أفق تغيّر العالم من الدولة الأيديولوجية إلى الدولة الوطنية
عماد خالد رحمة | برلين
ما يزال العالم يتغيَّر ويتبدّل ويتطور بشكلٍ متسارع، تاركاً بصمته الفارقة عن الماضي السحيق الذي كان تطوره بطيئاً نوعاً ما. لذا نشهد فتراتٍ فارقة في سيرورة البشرية انعكست وما تزال تنعكس بالضرورة على العالم. بخاصة تلك التي تعاصر السنوات المفصلية الهامة، والتي تأتي كالعادة عقب الحروب المدمِّرة العالمية وانتشار الجائحات والأوبئة على نطاقٍ واسع، إضافةً إلى ما يتعرَّض له العنصر البشري من كوارث هائلة وتحولات بنيوية جذرية. بخاصة في مجال البيئة والمناخ والتبدلات الطبيعية. وتشير معظم المعطيات المتوفرة أننا نسيرعلى تلك الخطى ونمرّ بمعظم تلك الحالات، فكوكبنا الأرضي الذي نعيش على ترابه قد تغيَّر بشكلٍ كبيرٍ بعد جائحة كوفيد 19(كورونا)، كما ستتغيّر العلاقات الدولية المعاصرة وتتبدَّل إلى شئ مختلف عندما يتوقف هدير الدبابات ،وصفير الطائرت والصواريخ، وأزيز الرصاص، يومها سوف يتطلَّع العالم إلى شيئ جديد مختلف عما كان عليه من قبل. وهذا ما يدعونا لمعرفة الأسباب والدوافع التي أدَّت إلى ما نحن عليه في أيامنا هذه. حيث أنه ما من شكٍ في أنَّ التسمية الدقيقة لهذا العصر بما فيه وما عليه هي تلك المقولة التي تقول إنه عصر التقدم والتكنولوجيا و (الهايتك) أي (التقنية العالية High Tech)، وهي اختصاراً لــــ High Technology) في مختلف المجالات. وهذا ناجم عن الطفرة الهائلة التي تشهدها البشرية بعد أن مررنا في عصورٍ متتالية منذ عصر البخار إلى عصر الكهرباء.ودخلنا فى العصر التكنولوجي والإلكتروني و(الهايتك) الذي يمهِّد للاستخدامات الضخمة للذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية والطائرات والصواريخ الفرط صوتية، والشرائح الذكية ،ودور الروبوتات المتطورة فى حياة الأجيال القادمة، وذلك يعني في مجمله أن الأليكترونيات والتقنيات التكنولوجية و(الهايتك) أصبحت إلى حدٍ كبير هي جوهر التغير المستقل الذي تتبعه تغيرات جوهرية أخرى، فلم تعد هناك أي حاجة إلى تسمية بديلة لهذا العصر الذي يؤكد أنَّ العقل البشري قد تفوَّق إلى الحد الذي وصل إليه من تطور وصنع عقول بديلة. وتمكنَّ من توجيه الأحداث ومسار التاريخ على نحوٍ غير مسبوق.
في هذا السياق لا يمكننا أن نغفل ما للتكنولوجيا من (أمراض) واستطالات. واستتباعات لا يمكن تجاهل تأثيراتها (السلبية) في بعض الأحيان. بخاصة وأنها جلبت تغييرات ومشكلات غير معهودة، وبدت في نهاية المطاف كالشرّ الذي لا بدَّ منه لضرورة مواكبة إيقاع الحياة وسرعة التحوّل بين معطياته المختلفة والمتنوعة، ولقد أسهم فى ذلك كلَّه التحوّل الذي طرأ على المناخ واختلاف معدلات درجات الحرارة والاحتباس الحراي بالدرجة الأولى. وغيَّر مفاهيمنا الجغرافية والأطر الجوية ومعاييرها للمناطق المختلفة ،وأدى ذلك إلى صراع غامض بين البحار والمحيطات من جهة ،واليابسة وما عليها من بشر ومكوناتٍ من جهةٍ آخرى، من هنا نؤكِّد أننا نعيش عصر التكنولوجيا المتطورة والتقدم العلمي الهائل الممتزج بالتغيرات المناخية الكبرى، ولا يخفى على أحد أنَّ كلا الأمرين له تأثير مباشر وغير مباشر على مسيرة الإنسان في كل أنحاء المعمورة.
في غمرة هذا الضجيج المتعالي لا يغيب عن وعينا أنَّ البشرية بدأت بالتغّير والتبدّل، وأنَّ العالم يتجه إلى الابتعاد عن الدولة ذات التوجه الأيديولوجي وبدأت بالدخول في إطار الدولة الوطنية وعمقها، لذا لم تعد الخلافات الأيديولوجية مصدراً لأحداث خاصة نقف أمامها مندهشين، متذكرين ما حدث من صراعاتٍ عقائدية بين الاتحاد السوفييتي السابق وجمهورية الصين الشعبية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين. ومن خلال متابعتنا الحثيثة لبنية الصراعات آنذاك نجد أنه في نهاية المطاف وفي ذروة الخلافات أعلن الطرفان فكرة الجوار القومي التي تعتبر أكبر وأقوى من أي رابط أيديولوجي. ومنذ ذلك الوقت بدأ عصر الأيديولوجيات فى التراجع وتم الإعلان عن أن عصر القوميات قد بدأ. وبدأت معه حالات التطور والتقدم. ولذا فإنَّ ما نشهده اليوم من حربٍ شرسةٍ بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا ،إنما هو دليلٌ واضحٌ وصريح على سيطرة الدافع القومي واكتساحه العامل الأيديولوجي.
الجدير بالذكر في هذا المقام أنَّ روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا كانتا جزءين لا يتجزآن من الاتحاد السوفييتي السابق ومرتبطتين بأيديولوجيته الاشتراكية المعروفة.ولكن تفجّر الشعور القومي فى أوروبا خصوصاً فى شرقها ووسطها قد أدَّى إلى انقساماتٍ حادّة مختلفة نجمت عنها كيانات وطنية جديدة لم تكن موجودة من قبل، تعترف بكيان الدولة المستقل بصورةٍ واقعية تختلف اختلافاً كلياً عما كان عليه العالم في عصر الحرب الباردة التى تلت مباشرةً الحرب العالمية الثانية فى منتصف أربعينيات القرن الماضي واستمرت حتى عام 1991 م .
في سياقٍ متصل، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي والعديد من المنصات الإعلامية فكرة أنَّ تصنيع فيروس كوفيد 19(كورونا) كان بهدف الحد من عدد سكان الكرة الأرضية. متبعين النظرية (المالتوسية) التي أطلقها (توماس روبرت مالتوس Thomas Malthus) وهو باحث سكاني واقتصادي وسياسي إنكليزي، وهو مشهورٌ بنظرياتِهِ المؤثرة في مجال التكاثر السكاني في العصر الحديث. الذي يقول : أنَّ فكرة النمو السكاني يحتمل أن يكون أسياً أما نمو الإمدادات الغذائية الضرورية أو الموارد الأخرى هو نمو خطي، ما يؤدي بالمحصلة إلى تدني مستويات المعيشة اليومية للبشر إلى درجة قد تسبب الافتقار السكاني. هذه الواقعة تحدث باسم (الكارثة المالتوسية) وتُعرف أيضًا باسم المصيدة المالتوسية، أو مصيدة السكان، عندما يتجاوز النمو السكاني الإنتاج الزراعي، ما يسبب المجاعة أو الحرب الدامية، ويؤدي إلى الفقر الشديد وهجرة السكان. لمثل هذه الكارثة حتمًا دور كبير في إجبار على إعادة (تصحيح) وضعهم ليصل إلى مستوى بسيط ومستدام. ، هذه النظرية غالبًا ما تشير إلى دعاة التحكم في أعداد السكان.لذا فإنَّ الاقتناع بهذه النظرية وتساوق مجريات الأحداث وانعكاسات جائحة كوفيد 19 (كورونا) السلبية على البشر، مع ضخ إعلامي هائل يتسم بالرعب والتخويف من مخاطر الفيروس، اقتضى الإيمان بالتضحية بنحو ملياري نسمة من أصل سبع مليارات نسمة يعيشون على سطح كرتنا الارضية. وذلك بهدف الوصول إلى حدٍ أمثل للسكان، ولقد بدأ التفسير التآمرى لأحداث التاريخ منذ صيرورته وعبر سيرورته يعبث بعقول البشر خصوصاً فى جنوب كرتنا الأرضية. أي جنوب العالم المعاصر وتحديدًا فى القارتين الآسيوية والإفريقية بما يخلق وهماً مؤدَّاه أنَّ كبار السن ومواطني الدول الفقيرة الهامشية – إذا جاز هذا التعبير البشع جداً – يجب أن يدركوا أنَّ نسلهم غير مرحبٌ به على الكرة الأرضية لأنَّ دورهم كقوى منتجة أقل بكثير من دورهم كجماعات مستهلكة وتلتهم كل ما ينتجه الغرب، إنها نظرة مادية مرعبة جداً، ولكن يبدو أنَّ العالم يتقدم نحوها بخطواتٍ متلاحقة خطوة تلو خطوة يمكن ملاحظتها بدقة من قراءة الأحداث المتلاحقة.
إنَّ محاولة استعادة أحداث التاريخ وحرتقاته، ولكن بصور متلاحقة ومختلفة ،تشير إلى احتدام الصدام المباشر وغير المباشر بين الثقافات وبين الحضارات كما ألمح إليها عالم السياسة الأمريكي والمفكر المحافظ (صامويل فيليبس هنتنجتون Samuel Phillips Huntington) تلك النظرية زادت من حدّة العداء بين المجموعات البشرية فى قارات العالم الخمس دون استثناء وشاع خطاب الكراهية بينهم بشكل متسارع وخطير، فظهرت تعبيرات جديدة، بخاصة على الصعيد السياسي ترى أنَّ العالم تحكمه حسابات علوية ذات طابع خفي وأنَّ هناك حكومات غير منظورة يطلق عليها (الدولة العميقة Deep state) أو الدولة المتجذرة أو دولة بداخل دولة ،وهو مفهوم شائع غير اختصاصي يُستخدم لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة والسكان. ومن الأسماء التي تتشارك في إدارة الدول من محور (الدولة العميقة Deep state) بيل غيتس الذي يتحكم في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. هو من أعلام ( الدولة العميقة Deep state)الذين يتحكمون بمصائر البشر وكأنهم أوصياء عليهم.
العالم يتغيَّر . يتغيَّر بشكلٍ واضح وصريح ومتسارع. ونحن بدورنا نواجه تحديات صعبة ومعقّدة لم تكن موجودة من قَبل .