الشاعر والناقد المصري عمارة إبراهيم وناصر أبو عون يتحاوران في جريدة عالم الثقافة
القاهرة – أسيوط – قاوات الكبير| خاص
(1) عودة إلى البدايات.. متى اكتشفت قارة الشعر المفقودة داخل جغرافية روحك المتوثبة؟ وكيف ولجت إلى أبواب القصيدة؟
^^^لم أكن منتبها لبدايات أحوال الكتابة عندي؛ فصحيت علي وعي القراءة في الأدب العربي وخاصة أدب الحكي وسرده المتوغل في بنية الأحوال الاجتماعية وواقعية أحداثها المرتبطة بخيال لم يخرج من ضرورات واقعها، كما أن الشعر أيضا كنت أعيش أحواله في قصيدة حافظ إبراهيم ومحمود حسن إسماعيل الذي منحني جرعة التعايش مع مفردات الطبيعة التي ترتبط بالزرع والحياة الريفية بأجمل صورها وكنت أقارن بين طبيعة ريف قصيدة محمود حسن إسماعيل وبين قريتي (قاوات الكبير)، وتخيلت في تلك الطفولة أن محمود حسن إسماعيل حضر إلى قريتي ورسم بريشة الشاعر خضرتها ومياهها وكوخها وسماواتها وعبر عن أحوال الناس فيها وكان منه الأثر البالغ في توسيع رقعة الإدراك الفني لي وقتها وكنت لا أتوقف عند هذا الحد؛ بل كنت أحرص علي الذهاب إلى قمة الجبل الذي يمنح قريتي هيبة يتفوق فيها طلوعي الإنساني وقوة جأشي حتى أنني لم أخش زواحفه أو حيواناته المفترسة وكنت أغني بكلمات لا أفهم معانيها أو حتي رابطها الموضوعي ولكن كنت أبني إيقاعها على موسيقي الشعر الذي كنت أقرأه ولا أحفظه.
من هنا تشبعت روحي بأحوال الإنسان وإيقاع أفعاله التي رسمت لي وعي البدايات وموازاتها برصدي لكل التواترات الإنسانية داخل حياتي، لتختزنها وتتشبع بها قريحة الشعر التي لم تبرز إلا وأنا في الصف الثاني الإعدادي عندما كتبت أول ما كتبت ولا زلت أذكر القليل منه: “أرأيت بكهف جميل يتحلي بكلب وسبع رجال نوما” من واقع دفقته التي رسمت كيفية التأمل في قصة أهل الكهف التي ذكرها القرآن الكريم في مطلع خاطرة لي كانت هي أول إنتاج الحقول التي أنبتتني في أرض أظنها تحتاج إلى توثيق ثمارها وطلع إنتاجها الذي لا يتوقف حتى هذه اللحظة.
(2) تعريف الشعر بعيدًا عن الأدلجة والخطابين القومي والعقائدي، بما يدعم مرتكزات الهوية الثقافية؟
^^^الشعر هو اللغة الإنسانية التي تبني أحواله وتنغيمه وتحدد بناءه وثقافة وجوده وتبني طلوعه وحداثته وقضايا ماهياته عبر كل بيئة وكل زمن يتجدد لها ومنها حداثته وتجديده ولا يرتبط بغير فعل الإنسان وحركية دواله في شريان ماعونه المتجدد بحسب تجدد أبحرها عبر الزمن والبيئة والثقافة وارتباطه العضوي بهم.
والشعر هو سمو الإنسان وفعله وعرفانية حضوره الفكري ومنبت ومجرى شريان علومه.
هو الإنسان في سماوات فطرة جماله وخصوبة أرض توجهاته وأفعاله وشجرة الغواية في بستان الجمال الذي لا يدركه إلا من يتأمل وهجه ويسعى لإدراك تفاصيل جماله وابتكاراته في نسبيتهما.
(3) يُطْعَنُ في الحداثة بوصفها إنجازًا غربيًّا، وهي كذلك بالفعل، أليس من حداثة عربية وكيف يسهم الشعر في تأصيلها؟
^^^نعم بدأ الغرب الحداثة قبلنا بسبب إشكالية العقل العربي وميله الشديد نحو الاسترخاء ونحو تثبيت عوالمه الإنسانية حد العقيدة وربما كانت القبلية التي تربي عليها العقل العربي وأعرافها التي توغلت في ثقافتنا وفي ثوابت مجريات الواقع الذي نعيشه كان السبب الرئيس؛ لكن والحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن سلطة العلم والثقافة والفكر داخل الدرس الرسمي في المنصات الرسمية هي السبب الأصيل لأسباب متنوعة منها سلطة الدولة هنا وهناك في اختياراتها قبل توجهاتها وكأن نضوج العقل الاجتماعي والثقافي والفكري داخل المجتمعات العلمية والثقافية سيجهض مشروع الدولة هنا أو هناك أو يكون السبب في تفتيت البنية الاجتماعية التي لا تلازمها بنية فكرية وإبداعية وثقافية يتحقق منها أهداف التطلع نحو مستقبل إنساني يقوده العلم والفكر والإبداع وليس الخمول العقلي الذي أوصلنا إلى عدم مواكبة الحداثة البشرية وتطلعها الحياتي الذي يعيد للعقل البشري وجوده ومساره التطلعي.
كما أن تفرغنا للعراك في دوائر الراكد والمحلي من دون منح العقل العربي وجوده ومنحه كيانه واستحقاقه وخاصة المبدع منه.
نعم تأخر ركب الحداثة عندنا وعندما بدأنا وضع بعض الأقدام عليه تحولت الحداثة عندنا إلى حداثة احتياج للخاص وليس حداثة تطور عقل وفعل وكتابة، لتدور المعارك التي ورثنا تقنياتها البدوية بين من وضعوا تأسيسها وتوغلوا في فعلها وبين من يتبنون الوقوف علي ثابت التراث ولا يريدون تفكيكه فكريا بل يريدونه خاما مدشنا بغموضه وعدم مواكبة بعضه لواقع التطور الذي تحقق في الغرب وبعض الثقافات في الأميركيتين وشرق أسيا؛ ليصبح الحال وما ترتب عليه حتي الآن.
والغريب في المشهد العربي الراهن تمدد شراينه الإبداعية في سياقات تطورها وخاصة في الشعر الذي يعافر بقوة لتأصيل ملامحه العربية بينية المستجد من الحداثة وتطورها عبر بيئته وثقافته ولغته المتحركة والمتوسعة في قاموسها كي يتحقق لها الوجود والتنافس بروحها العربية؛ غير أن بعض الحداثيين المتأثرين بلغة الغرب وثقافة الغرب وبيئة الحياة ويريدون نقل طقوسها غير المتوافقة عربيا في المكون العام والخاص العربي وربما كان هذا سببا مهما مع غياب منصة النقد ومنصة الدرس الأكاديمي عن الوجود وعن الضلوع.
(4) رزح الشعراء العرب في العقود الثلاثة الأخيرة تحت نير العديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية، محاطين بسياج اقتصادي شائك مما خلّف آثارًا خطيرةً على الإبداع.. كيف يمكننا الانفلات من هذه الأزمة والخروج بأقل كلفة من الخسائر؟
^^^الشعراء يملكون المساحات الاجتماعية إن أراد البعض منهم ومن هذه المساحات الواقع الاقتصادي والحياتي داخل مجتمعات الرصد والمعايشة؛ غير أن هذه المعايشة ورصد واقعها لا يملك الشعراء فيه غير إبراز تفاصيله داخل العمل الإبداعي وربما كانت هذه التفاصيل والمعايشة هي الواقع نفسه الذي يعيش فيه الكثير من الشعراء ومن ثم كان له الأثر المتوغل داخل بني النصوص الشعرية؛ ومن الطبيعي أيضا أن يكون للشعراء دورهم في إعمال قضية الفقر والجوع وعدم عدالة التوزيع الاقتصادي للحفاظ علي أمن وسلامة البنيان الاجتماعي وكل ما يخص أنسنة الحياة وترسيخ قيم الكرامة فهذا ما يجب أن يجسد أحواله الشعراء كان ضمن القضايا العامة داخل المجتمعات العربية.
(5) ما أبرز ملامح قصيدتك الشعرية دونما التَّماس مع تجربة جيلك الإبداعي؟ وكيف يتحقق الشاعر في ظل تداخل السياسي الإقصائي مع الإبداعي الديموقراطي وتجاذبات الشللية المقيتة التي تستقطب أنصاف المبدعين والمتعلمين؟
^^^من أبرز ما حققته تجربتي أنها استفادت من كل تطلعاتها من دون التماس مع تجارب الغير؛ فقد رسمت محطات أفعالها وحضور وفوران لغتها مستفيدة من تطور أدواتها التي توافقت بقدر الإمكان مع تطلعها الجمالي الذي تبحث عنه عبر اطلاعها على الجمعي والذاتي، ولم يكن في مقدور طلوعها أن تقترب أو تحرض على مجانية العمل كي تصل إلى جمهورها العام الذي نزل في عموم مجتمعاتنا إلى أدنى تطلع للقصيدة وقد هبط معهم الكثير من الشعراء بإنتاج مجانية التوصيل لها عبر المباشرة والتقريرية والخطابية لتتحول القصيدة العربية في سعيهم إلي منصة زاعقة ترفض التطور والتجديد أو تعيد للقصيدة أسس وجودها الفني أو تبني عليه ملامح التطور الذي توغل في البيئات غير العربية وتركونا لندير شأنها بمعطيات الثابت منها حتي وصلت إلى نظم تقليدي هبط إلى أدنى تشكيل لها بالنسخ أوالتقليد أوالسرقات ومن دون إضافة أواتساع في قاموسها والكارثة الأكبر أن استولوا على منصاتها بمساعدة من منصات علمية أو ثقافية رسمية.
كانت لقصيدتي مساراتها البعيدة لتكتب نفسها بحسب معطيات أحوالها من توافق وانسجام أدواتها عبر تشكيل فني يرتقي الطلوع إلى فضاءاتها الأوسع ووفق إملاء الأفعال ودفقة أحوالها مراسم ولادتها مستفيدة بالاطلاع علي أحدث تقنيات الكتابة التي تتوافق مع بيئة وثقافة وزمن كتابتها تدير وتقود حتي تمتلك هي نفسها من دون تأثر لها من ميادين الشعر في قديمه وحديثة.
(6) لم يعد الشعر العربي يطرح أسئلة وجودية.. ما السبب؟ ولماذا صارت “أسئلة الشعر حائرة بين منجزه التراثي، ووظيفته الاجتماعية والحياتية، وبين طارئ خلخل قواعد التعاطي الشعري العربي، بانفتاحه على التجديد والتطور الشعري” وفق تعبير عثمان حسن.
^^^من قال ذلك؟
الشعر العربي عند الحقيقيين من مبدعيه يهتم كثيرا بطرح المسكوت عنه ولم يقهر سلطة التراث أو الموظف ضد وجوده الإنساني، وربما جاء التوظيف هنا ليضع أمامه حواجز فولاذية تعرقل من مسيرته ومن سرعة انتشاره الإنساني كي يضع هو مواثيقه الجمالية التي تعبر بالإنسان إلى سمو وجوده وفعله ولغته والأهم بناء قوانين وجوده.
وبالمناسبة الشعر في تطوره هو ابن تراثه وابن شرعية ثقافة وعلوم بيئته؛ لكن عليه أن يقبل توظيفه العلمي ولا يقبل سلطته؛ عليه أن يقبل الاستشهاد به ولا يقبل سلطته ولا أبالغ حين أقول أن الشعر ومعظم التراث الإنساني لا ينفصلان في جوهر وسلامة الحضور والتجاور فهما عجينتان في صحن واحد بحسب ميزان الفعل وتطور لغته وحركيته لإنتاج ضرورات لا رفاهية يحتاجها المجتمع العربي في حروبه التي يخوضها ضد مستعمري أرضه وهويته وأدوات حياته.
المعركة طاحنة بين مقدراتنا وهويتنا ووجودنا وبين من يحاولون ضدنا وهنا علي الشعر أن يقود زمام المعركة بأن لا يغفل تراث عربيته ولا يطمس معالم هويته ولا يقف عند ثابت حضوره؛ بل يجب أن يكون تطوره وفق ملامح وفعل بيئته وثقافته وزمان ومكان تطلعه ومن هنا كان الحرص شديدا في عدم طمس الهوية العربية بانفتاحه علي التطور والتجديد وبما يتناسب مع لغتنا وهويتنا العربية التي لا تقبل الاندماج وتقبل الانفتاح وفق ضروراتها الإنسانية ومعطيات تطلعها عبر قوانين بيئتها التي منحت الإنسان العربي سلام مشاركاته وتطلعاته فوق جغرافية البشرية.
(7) هل من دور ووظيفة للشعر؟ وما أهم ملامح الأزمة التي يعيشها الشعر العربي؟ في ظل غياب المؤسسات التنظيمية؟
^^^كل ما هو إنساني ويحتاج إلى تضفيره إلى واقع التحضر والسمو والرقي وعدالة الحياة وإبراز قضايا مجتمعاته وثقافته وبيئته والدفاع عن الحقوق والواجبات والسعي إلي تطور أدواته ووظائفه لتحقيق نتائج جمالية وإنسانية تليق بالإنسان وبيئته وثقافته ووجوده؛ فكل هذه وظائف وجوهر وجوده.
والأهم من ذلك كله هو الحفاظ علي وجوده وترسيخ كيانه وتعظيم أدواره بعد تعرضه لأزمة التطلع والتطور والتجويد؛ بل والوجود من الأنظمة والمؤسسات ومن المحسوبين عليه سواء من المحافظين أو من أصحاب التطلع نحو إنتاج تطعيمات وتلقيحات جينية في ضفيرة عجينته لا تتوافق مع بنيتنا الاجتماعية ومواثيقها الأخلاقية حتي يمكنني تشبيهها بزرع أفرع شجرة فاكهة علي جذع الصبار لإنتاج ثمرة تكون صالحة للأكل.
الشعر العربي في مأزق كبير بسبب المحاولات الرسمية وغير الرسمية لبتر ملامحه ووجوده ويساعد في ذلك بعض المحسوبين عليه؛ حتي أنني أطمح في وجود قانون نقدي يدخل ضمن مصطلح مفهوم الشعرية العربية يجرم كل من لا يمتلك موهبة وأدوات وتطلع وجوده بعدم منحه لقب شاعر ويقف النقد ضد توجهه الذي يخرج عن مفاهيم الكتابة وجودة نتائجها.
(8) تكاد القطيعة ما بين القارئ والشعر العربي الحديث أن تصبح شاملة.. ما العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة؟
^^^نعم.. علينا الإقرار بأن ثم تباعد بين الشعر ومتلقيه وليس قطيعة كما يطلق البعض وفي الحقيقة الأسباب تتعدد في سياقاتها وفي ظني أن من أهم أسباب التباعد كان بسبب الأوضاع الاقتصادية وأثرها في حياة المتلقي، فالجميع أصبح مشغولا بلقمة العيش وتوفير المادة التي تسمح بمجابهة الغلاء والسياسات الحكومية في هذا الشأن من توفير متطلبات العيش والدرس وحتي دفع قيمة الوصول الي وظيفة مناسبة؛ كما أن تعدد أدوات الترفيه الحياتي وتطورها وتفجير طرق ماديتها المطلقة كانت بديلا عن دواوين إلقاء الشعر كمادة ترفيه في حياتنا العربية وخاصة انفتاحها علي الترفيه الغربي غير المحتشم إنسانيا مما دفع بالكثير بل دفعت بالغالبية نحو منصات البدائل عن الشعر.
ومن هذا أختلف بشدة مع من يتطاولون علي الشعر في هذا المقام ويصنفون التباعد بسبب غموض وحداثة وتطور الشعر وهذا افتراء وتضليل ومن يتأمل مسار الشعر العربي عبر تطوره الزمني يجد فنية الكتابة وتطور بنيتها وقاموسها واتساعه تمتلك نسبية الغموض المحبب الذي يمنح الشعر قيمته وجمالية وتطور بنيانه بعيدا عن التقرير والمباشرة وخطابة التلقي.
أما السبب الأهم فيقع علي المؤسسات العلمية والاكاديميات وقطاعات الثقافة الرسمية وغير الرسمية وقد انحدرت فيهم القيم التربوية والعلمية والثقافية إلى أقصي تدني مستوياتها نشهده في تأريخها والسبب الواضح في ذلك هو اختيار العنصر العالم أوالمثقف أوالمتخصص علي منصة الدرس أوالثقافة ومن ثم تضعف هنا المادة العلمية أوالثقافية بضعف مديرها وعالمها ومثقفها ومتخصصها لتبرز الفجوة الرسمية والأساسية في التلقي للشعر.
(9) كثير من الأصوات تبشر بعودة القصيدة العمودية لتتسيد المناطق المضيئة في المشهد الشعري العربي .. هل تعتقد أن هذه بشارة أم خسارة في ظل أزمة النمطيّة والتكرار في الرؤية واللغة والصورة والإيقاع التي أصابت قصيدة التفعيلة خاصة، في إطار حركة الشعر العربي المعاصر، منذ ستينيات القرن الماضي، إلى حالة من السأم و”الإرهاق الجمالي”.
^^^خطأ كبير أن نفرق بين أشكال الشعر وتعدد بنيته العامة؛ فلا مشكلة شخصية لدي مع شكل عمود الشعر إلا من خلال الأسباب التالية:
الأول: هو نظم الكتابة في شكلها العمودي ولضم الحرف مع الحرف لإنتاج المعني والإيقاع ولا يملك الحرف روحا تسري بين شرايين الأفعال الخام من دون حركية إنسانية داخل القصيدة.
الثاني: النسخ والتقليد والسرقة من دون تقديم قصيدة العمود لنفسها شاعرا يجود من واقع تجربته هو وأدواته هو وثقافته هو وبيئته وهويته ولغته وقاموسه الذي يتوافق مع مكوناته العامة في الكتابة؛ فالشعر ليس في قانون شعريته شكلا ثابتا يمثل قانون الكتابة؛ بل قانونه الثابت هو جودة منتجه وجمالياته وقاموسه وأدواته وثقافته وأخلاقه الأدبية التي تمنحه للتاريخ واجهة زمنه ومكانه وفق ريادته.
الشعر الذي يمثل واجهة زمنه وقضايا محكاته عبر هذا الزمن الذي حقق منه ريادة في الجودة وفي التطور وفي اتساع قاموسها ومحاكاة قضاياه الإنسانية عبر الجمعي والذاتي وتكون كتابته علي هذه الدرجات المتفوقة أقبله وهو في أي شكل يكون.
(10) هناك فشل للنظريات النقدية الغربية التي تمّ شتلها في البيئة العربية وبتعبير فخري صالح (لا تتجذر في الواقع الثقافي وظلت مجرد أيقونات ثقافية نخبوية لا تتصل بحاجات حقيقية للثقافة العربية.. ما تقييمك للمنتج النقدي العربي المشتت بين الأكاديمي والصحفي الانطباعي؟
^^^كان الخطأ الأكبر في قياساتنا وتطبيقاتها النظرية في النقد الأدبي العربي أن منحونا هذه القياسات والتطبيقات من قراءة قشرة النظرية وليس التوغل في تفاصيلها معمليا وتطبيقا؛ فلو كانوا فعلوا ذلك ما أتو بها وحطوا مناهجهم التي أودت بالنقد الأدبي وأصابته في مقتل مما دفعني أن أنشر مقالات متعددة علي صفحتي الفيسبوكية وكانت منصات جريدتكم هنا السباقة في النشر والتوثيق وأيضا يوجد لي كتاب قيد النشر يرفض هذا التغريب الذي لم يتوافق مع بنية وثقافة وبيئة لغتنا العربية؛ بل ويفضح هذا التغريب الذي ضللوا به منصات النقد ودرسه وحعلونا تابعين والأعين مغلقة خلف من صنعوها لبيئتهم ووفق ثقافتهم وخطط تطور بنيان الأدب عندهم وللأسف لم تنتج لنا غير التخلف عن ركب الوجود والتطور بقياسات متوازنة بين كتابتهم وكتابتنا الأدبية وفي يقيني أن هؤلاء الآن لو كانوا قيد الحياة والاطلاع والمتابعة ولو يملكون ضميرا إنسانيا لقدموا اعتذارهم وتركوا لنا منصات العلم والدرس والثقافة حتي نصحح ونعيد البناء بما يتوافق مع تنظيراتنا ومتاهجنا وعبر تطبيقات حقيقية في اختياراتها وفي مساراتها.
إن المنتج النقدي العربي راهن وجوده بتطبيق نظريات ومناهج لم تتوافق بيئيا أو ثقافيا أو مع لغتنا العربية ذات الخصوصية التي تمنح ولا تمنح والدليل في تفاصيل تراثنا العربي الذي قدم للحضارة الغربية ما تم توظيفه صحيحا عندهم وبتنا نحن نتقل عنهم توظيفاتهم غير المتوافقة معنا وهذا دليل يملك اليقين عن تضليل النقد الأدبي العربي لمنصاته والمتلقين لها عبر مائة عام أو يزيد ولا زلنا في ثبات جهلنا بواقع معطيات واحتياجات أدبنا العربي لقاطرة التنظير الذي يعبر عن سيكولوجية وأحوال الكتابة العربية من بابها العربي.
(11) في ظل اتساع حرية التعبير على مواقع الإنترنت، وتحطيم جدار الاحتكار داخل الصحافة الورقية وظهور مصطلحات من قبيل: (المواطن الصحفي)، وشعراء (الفضاء الأزرق)، و(المؤسسات والصحف الإلكترونية)، و(الجوائز وشهادات الدكتوراه الفخرية) التي تتطاير في الفضاء.. ما ملامح مستقبل صناعة النشر؟.
^^^منظومة الكتابة والتي تبدأ من إنتاج الحرف وتنتهي بدور النشر أصبحت ترتبط بجوهر المادة لا جوهر القيمة؛ من هذه الرؤية التي قدمت فيها إدراك المرضية الجسدية في حديقة الكتابة والنشر؛ نستطيع أن نصل الي محددات وصف العلاج لبتر المرضية التي تسبب فيها الكثير من الغموض وتعدد أزمات أحوالها؛ فكانت البدائل من منصات النشر وتعددها التقني منصفة لنا بسبب النفوذ والسلطوية التي باعدت بين الكتابة الحقيقية ودور النشر التي يجب أن تتبني نشرها؛ وبسبب القياسات المادية فقط وقد باعدت بين جوهر وقيمة الكتابة الحقيقية وبين دور النشر.
نعم الأمر لا يستهان به؛ فقد حققت المنصات الإليكترونية اتساعا كبيرا أثر بشدة في المطبوعات الورقية التي يجب أن تعيد زمام تطورها لأنها التوثيق الحقيقي للكتابة؛ فقط تعيد توازن قيمة منتجها الأدبي بقيمته الأدبية لا قيمته السوقية التي لا تعبر عن تفوق القيمة ولا تبني لمراسم قوة ونتائج هذه القيمة الأدبية لتوثيقها تأريخيا.