شخصية زبيدة في رواية ( التقينا في بروكسل ) عبد الزهرة عمارة
د. مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي
إن النقد المعاصر ينظر إلى الشخصية بوصفها كائنا مصنوعا باللغة من صنع خيال المؤلف , لا وجود واقعي له خارج النص الأدبي , لان الأدب لا يوجد شيء خارج اللغة , وعليه فالشخصية في السرد- كما يرى تودوروف- هي قضية لسانية لا وجود لها خارج الكلمات , ومهما كانت درجة مطابقتها للواقع , فهي لا تعدو- كما يرى بارت- أن تكون كائنا من ورق , وأحيانا أخرى تكون الشخصية واقعية ,وسيرة ذاتية عن حياة السارد الذي ينقل تفاصيل حياته, ويدخلها في روايته كما في رواية (والتقينا في بروكسل ) والتي تعد شخصية ( زبيدة ) بوصفها العنصر السردي الأكثر أهمية في العمل الروائي بكل أشكاله ,وأنماطه عند ( عبد الزهرة عمارة ) , ولاسيما في القص السيكولوجي الذي تستقطب فيه الشخصية الأضواء, والاهتمام كله على حساب العناصر السردية الأخرى , ذلك لان العمل الروائي هو عبارة عن الأعمال التي تقوم بها تلك الشخصية/ (زبيدة ), وان النص الذي يصور الأحداث من دون فاعلها هو اقرب إلى كينونة الخبر منه إلى كينونة الرواية, وعلى الرغم من أيمان اغلب النقاد بمكانة هذا العنصر في البناء السردي , إلا أنهم اختلفوا حول ماهيته وطريقة النظر إليه, وأهميته ,أما النقاد والروائيون الواقعيون فقد أولوا هذا العنصر السردي اهتماما بالغا لافتا للنظر , إلى حد اعتقدوا معه أن وظيفة عناصر السرد كلها هي إضاءة هذا العنصر/ اعني الشخصية ,والكشف عنه في العمل السردي , استطاع الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) تسليط الضوء على ابرز شخصية من شخصياته الرئيسة في روايته ( والتقينا في بروكسل ) , وهي شخصية (زبيدة ) التي تبحث عن ذاتها ,وتسير في الرواية كلها , فنراه يقول : زبيدة هي الابنة الوحيدة للعميد سلطان مدير سجن أبو غريب المركزي وتمتلك من صفاته الشخصية القوية المزيد لكن لبها طيب عكس أبيها القاسي والصارم على السجناء ورجال الشرطة ورغم قساوة وصرامة أبيها أمام السجناء لكنه يقف أمام زبيدة بالرجل الحاني والطيب والذي يلبي طلباتها من شدة حبه لها ,أراد الروائي (عبد الزهرة عمارة ) من روايته أن تكون مرآة للمجتمع العراقي المتطور ,والمتحضر, بكل ديانته وأطيافه في العراق ورفع قيمة شخصيته الروائية _ ( زبيدة ) التي هي – بحسب تصوره- نسخة طبق الأصل من السارد, أو شبيهة بشخصية السارد العراقي الثائر, والموجودة في الواقع ,إذ جعل شخصيته الروائية تختزل مميزات الطبقة الاجتماعية الفقيرة , كما صار اختفاء الشخصية الروائية في العمل الروائي نظيرا لاختفاء دور الفرد في المجتمع العراقي , فنراه يقول : لكن زبيدة حاليا انتقلت إلى بلجيكا – لماذا ؟ أحداث الطائفية بين الشيعة والسنة جعلتها تهاجر وخصوصا بعد مقتل زوجها و0 وقاطعتها أميرة تقولين زبيدة متزوجة نعم لكنها الآن أرملة لان زوجها قتل وهل لديها أطفال ؟ نعم ولد واحد , أن شخصية (زبيده ) في رواية (التقينا في بروكسل ) شخصية حقيقة ,وواقعية ,وهي تعبر عن وجهة نظر الراوي العليم , فمن خلالها عالج الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) الكثير من القضايا الاجتماعية ,والسياسية,والنفسية المهمة ,وجمعت بين الماضي, والحاضر من خلال المكان الأليف بغداد عاش الروائي أجمل لحظاته , واعتمد على ذاكرته في استرجاع الإحداث فهي رواية تاريخية بامتياز لأنه أراد الكتابة عن مدينته, وبلده العراق, ما جرت فيه من إحداث تاريخية من الحرب الإيرانية إلى غزو الكويت, واحتلال العراق من الامريكين , فهي رواية ملحمية جامعة فضلا عن إدخاله تقنيات حداثوية , وتحدث فيها الروائي (عبد الزهرة عمارة ) عن مختلف الأطياف , والديانات ,فهي عراق مصغر في منطقة واحدة ,وإذا كانت الرواية لا تقوم إلا على أحداث فان الإحداث لا تجري دون شخصيات,والشخصية هي الإنسان الذي يستخدم رمزا لشخصية إنسانية,لغاية من الغايات,وشخصية كل إنسان تتألف من عناصر أساسية هي: بيئته,ومولده,ومظهره العام,وسلوكه,وطعامه,ومنامه, وحبه,وكرهه,وما شابهها, ومن منا لم يعجب,وهو يقرأ رواية (والتقينا في بروكسل ) على قدر من الجودة,كيف استطاع الروائي( عبد الزهرة عمارة ) أن يبث الروح في شخصياته,ويمنحها خصائصها المميزة على غفلة من قرائه,بحيث لا يستطيع المرء أن يحدد بسهولة أين,ومتى منحت الشخصية صفاتها المحددة,ورسختها في الذهن, فشخصية (زبيدة) حقيقة , وهو صاحب مشروع, ومن خلال الحوار بين الشخصيتين العسكري , وزبيدة يضيف السارد الروح إلى الشخصية فنراه يقول : وجها لوجه مع العسكري الذي تفاجأ بالموقف وارتبك في بداية الأمر لكن زبيدة بادرته قائلة – لا تقلق أنا ابنة العميد أريد أن اعرف حكايتك ولماذا أبي سجنك هنا ؟ – الحمد لله – تكلم ماهي ؟ وبدا يتكلم ودموعه تنهمر على خديه وزبيدة تصغي إليه حتى انتهى من نهاية الحكاية قالت له بأسى اطمأن أبي سيعمل كل ما في وسعه من اجل تنفيذ ما وعدك به وأنا سأكون شاهد على ذلك – اشكرك0 إن شخصية ( زبيدة) هي بمنزلة محور تتجسد المعاني فيه والأفكار التي تحيا بالأشخاص أو تحيا بها الأشخاص وسط مجموعة القيم الإنسانية التي يظهر فيها الوعي الفردي متفاعلا مع الوعي العام في مظهر من مظاهر التفاعل بحسب ما يهدف إليه الروائي ( عبد الزهرة عمارة) في نظرته للقيم,والمعايير الإنسانية,والشخصيات أيضا تجسد القيم على اختلاف أنواعها في المجتمع,وتدل عليها,وتعمل على تفهمنا لها في إطار الإبداع الفني, وحديثنا عن الشخصية في العمل الروائي يجرنا إلى الحديث عن ثلاثة نشاطات في التحليل الأدبي,النشاط الأول هو أن نحاول أن نفهم طبيعتها ,ونفسيتها,وخفاياها الشخصية في العمل الروائي,والنشاط الثاني أن نحاول فهم الأساليب الفنية التي يتبعها الروائي,والطرق التي يسلكها لعرض الشخصية وخلقها,وتصويرها في العمل الروائي لإقناع القارئ بحقيقتها,والنشاط الثالث هو أننا بوصفنا قراء مهتمون بمدى صدق هذه الشخصية وبمدى أيماننا بان الروائي قدم شخصية يمكن أن نقتنع بها,ونصدق بوجودها,والنشاط الأخير يعني بالضرورة الحكم على الشخصية الروائية من خلال العمل, كوحدة متكاملة,وكيفية نجاح الروائي (عبد الزهرة عمارة ) أو إخفاقه في تصوير شخوصه ضمن إطار العمل الروائي, فنراه يقول : واستدعى قاضي التحقيق المرأة زبيدة إلى مكتبه وهاله ما رأى رأى جمالا طاغيا وحسنا باهرا بحلق القاضي بوجهها وغاب في طيات حسنها المتناهي وتبادر إلى ذهنه انه من المستحيل أن يكون هذا الجمال والحسن قاتلا لكنه تدارك الموقف وعاد إلى رشده حتى سألها وبسرعة عن اسمها وسكنها ثم صدمها قائلا – لماذا قتلت السيدة أميرة 0يتحدث الروائي (عبد الزهرة عمارة) عن توثيقه الشخصي ,لجرائم القتل والاغتصاب في العراق , هي الصورة الوثائقية التي أخرجها من مكتبة عمره , ونقلها على الورق إن هذا النوع من الكتابات أقرب أشكال الكتابة التاريخية إلى الواقع لأنها لا تؤمن ولا للحظة واحدة بالكتابة الموضوعية , وكل من يتحدث عن الموضوعية إنما يسعى لوضع قناع عن ذاتيته في ما يكتب وما يقرر , ليست الموضوعية إلا خداع بصر وذرا للرماد في العيون , ويجب إن نخرج من هذه الكذبة الكبيرة,إذن كانت شخصية السارد قد تحولت من الموضوعية إلى الذاتية من خلال السرد الذاتي تتجسد من خلال تحول السرد من السرد الموضوعي , إلى السرد الذاتي , وبلغة أدبية رقيقة,ورفيعة المستوى تدل دلالة واضحة على حسرة الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) على ما أصاب العراق , ومدينة العمارة/ بغداد المظلومة المضطهدة ,واهم ما يميز الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) في روايته ( والتقينا في بروكسل ) اعتمده على تقنية الفلاش باك من خلال استرجاع ذاكرته للإحداث السياسية, والاجتماعية التي عاشها في التسعينيات وما بعدها , وممارسة النقد اللاذع للمحتلين, وأصحاب الدين المزيف , فضلا عن تشتت الرواية لتعطي صورة واضحة ,وواقعية عن تشتت البلد , والصراعات الطائفية فيه , أكد على بعض الشخصيات المحورية الساردة للأحداث لكي تثبت تاريخ العراق, وأخيرا نقول انه تميز أسلوبه بالجدية, فضلا عن ثنائية العتمة, والأمل المشرق والبهجة كانت رواية تاريخية وسيرية رائعة.