لاجئوا العالم من المنفى إلى الكَبَد
عفاف عمورة | برلين
لم تتوقف حالات النزوح والهجرة والتهجير المنظّم من العديد من دول العالم هروباً من الحروب والمنازعات الدامية ،والمجاعات والفقر. هؤلاء هربوا وما يزالوا يهربون من أشباح الموت المحيط بهم، متطلعين إلى حالة الاستقرار والأمان عبر شواطئ البحار والمحيطات، لكن معظمهم انتهى بهم المطاف في قاع البحار وصاروا طعاماً للأسماك، فهؤلاء لم يجدو حتى مقابر تليق بضم أجسادهم المنهكة، كما لم يجدوا من يشيّعهم أو يبكي عليهم. هؤلاء هم بؤساء العصر في الألفية الثالثة من التاريخ الميلادي. الذي فرض علينا تسمية هذا العصر بعصر المهاجرين دون أدنى مبالغة. ففي عام 2020 م بلغ عدد المهاجرين نحو 282 مليوناً ومثلوا نسبة وصلت إلى 3،6% من سكان العالم .
فقد كشف أحدث التقارير التي أصدرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وهي منظمة عالمية تكرس عملها لإنقاذ الأرواح وحماية الحقوق وبناء مستقبل أفضل للاجئين والمجتمعات النازحة قسراً تبين عدد الذين قضوا غرقاً في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي أكثر من ثلاثة آلاف شخص في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا في العام الماضي 2021 م
في هذا السياق طالبت التقارير بتحرك دولي عاجل لمنع فقدان أرواح المزيد من اللاجئين والمهرّجين والمهاجرين الساعين للوصول إلى القارة الأوروبية. إن المتابع لمراحل رحلات المهاجرين ومعرفة الحالات المرعبة التي واجهتهم من أجل الوصول إلى أوروبا، وحالات الموت التي كانت تواجه الكثيرين منهم فإنها بقيت تزداد يوماً بعد يوم دون توقف. كل ذلك لم تتمكن أي دولة من وقف تلك الهجرات المتلاحقة . فهم يهربون من أرض الموت التي تشهد كل أشكال الرعب والخوف إلى أرض الأمان والاستقرار.
في بداية الأحداث الساخنة التي جرت وتجري في أوكرانيا هرب ملايين الأوكرانيين من البلاد التي كانت مقراً للاستقرار والأمان إلى معظم دول العالم طلباً للأمن والأمان .
وحسب العديد من الدراسات التي بحثت في مجال الهجرة الحديثة، ومعطيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد بيّنت أنَّ التحركات البشرية وانتقالها من بلدانها إلى بلدان أخرة تدفعها عوامل قسرية، تتمثل في زيادة حجم الكوارث والجائحات والتحديات الاقتصادية وحالة الفقر المدقع أو الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية المدمرة. جملةهذه العوامل واستتباعاتها إضافة إلى تأثيرات سوء الإدارات الحكومية والجهوية والفساد المستشري ما تزال موجودة وتتفاقم بشكلٍ غير مقبول وتدفع بالمزيد من الأشخاص إلى الهروب من بلادهم.
والموت الأبدي ليس هو المصير الوحيد الذي يواجه المهجَّرين والمهاجرين، إذ إنَّ هناك الكثير من المحظوظين تمكنوا من عبور البحار والمحيطات ووصلوا الجدار الأوروبي واخترقوه في أوقات وظروف مختلفة، ولاقوا استقبالاً لائقاً وإقامةً آمنة،فيها طمأنينة واستقرار، وتحققت أحلامهم في النزوح والهجرة. إلا أن آخرين كانوا أقل حظاً من غيرهم لأنهم واجهوا مصيراً مبهماً ومجهولاً حتى بعد وصولهم أحياء إلى الشواطئ الأوروبية المترامية الأطراف بين البحر والمحيط .معظم التقارير الصادرة عن المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان الناشطة في مجال إنقاذ المهجّرين والمهاجرين : إنَّ من حالفه الحظ ونجى من أخطار البحر وأهواله ووصل إلى أوروبا لا يعني نهاية القلق وعدم الاستقرار بالنسبة لهم. لأنهم يقعون ضحايا ولقمة سائغة للمهربين وقطّاع الطرق والسماسرة لسلسة مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان، وهي انتهاكات خطيرة، وحين يصلون إلى المدن يخضعون للاحتجاز التعسفي المطول ، ويعجزون عن الحصول على الرعاية الصحية الجسدية والعقلية بالسرعة الممكنة والرعاية الكافية، والغذاء والسكن اللائق.والمبرر هو وصول عشرات الآلاف من المهجّرين والنازحين في مدة زمنية قصيرة.والإدارات المختصة برعاية اللاجئين تحتاج إلى كوادر وإمكانيات ضخمة وغير مؤهلة لاستقبال هذه الأعداد الهائلة .
وكل ذلك قد يشكل مطالب بسيطة وهامشية بالنسبة للخطط والبرامج الأكثر مرارً عندما تقرر الحكومات الأوروبية ودوائرها ومؤسساساتها إغلاق أبوابها أمامهم، ورفض منحهم حق اللجوء الذي يتيح لهم حق الحياة الكريمة والعمل حسب دساتير بلادهم . وفي المقابل تقدم الحكومات الأوروبية لهؤلاء اللاجئين خيارات إعادتهم إلى بلدانهم التي فروا منها للأسباب التي ذكرناها آنفاً، أو حجزهم في معسكرات ومعازل وكامبات بشرية نائية. وهي استراتيجيات وخطط وقرارات مخالفة تماماً لإعلان نيويورك الموقَّع في عام 2016 م الذي يدعو إلى حفظ كرامة المهاجر ودعمه وتعزيز فرصه في البقاء في الحياة الإنسانية الكريمة.