الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة في حوار مع جريدة عالم الثقافة

حاورها: ناصر أبو عون

       الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة، فارسة تمتطي جواد الشعر، ومحامية لها مرافعات في سوح النقد أبانت عنها خلال عضويتها للجنة النقد في مهرجان” شاعر الشباب العرب” الذي أقيم ببغداد، وشاركت في العديد من المهرجانات المحلية والدولية من أبرزها: مهرجان “جرش”، و”بابل الدولي للثقافات والفنون” و”الرمثا للشعر العربي” والقيصر”. ولها ثلاث مجموعات شعرية هي:” سنابك البلاغة”، و” قبضة من أثر المجاز” و” قصائد مشاغبة” التي قدّمها الشاعر عبدالرزاق الربيعي واصفا تجربتها في هذه المجموعة بأنها “تفصح عن شاعرة قارئة بشكل جيد للتراث الشعري، تمتلك موهبة، وروحا صافية متوهجة، ومن تتوفر فيها هذه الصفات، فإنها تعد بالكثير، فضلا عن أنها تمتلك الجرأة في التعامل مع اللغة من أجل تفجير طاقاتها الشعرية”. وتعدّ لمجموعة شعرية جديدة، في هذا الحوار تحدّثت لنا عن نظرتها للشعر، إلى جانب قضايا أخرى عديدة.

(1) عودة إلى البدايات.. متى اكتشفت قارة الشعر المفقودة داخل جغرافية روحك المتوثبة؟ وكيف ولجت إلى أبواب القصيدة؟
إذا اعتبرنا بأن الروح التي تقصدها  جغرافيا هي المكان على اعتبار أو تأكيد بأن الروح لا يمكن تحديدها أو تأطيرها ضمن جغرافية  معينة، سأجيبك بأن روحي تهيم في فضاءات مفتوحة دفعتني إلى التأمل الدائم في كل ما حولي  فكانت الأفكار التي تراود مخيلتي تحفزني  للتعبير عن مكنون نفسي. وبنظري أن الوجود فكرة والفكرة كلمة  ماذا لو بقيت الفكرة تدور حول محور الوجود دون التعبير عنها و تدوينها. هل ستدوم وهل ستصل إلى الأجيال اللاحقة وتنتقل من جيل إلى جيل اذن لابد من كتابتها اعلم بأن الكلمة تموت عندما تلقى بالفراغ لذلك يجب أن تتجاوز حاجز الصمت بتدوينها “قيدوا العلم بالكتابة”.
(2) تعريف الشعر بعيدا عن الأدلجة والخطابين القومي والعقائدي بما يدعم مرتكزات الهوية الثقافية؟
‏بعيدا عن تعريف الشعر لغة واصطلاحا بأنه كلام موزون مقفى مكون من ألفاظ وتراكيب لغوية ومجازات،وبعيدا عن التعريفات المنمقة، الشعر لا يحتمل التعريف، فهو ميتافيزيقيا تعقل به ما لا يعقل وتدرك به مالا يدرك:

إن الشعر مالا تدرك
تبكي ولكن في الحقيقة تضحك
ضدان لاتدري بمن سترده
وبمن تلوذ اذا تعبت وتمسك

الشعر كائن حي من الممكن أن يرهق او يتعب لكنه لا يفنى ولا يموت أبدا،الشعر رسالة والشعراء أصحاب هذه الرسالة.


(3) يُطْعَنُ في الحداثة بوصفها إنجازًا غربيًّا،وهي كذلك بالفعل، أليس من حداثة عربية وكيف يسهم الشعر في تأصيلها؟
أولا:- تكمن قدسية الشعر بمضمونه وفحواه لا بشكله وما مفهوم الحداثة الا الانطلاق من النمطية والتقليدية إلى مواكبة تطورات الحياة بكافة أشكالها ومنها الشعر وقد طال ذلك القصيدة  كونها كائنا حيّا يعيش ضمن تلك المنظومة.
ثانيا:- الشعر لا يحتمل الأدلجة أو القيود ،لا يعرف جنسية عربية أو غربية أو شرقية  ولا يحمل هوية شخصية أو جواز سفر. والأغلب يتناول موضوع الحداثة على أنه انجاز غربي ،لكن الأمور لا تقاس بهذه الطريقة فالعبرة ليست بالأسبقية ومن سبق من؟ خصوصا في ظل العولمة والأنظمة الحديثة التي طالت ثقافات الشعوب عامة فالعالم أصبح قرية صغيرة، العبرة ماذا قدمت؟ وهل أدت مهمتها المطلوبة منها؟
الحداثة الشعرية كاستحقاق منطقي لتطورات الحياة ومواكبتها  نالت ما يكفي من نصيبها من الجدل والتنظير حول مفهومها،أشكالها،خصائصها وسؤالك يحتاج إلى مجلدات من البحث العلمي الدقيق.

(4) رزح الشعراء العرب في العقود الثلاثة الأخير تحت نير العديد من المتغيرّات السياسية والاجتماعية ومحاطين بسياج اقتصادي شائك مما خلّف آثارًا خطيرةً على الإبداع.. كيف يمكننا الانفلات من هذه الأزمة والخروج بأقل كلفة من الخسائر؟
فيما يتعلق بالجزء الأول من السؤال فإنني أتبنى رأي الشاعر الكبير ادونيس بأن  الجيل الشعري الراهن أفضل بكثير من سابقه وقد تجاوز ابداعهم وانتاجهم ما أنجزه من سبقوهم.. وأنا من خلال متابعتي لشعراء وشواعر عرب على منصات مواقع التواصل الاجتماعي اطلعت على تجارب شعرية شابة تؤسس لخطاب شعري جديد، إذ ينتقلون بالخطاب من المستوى السياقي إلى التأسيسي إلى أنساق تنقل اللحظة من تاريخية أو اجتماعية أو حتى ايدولوجية.. إلى لحظات وجودية تؤدي مهمتها في إيصال رسالة الشاعر ،بالمختصر، شعر يحمل رسالة بانزياحات متوهجة مسلحة برمز عالٍ مستنير بقرينة واعية. وهذا يتطلب الإجابة على الجزء الثاني من سؤالك كاستحقاق لكل هذا الإبداع.. هناك محاور متعددة لتبني هذه الطاقات الإبداعية وتحفيزها ويتطلب ذلك تضافر جهود المنظمات الدولية والوطنية التي تعنى بالواقع الثقافي عموما والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني مثل دعم المهرجانات الثقافية على مستويات محلية وإقليمية ودولية والتركيز على المنتديات الثقافية الفاعلة والهادفة وتشجيع الابحاث العلمية وإنشاء مختبرات نقدية ولكافة الأجناس الأدبية ومحاولة إشراك الجامعات في ذلك وتطوير البرامج الثقافية لأجهزة الاعلام الجماهيري إحداث الجمعيات والنوادي الأدبية..كل هذه الجهود تتطلب بداية الوقوف على ما يعانيه المبدع وتصور الحلول البديلة  لتهيئة المجال أمامه لتقديم افضل ما لديه. فضلا إلى اتباع سياسات إشراك المؤسسات الإقتصادية ولدينا في الأردن تجربة ناجحة وهي مؤسسة عبدالحميد شومان المنبثقة عن البنك العربي اتمنى تعميمها على جميع المنشآت الاقتصادية. كما أن للأردن تجربة في إعادة  النظر في الكثير من القوانين والأنظمة التي كانت تحد من الإبداع تم تاسيسها على ماكفله الدستور للمواطن من حرية التعبير والرأي والفكر .


(5) ما أبرز ملامح قصيدتك الشعرية دونما التَّماس مع تجربة جيلك الإبداعي؟ وكيف يتحقق الشاعر في ظل تداخل السياسي الإقصائي مع الإبداعي الديموقراطي وتجاذبات الشللية المقيتة التي تستقطب أنصاف المبدعين والمتعلمين؟
اولا من الصعب أن يتحدث شاعر عن أبرز ملامح قصيدته، هذا على الأقل من وجهة نظري الخاصة،لأن القصيدة كائن متغير  لا شكل له، كائن متحرك لا يهدأ، بركان لا تعلم متى سيثور وكيف سيتشكل، يصعب رسمه أو تحديده وأعتقد أن هذا عمل النقاد الذين أجلّهم وأقدّرهم وقد قدمت دراسات نقدية كثيرة حول تجربتي الشعرية ،ولكن بشكل عام مهما اجتهد الناقد بتقديم نص مواز لنص الشاعر، فإنه حتما لا يستطيع أن يغطي جميع الجوانب
وفيما يتعلق بسؤالك فيما يخص تداخل السياسي الإقصائي مع الإبداعي الديموقراطي وتجاذبات الشللية ، فإن ذلك موجود في كل الأوساط الثقافية في العالم، لكن الفيصل هو الإبداع، فهو كالفسيلة التي تشق طريقا لتنبت من الصخر حتى تنمو وتزهر ثم تطرح ثمرها
(6) لم يعد الشعر العربي يطرح أسئلة وجودية..ما السبب؟ ولماذا صارت “أسئلة الشعر حائرة بين منجزه التراثي، ووظيفته الاجتماعية والحياتية، وبين طارئ خلخل قواعد التعاطي الشعري العربي، بانفتاحه على التجديد والتطور الشعري” وفق تعبير عثمان حسن.
حقيقة لا أرى ذلك على الأقل من خلال اطّلاعي على تجارب شعرية من واقعنا، كما اسلفت مسبقا، فالسؤال الوجودي يشغل الشعراء، في كل زمان ومكان، وإن تغيرت أساليب طرح السؤال وفق لتحولات الخطاب الشعري، وعلينا التنقيب عن هذا السؤال، في نصوص الشعراء المحدثين، حتما سنجده.


(7) هل من دور ووظيفة للشعر؟ وما أهم ملامح الأزمة التي يعيشها الشعر العربي؟ في ظل غياب المؤسسات التنظيمية؟
“مايبقى يؤسسه الشعراء” كما يقول هولدليرن، فهو مؤسسة خطابية مؤثرة وأصبح من السهل في ظل العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا  أن يصل إلى المتلقي بكل يسر ،ويؤدي مهمته الإنسانية في اي رسالة يريد إيصالها.
(8) تكاد القطيعة ما بين القارئ والشعر العربي الحديث أن تصبح شاملة.. ما العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة؟
ليست قطيعة بالمعنى الحرفي، لكن كما ترى طغيان الأدب السردي والإقبال المنقطع النظير على الأدب الروائي، ولكن يبقى الشعر هو ديوان العرب وسيد الأدب.
(9) كثير من الأصوات تبشر بعودة القصيدة العمودية لتتسيد المناطق المضيئة في المشهد الشعري العربي.. هل تعتقدين أن هذه بشارة أم خسارة في ظل أزمة النمطيّة والتكرار في الرؤية واللغة والصورة والإيقاع التي أصابت قصيدة التفعيلة خاصة، في إطار حركة الشعر العربي المعاصر، منذ ستينيات القرن الماضي، إلى حالة من السأم و”الإرهاق الجمالي”؟
كثيرا ما يتم تداول تغلب القصيدة  العمودية على قصيدة النثر والتفعيلة أو عكس ذلك متناسيين بأن الشعر لا يجزّأ والعبرة بمضمونه، لا بشكله، ولا انكر بأن القصيدة العمودية كانت تفقد ألقها بين الحين والآخر، بسبب الصور المباشرة وغياب الرمز المستنير بالقرينة، والتراكيب اللغوية الجاهزة، وتكرار الشعراء لأنفسهم، لكنها  سرعان  ما استعادت ألقها، إذ نقرأ اليوم قصائد عمودية بخطاب شعري جديد يواكب روح الحداثة.
(10) هناك فشل للنظريات النقدية الغربية التي تمّ شتلها في البيئة العربية وبتعبير فخري صالح (لا تتجذر في الواقع الثقافي وظلت مجرد أيقونات ثقافية نخبوية لا تتصل بحاجات حقيقية للثقافة العربية.. ما تقييمك للمنتج النقدي العربي المشتت بين الأكاديمي والصحفي الانطباعي؟
اتوقع بأنك تقصد المناهج النقدية البنيوية وما بعدها تحديدا وذلك لأن ما قبلها من مناهج تنطبق وتوائم اغلب النصوص العربية تقريبا ، إذ لم يثار الجدل بشأنها كما ثار على البنيوية وما بعدها.. يأتي هنا دور الناقد الحاذق الذي يملك ما يكفي من الدربة والمكنة العلمية والملكة النقدية لأختيار المنهج النقدي المناسب للنص العربي.


   (11) في ظل اتساع حرية التعبير على مواقع الإنترنت، وتحطيم جدار الاحتكار داخل الصحافة الورقية وظهور مصطلحات من قبيل: (المواطن الصحفي)، وشعراء(الفضاء الأزرق)، و(المؤسسات والصحف الإلكترونية)، و(الجوائز وشهادات الدكتوراه الفخرية) التي تتطاير في الفضاء.. ما ملامح مستقبل صناعة النشر؟
(المواطن الصحفي) من أبرز مخرجات التكنولوجيا الحديثة وقد وجدت رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الشبكة العنكبوتية، إذ برزت هذه الظاهرة في مجال الإعلام كنموذج جديد من نماذج ممارسة العمل الصحفي غير المهنية نتيجة لتطور الأحداث سريعا ولسهولة وسائل نقل المعلومة حتى أن اغلب وسائل الإعلام اعتمدت عليها كمصدر توثيقي لنقل الحدث مباشرة اولا بأول الا انها تتسم بعدم المهنية وصعوبة السيطرة عليها للعمل ضمن منظومة واحدة .وذلك حتما يؤثر سلبا على صناعة النشر.. أما (شعراء الفضاء الأزرق) فيختلف الأمر قليلا إذ أن الجمهور المتابع للمنتج الشعري اقل بكثير من الجمهور المتلقي للمعلومة من المواطن الصحفي ،وينقسم إلى جمهور نخبوي يتذوق السمين ويقدر قيمته ويثني عليه  ولا يروق له الغث وهذا من خالص تجربتي من خلال التعامل مع متابعيني على برامج التواصل إذ أن بعض التعليقات توازي النص وتسير معه جنبا إلى جنب إذا ما تفوقت عليه في الاضاء على النقاط المهمشة في النص، وهذا النوع من المتلقي يحمل الشاعر مسؤولية كبيرة تقع على عاتقه بتطوير ادواته والسير باتجاه عمودي ليرتفع بذائقة جمهوره  وجمهور يبحث عن التوصيف البسيط الإيقاع الجميل دون أن يرهق نفسه ويحملها أعباء المجاز وانزياحته  وجمهور لا يعنيه الشعر اصلا، ولا أرى في ظاهرة شعراء الفضاء الأزرق  تأثيرا على صناعة النشر كما يفعل المواطن الصحفي.
أما (المؤسسات والصحف الإلكترونية)فلا يقل تأثيرها سلبا عن غيرها من العوامل المؤثرةعلى صناعة النشر التي تعتمد اعتمادا كليا على الجهود الفردية لأصحاب دور النشر والتي لا تستطيع أن تؤدي رسالتها بدون دعم الحكومات لها على الأقل بإقامة معارض الكتب الدولية وتقديم التسهيلات التي تساهم في تقليل التكلفة المادية عليهم فيما يخص المواد اللازمة للنشر والشحن والنقل والإعفاءات الضريبة والجمركية وإلى ما ذلك.. وفيما يتعلق بموضوع الدكتوراة الفخرية فأنا أرى أن ابداعات الكثير المبدعين ممن لا يحملون درجة الدكتوراه كمعطى أكاديمي تفوق بكثير إنجازات وتأثير الاكاديمين ،وأن منحهم دكتوراة فخرية تقديرا لجهودهم اقل ما يمكن أن نقدمه لهم إذ أن لها قيمة معنوية واعتبارية اكثر من قيمتها كدرجة علمية ولا يتوجب التقليل من شأنها كون أن البعض قد أساء توظيفها في مكانها الصحيح.
(12) لك الحق في إضافة روزنامة من الأسئلة فاتتني جديرة بالطرح.
جزيل الشكر وعظيم الامتنان على ما تفضلت به من أسئلة حوارية هادفة،بالغ تقديري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى