قراءة في رواية “لم يكن مُجرّد هِبّو” للروائية الفلسطينية وفاء عمران محامدة
قمر عبد الرحمن | فلسطين
أرسلت لي الصّديقة جومانا العتبة المقيمة في ليبيا هذه الرّواية بصيغة pdf، للحديث عنها بمبادرة #الدحنونالنابرا_وجوا التي بدأها المُبادر دومًا الكاتب همام الطوباسي، وبعدما أنهيت قراءة الرّواية شعرت أنّها تستحق أكثر من طرحها بالمبادرة، لذلك قرّرت أن أكتب عنها لتقرأوا عن جمال ورقيّ الخيال العلميّ فيها.
بدايةً لفتَني عنوان الرّواية “لم يكن مُجرّد هِبّو” وهِبّو هو الرّوبوت الذي قام ببرمجة وصناعة الرّوبوت “تشاكي2000” بطل الرواية، من ثمّ لفتَني الإهداء “إلى الأرض الذي تكاد أن تختنق”
ما أجمله من إهداء.. إلى الأرض.. الأرض التي تعاني من التّلوث والضّغط المستمر والأهمّ أنّها تعاني من البشر القائمين بعملية الخراب والتّلوث ولن يتوقّفوا عن ذلك إلّا عندما تعلن الأرض عن غضبها وتنفجر. وفي مقدّمة الرّواية تلخيص مختصر لماهيّتها.
زمن الرّواية عام 2500، تربط بين التّطور التّكنولوجي العالي الذي نعيشه الآن، وبين الخيال العلميّ المتوقّع بعد كلّ هذه السّنين، وأعتقد لو كانت هذه الرّواية مكتوبة في الدّول المتقدّمة ومترجمة لأُخذت بعين الاعتبار من حيث مخاطر ما نحن مقبلون عليه جرّاء مصالح الدّول الكبرى، وتأثيرها اللانسانيّ على شعوب الدّول الفقيرة واستغلالهم، كما أنّ التّنبؤ الحذر والسّليم في الرّواية يدفعك للتّأمل في هذا الكون، ويدفعك للتّساؤل كيف لثلاثة حروف أن تتسع للفوضى والضّجيج، علاوة على التّطور التّكنولوجي الهائل الذي وُجد لخدمة البشر، ثمّ أصبح البشر خدَمًا له؟
حيث أدّى الصّراع والتّنافس اللانسانيّ بين الدّول الكبرى إلى إطلاق قنابل كهرومغناطيسيّة وأخرى جرثوميّة للقضاء على الحياة الالكترونيّة أولًا وعلى الجيل التّكنولوجي بأكمله، وحدث ذلك افتراضيًا من توقّع الكاتبة للبدء بالحديث عن تغيّر الكون الخيالي، وولادة إنسانٍ جديدٍ بعد قرنين من الزّمن على الأرض، وعودة الحياة البرّية البسيطة بحيث يصبح هذا العصر الذي نعيشه بكلّ نعيمه وبؤسه غير موجود إلّا بالكتب وذاكرة الرّوبوتات النّادرة.
وتبدأ الحبكة عند ظهور الرّوبوت “تشاكي 2000” في إحدى كهوف القرية، والذي نجا من الحرب الباردة الالكترونيّة عن طريق قيام صاحبه بتخبئته في الكهف قبيل الحرب، والرّوبوت تشاكي هو الذي يخبر سامي أحد أبطال الرواية ومن معه عن معلومات وجوده، ووجود حضارة تكنولوجيّة هائلة كانت، وهي التي نعيشها اليوم.
رجوع الإنسان للحياة البرّية قد يُشعرك باليأس، وفي بعض الأحيان يُشعرك أنّ هذا التّجدد إن حصل سيعيد النّقاء الطبيعي للأرض، لكن الحاجة ستدفع الإنسان لرحلة البحث من جديد، عن منافذ لحياةٍ سهلة أكثر وملوّثة أكثر! وسيرجع ليكتشف الكهرباء من جديد، ووسائل المواصلات ووسائل التّواصل المسموعة والمرئيّة، ومن ثمّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ الالكترونيّ…إلخ، الرّحلة طويلة وشاقّة على البشر لكنّهم هو المتسبّبون الأوائل في إحداث خللٍ في الكون من تصرفاتهم اللامسؤولة واللاإنسانيّة.
أجمل ما في الرّواية الرّسائل القيّمة التي تندفع من بين السّطور، منها مثلًا:
– بدل من قيام البشر بالمحافظة على إنسانيّتهم ومسؤوليّتهم أمام الكون العظيم في ظلّ التّقدم الهائل والسّريع للتّكنولوجيا، توغّلوا أكثر في إيذاء أنفسهم وإيذاء الكون!
– أهميّة القراءة حيث هي من جعلت سامي يكتشف حقيقة تشاكي وعالم الرّوبوتات من خلال مكتبة بغداد الذي اكتشفها مع صديقه فارس تحت الأرض.. فبعد اندثار كلّ العالم الالكترونيّ، بقيت الكتب التي وضعت تحت الأرض لإفادة الأجيال القادمة.
– أهمية الكتابة والتّدوين والتي ساعدت سامي وصديقه لاكتشاف الكثير من الحقائق، حيث كانت الحقيقة مدوّنة في مقال بعنوان “الثّورة الجديدة في عالم الرّوبوتات” لكاتبة تدعى “نورا أمجد” مجرّد مقال أزال بقعة العتمة في ذهن سامي، فلا تقلّل من أهميّة الكتابة والتّدوين، معلومة واحدة ربّما تكون بسيطة في اعتقادك لكنّها حتمًا ستفيد الجيل القادم ولو كان بعيدًا.
– توثيق المعلومات وتاريخ الحضارات في غاية الأهميّة، ففي أيّ لحظة ممكن أن ترحل هذه الحياة الالكترونيّة والتّكنولوجيّة التي نعيشها، ونعود للورقة والقلم، لذلك على المؤسسات الثّقافيّة الضّخمة حول العالم العمل على توثيق الموسوعات المتنوّعة في علم العلوم والأدب والسّياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات، وتأمينها تحت الأرض للأجيال القادمة، وهذه ليست مزحة إنّما ضرورة يجب أن يعيها أصحاب القرار للمحافظة على العلم المكتوب، فهو إرثٌ حقيقيّ، والورق لطالما كان أكثر عمرًا من وحدات التّخزين الالكترونيّة.
– البشر ظلموا أنفسهم، فانقلب النّعيم إلى دمار في الأرض، لأنّهم فقدوا الحكمة في المحافظة على الإنسانيّة، وفقدوا الوفاء للأرض التي قدمت لهم كلّ شيء، وفرّطوا بالعلم الذي جعل حياتهم أفضل، واستنزفوا الاختراعات والابتكارات التّكنولوجيّة والإلكترونيّة، وعاثوا بالأرض الفساد، فكان العقاب قاسيًا بِمحقِ كلّ شيء والعودة لنقطة الصّفر!
“لم يكن مُجرّد هِبّو” بالفعل لم يكن هِبّو مجرّد روبوت عادي، إنّما كان يحمل ذكاءً خاصًّا، وكان وفيًّا لسيّده الإنسان، حيث صُمّم أن يحمل وفاء الكلب وحكمة الإنسان، بحيث قام بصناعة وبرمجة تشاكي، وهِبّو هو ذاته الذي سافر لكوكب الأرض2 في المجرّة الكونيّة الخامسة عشر والتي تمّ اكتشافها في شهر مارس عام 2230. حيث أجمع حينها أصحاب القرار أن لا فائدة من انتقال البشر للأرض2، حتّى وإن كانوا من الأغنياء وعلى استعداد لدفع تكلفة نقل الشّخص الواحد منهم مليون دولار! وعليه قرّروا نقل الرّوبوتات فقط لأنّها تخدم مصالح الدّول الكبرى في حين استثنوا البشر لأنّهم من دمّروا الأرض وجعلوها تختنق من التّلوث والسّلوكيات اللاأخلاقيّة واللاإنسانيّة والمعادية للطبيعة النّقيّة.
أليس هذا دافعًا يدعوك للتّفكر في تصرفاتك وتصويبها بشكلٍ فرديّ أولًا ومن ثمّ مجتمعيّ للمحافظة على هذا الكوكب الذي يختنق رويدًا رويدًا؟
وإليكم نبذة مختصرة عن الرّواية مع ابني نيشان عمرو/ الصف الثالث/ المدرسة التركية الأساسية.
دار الفاروق للثّقافة والنّشر 2020