حوار: عذابات الإنسان في (دوائر مغلقة) مع عبد الرزاق الربيعي ومنعم سعيد

حاورهما – عبد العليم البناء

بدأت (جماعة الديوانية للتمثيل الصامت) تمريناتها في قاعة قصر الثقافة والفنون في الديوانية على مسرحية (دوائر مغلقة) وهي من تأليف الشاعر عبد الرزّاق الربيعي، ومن إخراج الفنان منعم سعيد، اللذين يجتمعان للمرة الأولى في تجربة مسرحية بفن البانتومايم (التمثيل الصامت). ويجسّد الأدوار في العرض كلّ من الفنانين: نوفل خالد، مصطفى جمال، نادين حبيب، علي الحسناوي،حمودي النقيب، سجاد سعد، حسن هادي، ويقود الفريق المايسترو منعم سعيد، مخرجاً ومصمّماً للسينوغرافيا.ويتحدّث العرض الذي يعتمد على الأداء الحركي، عن عذابات الإنسان، في عالم يحاول قطع طرق الخلاص أمامه، لكنه يواصل حمل صخرة (سيزيف) وصولاً إلى أهدافه التي رسمها متحدّياً الواقع، ساعياً لتحقيق أحلامه بعالم أكثر بهاء، خالٍ من الصراعات، والحروب والأحقاد.


الشاعر عبد الرزاق الربيعي يخوض للمرة الأولى – عبر هذه التجربة – في فن البانتومايم بعد أن قدم العديد من النصوص المسرحية التي أخرجها فنانون عراقيون وعرب وقدمت على خشبات المسارح العراقية والعربية والأجنبية، ومن بينها: (آه أيتها العاصفة) 1996، (البهلوان) 1997، (سقراط) 2003، (الكأس) 2007، (أمراء الجحيم) 2006،(لا أحد يطرق بابي) 2010،(ذات صباح معتم) 2009، (ضجة في منزل باردي) 2013، (كهرمانة) مسرحية للأطفال 2014، (ضياع) 2016،(بنت الصياد) 2017، (مطبخ الحكايات) 2020، وفازت نصوصه وعروضه بجوائز متقدمة في العديد من المهرجانات والمسابقات العربية، كما تم تناول نصوصه في العديد من البحوث والدراسات والرسائل الجامعية ..وللوقوف عند حيثيات هذه التجربة الإبداعية الجديدة وتجلياتها المتنوعة لاسيما على صعيد النص والأخراج والسينوغرافيا وبقية العناصر الأساسية في مسرحية (دوائر مغلقة) حاورنا أولاً مؤلفها الشاعر ووالكاتب المسرحي عبد الرزاق الربيعي الذي سألناه ابتداءً:
ما رسالة هذا النص؟ وما مدى تماهيه مع واقعنا الراهن عراقياً وعربياً في إطاره الإنساني الشامل؟
– رسالته تكمن في أن الرهان على الإنسان، وقوّة إرادته، وصلابته، هو رهان رابح، فـ “الإنسان بناء الله”، لاسيما أن الإنسانية تعاني من الكثير من الأزمات، أما الهمّ العراقي فهو جزء من هموم إنسان هذا الكوكب المثقل بالكوارث، والمحن، ولقد سلط العرض الضوء على عذابات إنساننا المعاصر الذي تحيط به أزمات وتتشكل من حوله كدوائر مغلقة، لكنه لا يستسلم، ويحاول البحث عن الخلاص، ويبذل محاولاته سالكاً مختلف الطرق في سبيل ذلك، على طريق الجلجلة، وصولاً إلى أهدافه التي رسمها متحدّياً الواقع، ساعياً لتحقيق أحلامه بعالم أكثر بهاء، خالٍ من الصراعات، والحروب والأحقاد، والكراهيات، وهناك دوائر وخطوط أخرى في العرض تقوّي الخط العام.
وكيف تناولته من الناحية الدرامية كمؤلف لاسيما أنك تلج عالم العرض الصامت للمرة الأولى؟
– بالنسبة لي بذلت كل ما أستطيع من أجل إيصال رسائل العرض الجمالية، وشحنها بالمعاني والدلالات، والمقولات المضمرة التي قام المخرج منعم سعيد بتفكيك رموزها وإعادة انتاجها عبر سينوغرافيا العرض، وأدواته على الخشبة المتمثلة بالأداء الحركي، ولغة الجسد والإيماءات والإشارات، ومكملات العرض من موسيقى، وأزياء وفضاء بصري.
وما الذي دعاك الى التعاون مع عراب المسرح الصامت عراقياً الفنان منعم سعيد لإخراج عرضك؟
– في البداية لا بد من القول أن النص لا يخلو من تحدّ وضعته أمام نفسي، فالذين يقرأون نصوصي أو يشاهدونها، كثيراً ما يكرّرون أن قوّتي في المسرح تكمن في لغتي الشعرية، لكوني دخلت المسرح من بوابة الشعر، لذا تساءلت مع نفسي : لو تخليت عن عنصر قوّتي هذا وكتبت نصاً صامتاً،هل أنجح؟ لقد أردت أن أقصّ أجنحتي وأحلّق لفضاءات أبعد ! فكان التحدي كبيراً، وبدون تردّد، شرعت بالكتابة، وبعد الانتهاء من النص، عرضته على الصديق الفنان منعم سعيد الذي تربطني به علاقة قديمة تعود إلى سنوات إقامتنا في صنعاء منتصف التسعينيات، باعتباره كما وصفت (عرّاب المسرح الصامت عراقياً) فرحّب به، وتحمّس له، وقال: سأقدّمه على المسرح..
وما الذي تراهن عليه في هذا العرض؟
– رهاناتي كثيرة أولها أن لغة الجسد يمكن أن تنقل الكثير من الأحاسيس التي يعجز عنها اللسان، وأن الحوار المضمر أكثر بلاغة من الحوار المنطوق، وأن المسرح الصامت في العراق يظل في الصدارة عربياً ودولياً، خصوصا مع مخرج متمرّس كالفنان منعم سعيد وفريق عمل، تواصلت معه عن بعد خلال التحضيرات التي أجراها الصديق منعم، فوجدته يمتلك وعياً عالياً، وشغفا ومرونة جسدية.
كلمة أخيرة..
-أتمنى أن تتكلل جهود فريق العمل بمشاركته في مهرجانات دولية، فمثل هذه العروض التجريبية يحقّ لنا Hن نباهي بها المسارح العالمية.
ومن أجل استكمال صورة هذه التجربة الإبداعية لاسيما على صعيد الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا كان لابد من اللقاء مع الفنان منعم سعيد الذي ينطوي على تجربة ثرة وبمؤشرات إبداعية مغايرة للسائد والمغاير من العروض العراقية والعربية الى حد كبير، حيث كانت له تجارب عدة حيث عمل مخرجاً في الفرقة القومية للتمثيل، وفي منتدى المسرح، وأستاذاً في قسم المسرح في معهد الفنون، ومؤسس (جماعة الديوانيه للتمثيل الصامت) التي تعد الفرقة المسرحية الأولى عربياً المتخصصة بفن البانتومايم، والتي مازالت تقدم عروضها المسرحيه الصامتة منذ أربعة عقود ونيف، وأخرج ومثل وألف العديد من الاعمال المسرحية الحوارية والدرامية والكوميدية والجادة والتي قدمها على خشبات المسارح العراقية والعربية والأجنبية، وحاصل على العديد من الجوائز والشهادات والدروع والأوسمة، ويعد من مجددي المسرح البصري الشرقي في العراق وآسيا، فكان مدار جدل وبحث لكثير من متخصصي فن المسرح ودارسيه في مجال المسرح البَصَري الصامت، لتميزه في أساليب العرض المتنوعة التقنية والحرفية في الأداء والإخراج والتأليف وتناولته بالأخص الدراسات العليا فكتبت عن تجاربه المسرحية رسائل ماجستير وإطروحات دكتوراه وترقيات لدرجة البروفسور في جامعات عراقية وعربية .. ولخوضه تجربته الجديدة في إخراج وتقديم مسرحية (دوائر مغلقة) كانت لنا معه هو الآخر هذه الجولة من الحوار الذي ابتدأناه بسؤالنا:
في (دوائر مغلقة) ربما تتعاون للمرة الأولى مع الشاعر والكاتب عبد الرزاق الربيعي ما الذي جذبك لإخراجها وتقديمها درامياً وابداعياً؟
– لم تكن هذه التجربة الأولى مع الشاعر الكبير والصديق الحميم عبد الرزاق الربيعي، ففي زمن الاغتراب والقهر الذي عشناه أيام هجرتنا لليمن، التقينا بمسرحيته (آه …أيتها العاصفة) التي أخرجها المبدع الراحل كريم جثير، إذ قمت بصياغة السينوغرافيا وكانت تجربة مليئه بتلاقح الهموم والشجون التي كنا نعيشها في (الزمن الثقيل)، زمن الهروب الى النجاة لنلتحف بغربتنا تلك ونكابر لتقديم ابداعاتنا التي لم تتوقف، والمقترنة بأرهاصات ابداعية متنوعة برفقة الكثير من المبدعين العراقيين المهاجرين لننجب تجارب ثقافية وفنية، وهذا ما جعلني اليوم أقف عند مسرحية (دوائر مغلقه) تداخل وانسجام مستمر وتلاق في الرؤى والأفكار بيني وبين الربيعي، وخصوصاً أننا فعلاً كنا ندور داخل محيط تلك (الدوائر المغلقة)، حين كنّا نجتر همومنا التي يجب أن لا تكون تجربة عابرة وإنما خزين من لُبنات البناء لمستقبلأجيال تتطلع الى الحياة بكل ما فيها من خبرات، وعلى هذا الأساس بنيت رؤاي في التزام هذا العمل الدرامي لأقوم بدرسِ كلمات الشاعر الى أحاسيس كما يُدرس القمح لأُقشر الحقيقة التي نحن عليها بوضوح من خلال مشاعري وتجربتي التي أراها كالمرآة في نص العمل الفني الذي كتبه عبد الرزاق، ليس مفسراً ولا مترجماً وإنما بمحصلة تعامد رؤاي ورؤاه للوصول الى عمل جديد يتواكب مع ما يمر به الإنسان على هذه الأرض لأنني أطمح ان أعمم تجربتي الانسانية مبتعداً عن الإشاره للزمان والمكان المحددين بالمحلية.
إذن.. كيف تبلورت معالجتك الدرامية والإخراجية لتقديم هذا النص المكتنز ؟
– أن أكون قاسماً مشتركاً أعلى لكل الأطراف بإنسانيتي لتُهِم كل من في المعمورة كأنني هم وكأنهم أنا بإنسانيتنا وتطلعنا، من خلال لغة المشاعر ونحتها بأشكال وحركات يقدمها الفنان بأدائه التمثيلي وبأسلوب جديد كما اعتدنا في تقديم عروضنا السابقة، وبما أن لكل عرض ميزته الخاصه واختلافه الجذري في طريقة تقديم العروض التي سبقته، فإننا نطمح أن نقدم هذا العرض بصورة جديدة مختلفة تماماً عن ماسبقه، وستكون شخصيات هذا العمل هي شخصيات نراها في طموحنا الذي يسكننا وتسكن من يهمه ان يعيش حياة سلام يتمناه لغيره من البشر.. وما معاناتنا إلا تجارب لبناء المستقبل.
وما الذي دعاك الى النهوض بمهمة السينوغرافيا إضافة الى الاخراج في هذا العرض وما دلالات هذا المزج ؟
– إنها مهمة غاية في الصعوبة.. ولكنني أرى من الضروري أن يكون هناك توافق بين رؤى المخرج والسينوغراف ليحفز الإشكاليات بينهما لو كانا شخصين، ففي كل أعمالي أدمجهما برؤى واحدة للمخرج والسينوغراف فأقوم بالمهمتين معاً لإغناء العمل برزانة الرؤيا واحتوائها على جسور التطابق بين كوني مخرجاً وسينوغراف، بهدف توصيل المضمون من خلال عمل تكاملي بأواصر متعددة، فالمخرج المتمكن هو من يستطيع ربط عربات العمل المسرحي بأواصر السينوغرافيا بدلالات سيميائية، تجعل من المتلقي يشعر ويتأمل جماليات العرض وتلك هي مهمة الستاتيكيا في أي إبداع..
 وماذا عن خياراتك على صعيد الممثلين؟
– خياراتي دائماً بسيطة تعتمد على الممثل الشاب لما لديه من قدره على تطويع جسده، للوصول إلى تجسيد الحركة التي هي بدورها لغتنا في المسرح البَصَري الصامت، وهذا ما يبرر الإبتعاد عن الممثل كبير السن في أغلب الأدوار التي اسندها للممثلين في أعمالي، فقد تجد واحداً أو إثنين من الممثلين المحترفين بينما أغلب ممثلي إعمالي هم من الشباب، لما لديهم من قدرة جسدية مطواعة قابله للتجديد وخارجة عن النمطية التي اعتادها ممثلونا الكبار مع الأسف.
وما الذي تراهن عليه في هذا العرض في إطار الصورة الشاملة للمسرح بتمظهراته المختلفة، بإعتباركم (عراب المسرح الصامت)؟
– لي أسلوبي ولهم أساليبهم ولي ما أتميز به ولهم ما يتميزون به، وأنا احترم كل التجارب ومن يسعى الى التجريب وأنا من بينهم، وهذا شيئ بديهي (لكل شيخ طريقة) كما يقال أما الثوابت فإننا نعمل على التكوين في الصورة وبإسلوب شرقي لم يدن منه أحد غيرنا، ما عدا أستراليا التي استفادت من تجربتنا بمسرح (البوتوه) التي نقلها التلفزيون الأسترالي الرسمي مثل مسرحية (عزاء ما تبقى) و(شواطئ الجنوح) بانجاب أسلوب مسرح (بوتوه آوت) في سدني، ونحن نفتخر بتشعب تجربتنا وسنستمر ونعمل على أسلوبنا الأدائي في عرض الـ(بوتوه) الذي عملنا به في المراحل المتقدمة منذ عام 2010 وسنكمل تجربتنا فيه وبشكل أكثر تميزاً وإختلافاً..
وما كلمتك الأخيرة..
– سيشارك هذا العمل في مهرجان مسرح الصوامت الدولي بدورته الثانية لهذا العام والذي تنظمه فرقة مسرح ديالى، ونطمح أن تكون هنالك عروض أخرى في هذا الاتجاه داخل وخارج العراق..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى