ملامح تحولات البناء في الرواية الجديدة
خليل الجيزاوي | روائي وأديب مصري
شهدت الرواية خلال العقد الأخير ثمة تحولات متباينة في بناء الرواية الجديدة، والسؤال هل يمكن أن نضع أيدينا على بعض هذه التحولات بشكل محدد، نعم يمكن ملاحظة هذه التحولات ورصدها من خلال قراءة نماذج روائية صدرت حديثًا فنلاحظ ملامح تحولات البناء من حيث الموضوع والشكل.
الأول: من حيث الموضوع السردي:
أولًا: بات الخطاب الروائي يُعبّر عن الذات الفردية وهموم الحياة اليومية وابتعد قليلا عن علاقة الفرد بالجماعة.
ثانيًا: الرواية في الرواية: أسلوب مستحدث في كتابة الرواية الجديدة، توالد الحكايات داخل الحكاية الأم، حيث تصبح الكتابة حدثًا من أحداث القصة، وتصبح قصة التأليف وأحداثه ومجرياته مؤطرة للقصة المؤلفة، ويعد هذا الأسلوب مظهرًا من مظاهر اتجاه الكتابة الروائية إلى الانبتات عن التصور الواقعي،والسعي إلى الكشف عن لعبة السرد ومواضعات الكتابة، نجد حالات تشظي الموضوعات، فليس هناك فكرة واحدة للرواية، بل تيمات متعددة، وتناثرت حكايات كثيرة داخل الحكاية الأم، وباتت الرواية أقرب للمتتالية القصصية.
ثالثًا: استفادت الرواية الجديدة من خلخلة الزمن الروائي الذي يُسمّيه النقاد: انكسار الزمن الروائي، فيما يتعلق بموضوع السرد، فمثلما يلعب الكاتب بالزمن، يجمده تارة ويختزله تارة ثانية أو ينفيه تارة ثالثة؛ فإن أحداث الرواية تأتي أيضًا من خلال خلخلة الرؤية، بحيث تبقى فضاءاتها مفتوحة غير مُثْبَتة وغير منفية.
رابعًا: اتساع الهُوة مع القارئ رغم تفاعلها مع معطيات العصر بفتح آفاق جديدة تستغرقها أحيانًا الميتافيزيقا والعجائبية بما يصحبها من قفزات سردية مفككة.
خامسًا: تكافؤ السرد: ظاهرة سردية بدأت تتسع وتنتشر، وتشترك أكثر من شخصية في سرد أحداث الرواية،وتختلف زاوية الرؤية من منظور الشخصيات المتباينة والمتناقضة أحيانًا، لنجد أحداث الرواية مسرودة عن طريق ثلاث شخصيات، وكل شخصية تسرد وتروي الأحداث من وجهة نظرها الذاتية، لتضاف إلى رؤية الراوي الموضوعي.
الثاني: من حيث الشكل السردي:
أصبح التركيز على الشكل في الرواية الجديدة أكثر من التركيز على موضوع الرواية، ونلحظ بعض الأشكال المتباينة من رواية إلى أخرى، منها:
أولًا: السرد المُهجّن والمفارقة التي تعدّت الأساليب السردية إلى العنوان والحدث والشخصية واللغة.
ثانيا: بنية السرد الغنائي باستفادة الرواية من الاستعارة وغنائية اللغة الشعرية طوال النص.
ثالثًا: بنية السرد الفسيفسائي: حيث لا توجد في بعض الأشكال ترابط بين أحداث الفصول، أو أنها روابط خيوطها باهتة غير ظاهرة، ويصح وصف هذا النوع: برواية التشظي، فيتم تقديم بعض المشاهد الروائية أو تأخيرها أو حذفها، وقد لا يؤثر ذلك على البناء الروائي، لكنه يتم أحيانًا بعبثية مقصودة، هدفها بثّ الغموض والشك وإثارة الأسئلة بهدف تجسيد رؤية لا يقينية.
رابعًا: ظاهرة الالتفات السردي: وتمثل خطوة من أجل تمزيق فلسفة الترابط السردي، حيث نجد الكاتب يتنّقل من السرد الروائي المتخيل إلى السرد الواقعي مستعينًا بالوثائق التراثية والتاريخية وصولا للسرد الافتراضي وهكذا في دوائر متعاقبة.
خامسًا: تراسل الأجناس: تحاول الرواية الجديدة محو الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية حتى تصل إلى الاستفادة من كل المعارف والفنون، حيث تحفل الرواية الجديدة بتداخل الشعر، والفنون التشكيلية، وكذلك السيناريو السينمائي، والحوار الدرامي، والإعلان، والخبر الصحفي، والصور الفوتوغرافية.
ويرى الدكتور شكري عزيز ماضي أن الرواية الجديدة:«تعبير فني عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان من غموض يعتري حركة الواقع وتهديد للذات الإنسانية بالذوبان أو التلاشي، وفي ظل تفتت القيم وتشتت الذات الجماعية وحيرتها وغموض الحاضر والآتي وتشظي المنطق المألوف والمعتاد في ظل هذا كله يصبح الفن السائد غير قادر على تفسير الواقع وتحليله وفهمه إلى جانب عجزه عن التعبير عنه، من هنا أصبحت الحاجة ماسة إلى فعل إبداعي يعيد النظر في كل شيء ويدعو إلى قراءة مشكلات المجتمع قراءة جديدة وتأسيس ذائقة جديدة أو وعي جمالي جديد وهو ما تسعى إليه الرواية الجديدة»، ويؤكد الدكتور شكري عزيز الماضي في كتابه (أنماط الرواية العربية الجديدة) الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة/ الكويت العدد 355 سبتمبر 2008 م. قد حمل إلينا كثيرا من الإجابات حول هذه الظاهرة التي استعصت على القولبة في مذهب معين مما حدا بباحثين إلى وصفها بفوضى الكتابة الروائية، ولعل في تعدد مصطلحاتها ما يؤكد ذلك التخبط الذي وقع فيه النقاد أثناء سعيهم لمحاولة ضبط قواعد هذا النوع من الكتابة الروائية فسميت: رواية اللا رواية والرواية التجريبية ورواية الحساسية الجديدة والرواية الطليعية والرواية الشيئية والرواية الجديدة.
إشارة مرجعية
مداخلة نقدية ألقيت في ملتقى الشارقة للسرد بالمجلس الأعلى للثقافة 6 سبتمبر 2022