المواقف كشّافة
سجى مشعل | فلسطين
يقول فريدرك نيتشه:”لا تطلبوا شيئًا يفوت قواكم إدراكُه، فَمَن طلب ما لا طاقة له به فقد كذّب نفسه. لأنّه إذ يطلب العظائم وهو مُزوّر ومقلّد تنفر منه العظائم حتّى يرى نفسه زائغ البصر جمادًا مطليًّا في فمه كلمات كبرى وبين يديه قرقعة لا جدوى لها. كونوا على حذر من طلّاب العظائم أيّها الرّجال الرّاقون فالقناعة خير الكنوز”، وقد صدق في قوله وفي عمله، فإذا بولغ في الأمر كان محضَ خُرافة أو خدعة. وأنا أقول:
لا يُغريَنّك حلوُ الكلام فإنّه
سمٌّ زُعافٌ مُزركشُ الكِساءِ
|||
فكم من أفعوانٍ جلدَهُ قد
بدّلَ بآخرَ مُلوّنٍ في المساءِ
|||
وإذا انبلجُ عليه الصّبح كان
قد كشّف نيّةَ قلبه الدّنساءِ
فما تحت الجلد ليس بائنًا، ولو تلظّت بوصلة المرء وخرج عن السّياق فإنّ ما سيظهر ليس كلّ الحقيقة، وإن كان الحقيقة بكامل وجهيها فهذا ليس تكشيفًا للمرء بل هو أوسع مجالًا وإدراكًا من ذلك، فهو تعرية مسلك يسلكه المخادعون الكذوبون المتحذّلقون تحت رايات وشعارات عديدة وطيسُها حامٍ وفعلها يذوب كملح أكلته جزيئات الماء فأذابته، فالعيش تحت جلد ليس لك لا يطول، فالأزمان كشّافة، والمواقف كشّافة، وما يختبئ تحت اللّسان كشّاف، فلا تُطل الاستظلال واختر لافتة جديدة غير تلك الّتي تحملها أمام النّاس، وإن كانوا قطعة جمعيّة واحدة ما آن لها أن تفكّر أو تتريّث فيما تريد وما تختار فإنّ عددًا قليلًا من الضّمائر النّابهة والعقول العارفة يستطيع قراءة ما وراء السّطور بحرفيّة ودقّة عالية وإن لم يبدُ الأمر كذلك في بادئ البدء