الإرهاب ودمار الحدباء.. منهج ورؤية (5)
عصمت شاهين دوسكي
النظر للشر من حيث الشر إلى جهة واحدة قد لا يصعب لأي إنسان أن يبحث عن الجرائم الإنسانية التي تصدر من تلك الجهة كما أنه يتوصل إلى معرفة وإدراك الأسباب والعيوب بعد تجارب وحوادث تقع أمام العين أو يعيشها الإنسان ،
مع ذلك فإن الذين سادوا العالم وأسسوا الأمم والممالك وشرعوا وأقاموا الدول ومن ضمنهم أقطاب الإدارة والاقتصاد والسياسة والقيادة حتى رؤساء العشائر الصغيرة كانوا من علماء النفس وهم لا يشعرون فكانوا يعرفون أهمية الإنسان وروح التواصل والألفة معرفة فطرية وكانت تلك المعرفة صادقة في أغلب الأحيان وتلك المعرفة هي التي مدتهم بالقوة والاستمرار ليسودوا ما هم عليه عكس ” نابليون ” الذي أقام في بلاد ” الأسبان ” وفي بلاد ” روسيا ” على الأخص بحروب عجلت من سقوطه لأنه جهل غالبا روح الإنسان التي تحلم بالحرية والأمن والجمال والسلام هكذا إن أردنا أن نعرف ضعف تأثير القوانين والأنظمة الصادرة من الجماعات الإرهابية فإنها تقف بلا روح ولا رحمة ولا ضمير ولا تداري الأحوال النفسية فلا تظهر لها قدرة على تكوين رأي سديد وتفكير حكيم خارج عن الدائرة التي رسمت لهم لأنها لا تقاد بقواعد العلم والعدل بل تبحث عن أي شأن يؤثر فيها فاختيار ” ضريبة الزكاة قسرا ” على المحلات القريبة من قواعد الاقتصاد المعيشية المتدهورة الضعيفة للفرد لم تلق أكثرها قبولا عند الناس بل زرعت في نفوسهم السخط والتذمر نفس الصورة تتكرر في ” فرض الخمار الكامل ” على النساء واللحية والإزار للرجال وإجبار المدرسين والمعلمين والموظفين على الدوام وفرض عقوبات لمن لا ينفذ الأوامر قد تصل للقتل أو مصير مجهول حتى العسكريون القدامى والجدد الذين انتسبوا سابقا للجيش والشرطة بسبب المعيشة وشدة الجوع وقسوة الحاجة أجبروهم على تقديم براءة الذمة وغرامة مالية تقدر ” ألف دولار ولا تقل عن ثلاثمائة دولار ” ، اتصل صديقي بهذا الشأن قائلا :
أحب أن تأتي معي ..
قلت له : إلى أين ..؟
أقدم براءة ذمة وادفع الغرامة المالية
قلت له آسفا على هذا العمل :
ومن أين دبرت المبلغ وأنت عاطل عن العمل منذ دخول هؤلاء ؟
قال : اتقي شرهم أعطاني إياها قريب لي كدين علي أسددها حين ميسرة ..
اتفقنا على موعد قرب دورة ” النبي يونس ” وذهبنا كما علموه على المكان إلى ” جامع النقيب قرب مستشفى الجمهوري ومركز دائرة الصحة “،وجدنا الكثير من المنتسبين يقفون طابور كأنه طابور الإعانات ولكن هذه المرة هم من يدفعون ولا يستلمون إلا الكره والحقد ، يقدمون براءة ذمة ومبلغ الغرامة ..
قلت لواحد من الذين يقفون بالطابور :
لماذا تدفع ؟
قال وكأنه حضر الرد مسبقا :
يا أخي أشتري نفسي من هؤلاء ، إن لم أدفع أما أسجن أو أكون مقتولا ..وأنا مسئول عن عائلة مع أمي وأبي ..
ولما وصل دور صديقي رأيتهم بملابسهم الأفغانية وشعرهم الطويل ولحيتهم الكثيفة ووجوههم القاسية واحد يكتب المعلومات والآخر يجمع الأموال بالدولار والدينار العراقي في حقيبة سوداء بحجم كبير خاصة للسفر ، وبعد أخذ المعلومات من صديقي ، الاسم والعنوان والمهنة السابقة قال له :
أين المبلغ ؟
أعطاه صديقي ثلاثمائة دولار ، فتغيرت ملامح وجهه وقال :
أين الباقي هذا لا يكفي ؟
فقال له صديقي وهو صادق بقوله :
أنا عاطل عن العمل ودبرت هذا المبلغ بصعوبة
اخذ المبلغ وهو متذمر غير راض ، لاحظت حقيبة الرجل الثاني مليئة بالعملات المختلفة الدولار والدينار العراقي ، كان همهم جمع الأموال ولا يهمهم حال الإنسان ووضعه المعيشي الاقتصادي وبعد أن أعطاه صديقي المبلغ سلمه ورقة براءة ذمة وهكذا مع الجميع والكل ساخطون ويدعون عليهم ، فهذه التصرفات المتعمدة لا تضيق على ” المواطن الموصلي ” فقط بل تؤثر في نفسيته وروحه خاصة اغلب المنتسبين للجيش والشرطة السابقة بلا عمل وبلا رواتب ، علت أصوات الشكوى من كل جانب لأنها من موجبات الضجر ، عندما تغتصب لقمة العيش الخاصة بالناس وهم بلا وسيلة اقتصادية ومردود مالي فهذا يعني لا تبصر ولا بعد نظر لأن الناس لا تسير على مقتضى دين فالدين يسر ورحمة وأمان وسلام عكس التصرف المتشدد ولا مقتضى قواعد عدل مكتسب بل مغتصب وقد تكون هذه التصرفات شذوذا في التعامل الإنساني ، هذه الجماعات الذين يعتبرون لفيفا من قوم ما وإن اختلفوا جنسا ذكورا كانوا أم إناثا وعلى أي مخطط أو اتجاه اجتمعوا وإن كانوا منظمين نفسيا وفكريا كأنهم ذات واحدة ليخضعوا لسيرة الوحدة الفكرية التي تجعلهم خاضعين لتوجيه معين تجدهم في الأسواق يتابعون ملابس النساء وخمارهن من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل وكذلك الرجال بشأن اللحية والإزار وفرض عقوبات وغرامات على النساء والرجال من خالف ولو بشيء بسيط جدا من تعاليم الخمار واللحية والإزار، ومن ضمن من كان يحاسب الناس الذين أخرجتهم الجماعات من ” السجون ” بشرط دخولهم وولائهم وطاعتهم العمياء ، ومن منطلق القوة استولوا على بيوت المسيحيين والمهجرين والنازحين الذين عانوا الأمرين أول الأمر بعدهم عن حبيبتهم الموصل وبيوتهم والأمر الثاني الجوع والتشرد والحاجة في الخيام البيضاء التي وسعت الأرض بياضا انتشرت في أطراف أربيل ودهوك والسليمانية ومسلسل القتل والرجم والذبح وإسقاط البشر من أعلى العمارات لا ينتهي إضافة إلى وضعهم كرفانات إعلانية غرفة صغيرة لتبث من خلالها انتصاراتهم وذبحهم وقتلهم حيث كانوا يصوروها ويتفننون في تصويرها وإخراجها أفضل من أعت المخرجين العالميين هدفهم أولا غسل أدمغة عقول الشباب والصغار لينخرطوا معهم وثانيا إرهاب الناس ، استولوا على الأموال في كل مصارف الموصل مثل ” مصرف الرشيد والرافدين وخالد بن الوليد وأبي تمام والمصرف التجاري والعقاري وغيرها ” ثم فجروها بحجة كانت تتعامل بالربا والطامة الكبرى التي فجرت عقول الناس ، تفجيرهم ” جامع النبي يونس عليه السلام ” الذي له مكانة خاصة في قلوب أهل الموصل كذلك تفجيرهم ” جامع الخضر عليه السلام وشيخ فتحي والنبي دانيال وقبر البنت ” بحجة الزيارات وجعلوا من ” الكنائس ” مقرات لهم وخربوا القبور بلا إنذار مقبول لم يكتفوا بهذا توجهوا للمتاحف وحطموا الآثار الظاهرة أما ترسانة الآثار الأصلية اختفت لم تصور كما تصور كل التفجيرات الخاصة بالجوامع والأمكنة الأثرية واستمر منهج التدمير والتحطيم إلى أن وصل إلى ” تمثال شاعر العرب وشاغل الدنيا أبي تمام في منطقة باب الطوب قرب الكورنيش وتمثال ألسواس في ساحة السواس في وادي حجر وتمثال عثمان الموصلي في ساحة المحطة وتمثال أم الجرار في وسط باب الطوب والثور المجنح قرب ساحة الاحتفالات وباب نركال على طريق الجامعة وغيرها من الآثار ” هذه الفواجع والنكبات التي طالت البشر والحجر أثرت على نفسية المواطن الموصلي تأثيرا قويا خاصة تفجير جامع النبي يونس عليه السلام الذي كان رمزا سياحيا ودينيا للمدينة وهزت هذه التصرفات العالم كله لكن فقط إعلاميا ،فقد ظهرت ذات الجماعات المدمرة لكل ما هو جميل على الأرض هذه الصفات المدمرة جعلتهم في زاوية ضيقة أبعدتهم عن الناس بل أصبحوا في عنق زجاجة تحتاج أن تفجر نفسها لتخرج بقاياها إن بقيت وظلت منطقتا ” بعشيقة وبحزانى ” عصيتين عليهم إلى أن دخلوهما بعد قتال كبير مع الجيش فقد كانت بالنسبة لهم مدن الأحلام ، قسم من الجنسيات الأجنبية والعربية سكنوا فيهما، أما المسيحيون واليزيديون والمسلمون هربوا إلى الجبال القريبة والى دهوك واربيل وسليمانية ومنهم لجأ إلى تركيا ومن ثم إلى إحدى الدول الأوربية انقلب جميع أهل الموصل عليهم ضمنا وظاهرا حتى الذين كانوا يؤيدونهم في البداية لفطرة أفكارهم وضيق رؤيتهم ،
وفي صباح ذات يوم كنت في السوق اشتري خبزا ولبن سمعت حركة سيارات سريعة تقف قرب ” ساحة سومر ” نزلوا من سياراتهم بملابسهم السود والمرقطة الصحراوية ومنهم من كان ملثمافقط عيونهم ظاهرة وجمعوا الناس الرجال والشباب والأطفال كونوا دائرة وتساءل بعض الناس ماذا يجري ؟ وكباقي الناس انتظرت بعيدا لأرى نهاية هذا العمل العلني البطولي الذي يقومون فمنهم من يصور العمل فرأيت كاميراتهم الحديثة جدا ذات التقنية العالية وزعوا على الناس الحجر بحجم صغير وكبير وبعد فترة من الفوضى المرتبة أنزلوا اثنين من الحافلة ” رجلا وامرأة ” مغطى وجهاهما وضعوهما داخل دائرة رسموها على الأرض وأعلن واحد منهم وهو يؤشر عليهم هؤلاء عملوا فاحشة الزنا فيجب أن ينزل عليهم القصاص العادل وعلينا رميهم وبإشارة منه بدأ الناس يرمونهم بالحجارة مع صرخات التكبير إلى أن هربت المرأة من الدائرة المرسومة ورفع صوت اتركوها لتذهب بعدها اخذوا الرجل المدمي من أثر ضربات الحجر وانتهى عملهم الذي كان يتكرر بين فترة وأخرى واختلفت قوانينهم وأشكال عقابهم في تصوير قتل رجل خائن عنده اتصال مع الجيش فيجمعوا الناس وتقرا عليه العقوبة ويقتل برصاصة مسدس في رأسه والسرقة عقوبتها ليست قطع اليد فقط بل ضرب رأس الرجل ببلوكة وهي قطعة منسقة مستطيلة الشكل من سمنت تستعمل للبناء ، وبدون قراءة السبب أحيانا وفي وسط المدينة من فوق “عمارة أورودي باك ” العالية المشهورة رموا شخصين لاتصالهم لما وراء حدود الموصل تفجرت جثثهم ومن لم يمت ينزل عليه احدهم وينهيه برصاصة في رأسه هؤلاء الجماعات كيفما تباينوا أو اتفقوا في أحوال تصرفاتهم وأعمالهم اليومية وفي أخلاقهم ومداركهم وعلة ذلك انضمامهم إلى بعض دون وعي من الأفكار والمشاعر فيتحول من عالم القوة إلى عالم الفعل المدمر وعندما قل عددهم بسبب القتال في كل الجهات لجئوا إلى الأطفال خاصة اليتامى في دور رعاية الأيتام دربوهم على القتل والذبح وغسلوا أدمغتهم الصغيرة ، حيث عرضوا طفلا يوجه مسدسا لرأس رجل منحني ويطلق عليه الرصاص ليرديه قتيلا فوراء هذه الأعمال الإجرامية بحق الإنسانية أسباب ليست خفية بل ظاهرها اشد جلاء لترهيب الرؤية الفكرية ،
حركة الجماعات تختفي مقدرتها على الإدارة وتنزوي بالماديات فنهب ” النفط الخام من اكبر مصافي العراق ببيجي وغيرها من الحقول النفطية ” لا تقدر بثمن فمنذ سيطرتهم عليه تنقل شاحنات نفطية باستمرار لكن إلى أين ؟ ومن يستقبل ومن يتعامل معهم؟ تجار الحروب أم سياسة خلق الحروب ؟ أمام أنظار دول العالم كمتفرج ، أين الطائرات الحربية المحلية والعالمية التي تعهدت بحماية العراق وأهله هل هي مشتركة مع الجماعات في تقسيم النفط وتهريبه وبيعه مثلما يباع البشر بأرخص الأثمان ، تجلت الألاعيب العالمية في التخطيط والتدبير والتنفيذ ، منذ دخولهم الموصل صرحت الوزارات الحربية والاستخبارات العالمية إن مدة هذه الجماعات في الموصل وثلث العراق هي ثلاث سنوات وكلها مناطق سنية وكأنه عقاب السنة بالسنة وكلاهما يدعون الإسلام .