قهوةٍ
اسمع لديك قدمان وعينان ويدان بإمكانك أن تنتصب بقامتك وتمشي وتشعل الغاز تغلي الماء ثم تصنع قهوتك اخدم نفسك بنفسك وابتعد عني
كانت امرأة جميلةً نديّةً جذّابة في عمر الصّبا حين أغرم بها محمود ولقد لاقى زواجهما اعتراضاً من الجميعِ مما اضطرّهما للزواجِ مدنياً في بيروت وبعدها قررا السفر إلى السويد حيث أهل هيام وأخوتها الذين ساعدوا محمود بمبلغٍ صغيرٍ ليؤسس عملاً خاصّا به وقد أعاد المبلغ الذي استدانه فور تحسن مشروعه
وجنى أموالاً طائلة وأسس شركة استيراد وتصديرٍ جمع فيها الموظفين من مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم
كانَ داني مرهفاً حساساً يتأثر بالموتِ والفقدِ و يتابع الحربَ ويتواصل مع البشر في كلّ مكانٍ
يطلب أرقام التلفونات من أي شخصٍ يرثى لحاله لاجل المساعدةِ فهو يعلمُ أنّ الانحناء لأجل العطاء سمةُ العظماء
لقد هدموا منزلنا ياداني نحنُ في الشارعِ تكتبُ امرأة سورية في دمشق من جيرانه بجرمانا لقد أرسل لها خمسة وعشرون ألف يور
تكتبُ امرأة أخرى من جيرانه في جرمانا لقد احترق منزلنا ياداني يسارعُ ويأخذ رقم هاتفها ويرسلُ خمسة وعشرون ألف يورو
درسَ داني القانون الدولي وقرأ كثيراً وهو يحلمُ أن يمتلكَ الجرأة ويمثل بلده سورية على أكبر منصّات العالم
مجرّد حلم يقظةٍ فأصابعه تخاف الكتابة بدون الفودكا مثبط الخوفِ الخاصّ به
إنّها التاسعة مساء يدخل سمير الرجل اللبناني يبكي بحرقةٍ لقد طلقته زوجته يقضي على آخر زجاجاتِت الفودكا المتبقية في الصندوقِ كلها دفعةً واحدة يلطمُ ويبكي كالنّساءِ
ويرحلُ دون أن تدرك حماقته حكمة واحدة
يجلسّ داني وحيداً اكثر هذه المرة فماالغربةُ الحقيقية إلا في حضورٍ قومٍ لا يتبدّلون ولايعترفونَ بأخطائهم
يعيشُون ليتسوّلوا العاطفة والشفقة والفودكا ككلّ الشعوب التي تعتزّ بحاضرها الذي يجعل بلدانهم تنتحر بهم لرداءة فكرهم العفن
(1/3)
استكهولم هادئة هذا الصّباح يغطّ الحمام على أكتافِ الناسِ التي تجمعت قربَ البحيرةِ تنشدُ التأملَ تحملُ دمشقَ في رزانتها
تعودُ ذاكرتهُ إلى المشهدِ الذي أخرسه وجعلهُ معطلاً عن الحياة
يقفُ عند منعطفِ الحادثةِ دونِ حراكٍ
هيا يابني انطلق إلى إدارة شركتكَ وأكملْ حياتكَ إن كانت التقارير الطبية أثبتت أنك لاتنجب الأطفالَ فهذا لايعني أنّ العالم قد توقّفَ
تلدغ قلبه المفرداتُ المتتالية(البندوق)ابن المسيحية والمسلم الذي أكملَ بندقتهُ مع زوجةٍ بزواجِ مدنيّ أيضاً
كانَ ينطلقُ نحو مستقبله بسرعةِ الريح يريدُ أن يطوفَ العالمَ كلّه ليحقق حلم العظمة بالدفاعِ عن المظلومين والفقراء في العالمِ
يقرأ تشي غيفارا وغابرييل غارسيا ماركيز يتهلفُ ليفهم جميع الطقوس وجميع الديانات لقد تعرف على الصابئة على الشيعة على السنة على اليهودية وتحدث مع حركة ناطوري كارتا هارباً من مواجهة الدروز الذينَ أباحوا دم سوزي على مساحة العالم إذا ماتزوجته
كيف السبيلُ لان يلتقي بها مجدداً ثمّة كلماتٍ كالرصاصةِ تتركُ اثراً لايندملُ يمشي المذبوحُ على آثارها دهوراً ولكنه لايصل
اذهبي أيتها الخائنة لقد استعملتك بمالي طوال فترة زواجي بكِ خذي مامنحتكِ إياه فأنا أوفي النّساءَ أجورهنّ واذهبي مع ابن خالتكٍ الرخيص مثلك وتزوجا وأنجبا ذريةً جائعة مثلكما
بهذه العبارة انتهت قصته مع زوجته بعد أن رأى ابن خالتها في غرفةِ نومه
في ليلةٍ مقمرة جهّز مائدتهُ لكأسينِ من الفودكا والجمبري والمكسّرات خطرتْ له فكرة جلسة الصّراحة مع زوجتهِ الذي كانَ يشعرُ أنّها لا تطيقهُ
جلسا معاً تحتَ شعاعِ القمرِ الذي يرخي ستائره الفضيّة على الضّبابِ المشعِّ حولها
ملأَ كاسها بالفودكا وحيا نخبها بقرعِ الكأسين ثمّ قال تحدثي ياعبير كلني آذان صاغيةٍ
بدايةً أنا لا أكرهكَ لقد غمرتني بكلّ شيءٍ كتبتَ لي العقاراتِ ومنحتني كرتاً لا ينضبُ من النقود ولكني لم أحبّكَ
فكرة أن أوافقَ على الزواجِ بكَ كانتْ فرحةً لا تتعدى فستانَ العرس الفاخرِ والسفر إلى حيثُ البلاد التي تحلم بها أية فتاةٍ سوريّة
أريدُ طفلاً ياداني أريد أن أكون أمّاً أنا أعبّر بمطلقِ الحريّةِ تحتَ سقف بلادك
أتعرف!؟اشتهيتُ مرّةً واحدةً أن اغارَ عليكَ ،أن تتسللَ لحظةُ شكٍّ واحدةٍ إلى قلبكَ تتركني وتمضي لتعدّ مخططاتِ حياتك لوحدك
ثمّ تمنحني المال ثمناً لبقائي
لم تكن عدد زجاجات الفودكا قادرةً على منحه جرأة الاعتراف حينها، حسناً الرّجولةُ صفةٌ واحدةٌ سواءَ كان الرّجلُ شرقياً أوغربياً لا رجلَ يريدُ لزوجتهِ التي ألفها أن تعبّر بمطلقِ الحريّةِ ومن ثم يتقبلها هو يتقبّلها مضضاً تحت إثم قانونٍ جائرٍ بحقّ الرّجلِ كونهُ رجلٌ عليهِ أن يستسلمَ مضصاً وحسب