حرب أوكرانيا وروسيا وحقيقة التضخم فزاعة الشعوب!

د. سحر الشافعي |القاهرة

التضخم النقدي ظاهرة لابد منها لبلد في دور نمو اقتصادي، ولكن يجب أن لا يكون هذا التضخم مصدرا لعسر اقتصادي أو لضائقة مالية. فالتضخم النقدي مشكلة طالما أتعبت الحكومات وهددت کیاناتها، وهو على الغالب يحدث بسبب سياسة مالية تتبعها الحكومات كصرف المبالغ الهائلة على المشاريع المختلفة التي لا تؤتي ثمارها الا بعــــد زمن طويل. فاذا استمرت الحكومة في صرفها المبالغ الضخمة فستجد نفسها بعد حين غير قادرة على السير في هذه السياسة التضخمية لمحدودية دخلها، وهنا تجد نفسها مضطرة لان تفرض ضرائب عالية على أكثر المواطنين انتاجا ، وفي هذا ما فيه من قتل للرغبة في الاستثمار .

وحيث أن ارتفاع معدل التضخم أمر مخيف للمستثمرين لأن التضخم يعني نقصا فعليا في قيمة أموالهم المرتبطة بذلك الاستثمار، وكذلك قلة قيمة العوائد التي ينتظرونها من استثماراتهم. فالبدائل أمام المستثمر عديدة، وعندما يختار أحدها فإنه يربط أمواله السائلة بها، ومن ثم تعود له أمواله وهي أقل قيمة مما كانت عليه، وكان من الأفضل له لو صرفها في مشتريات أخرى، لكان حصل على بضائع ذات قيمة، فلو أنه اشترى فيها سلعا معمرة أو سلعة متشربة لعامل التضخم كالأراضي والعقار لكان ذلك أفضل له. فلو أن إنسانا استثمر أمواله في سندات تقدم له ربحا مقداره 7% سنويا، وكان معدل التضخم هو 4% فإن ذلك يعني أن ربحه قد انخفض، وأصبح مقداره 3% فقط.

وما أن ترى الدولة أن هذه السياسة النقدية لا تأتي بثمرة جيدة حتى تتخذ بعض العلاجات النقدية الاخرى كتخفيض العملة أو إصدار نقود جديدة ، ولكن كلا العلاجين لا طائل تحتهما إذا لم يصاحبهما زيادة في السلع والخدمات في السوق بحيث تعادل الزيادة في النقد المتداول، إذ بدون توفر السلع والخدمات يجد المواطنون النقود الكثيرة ولكنهم في الوقت ذاته لا يجدون سلعا وخدمات كافية يبتاعونها، وبالتبعية ترتفع الاسعار لهذه المواد وهذا لا شك يكون مبعثا لزيادة مصروفات الدولة من الأجور والمرتبات وبذا ينمو عجزها المالي، فتلجأ ثانية الى اصدار أوراق نقدية جديدة وتزيد الضرائب على المواطنين، وهكذا يدرك المواطنون أن الجنيه المدخر مثلا يعني نصف جنيه في حالة التضخم، وهذا معناه انخفاض دخل المواطنين وتوقفهم عن الادخار أو الاستثمار والانتاج ، لأنه ما من مواطن يستطيع شراء السلع الانتاجية ما لم يحصل على رأس مال جديد، وما لم يدرك أن هناك أرباحا تنتظره بعد عملية الانتاج. وكيف له بذلك وقد وجد أن القسم الاعظم من الارباح قد نفد أما بخسارة أو بواسطة الضرائب العالية، فيستمر الانحطاط في الانتاج ، ويبدأ التدهور العام في اقتصاديات الدولة.

ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا تتجه الأمور بوتيرة متسارعة من سيء إلى أسوا أو مروع. قد شهدت أسعار المواد الغذائية والوقود ارتفاعًا حادا ، إذ تعد روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين للعديد من السلع الأساسية بما في ذلك الغاز والنفط والفحم والأسمدة والقمح والذرة والزيوت النباتية. وتعتمد العديد من الاقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا اعتماداً شبه كامل على روسيا وأوكرانيا للحصول على وارداتها من القمح. وفيما يتعلق بالبلدان الأقل دخلاً، قد يؤدي اضطراب الإمدادات، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، إلى زيادة التعرض لخطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي. وقد يتسبب اضطراب سلاسل الإمداد في تفاقم الضغوط التي تنجم عن التضخم على نطاق واسع.

أما فيما يتعلق بالكثير من الأسر في جميع أنحاء العالم، فإن ارتفاع معدلات التضخم يشكل تحدياً كبيراً. فالأسعار المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى تآكل قيمة الأجور والمدخرات الحقيقية، مما يجعل الأسر أكثر فقراً. إلا أن الشعور بهذه الآثار يتفاوت من فئة إلى أخرى: حيث تكون الأسر منخفضة ومتوسطة أكثر عرضة لمخاطر ارتفاع معدلات التضخم من الأسر الأكثر ثراءً. ويعكس هذا الأمر تركيبة دخلهم، وما لديهم من ممتلكات، وأنواع سلة سلعهم الاستهلاكية. وعلى الرغم من ذلك، قد يكون تأثير التضخم على الأسر الأشد فقراً التي تعيش تحت خط الفقر العالمي غير مباشر على نحو أقل. ويُعزى ذلك الأمر إلى أن الأسر الأشد فقراً لديها حد أدنى من الدخل من الأجور، أو الممتلكات. وهي تعتمد في العادة على الدخل غير النقدي – مثل الزراعة التي تحقق حد الكفاف، أو المقايضة – التي قد تكون أقل عرضة لمخاطر التضخم.

وفى النهاية يعتبر التضخم واحداً من أهم مؤشرات الوضع الاقتصادي والمؤثرات به. وهو مثله مثل أي حالة اقتصادية,لايعتبر بالضرورة حالة مرضية إلا بعد أن يتجاوز حدوده. وبالعكس أيضاً لا يعتبر انخفاض معدلات التضخم وثباته على معدلات متدنية حالة صحية بالضرورة، والمعروف أن التضخم عرض وليس مرض هو مؤشر لحقائق قد تكون ايجابية وقد تكون سلبية وبالتالي فإن السيطرة على التضخم قبل أن يصل مستوى الخطورة رهن بأسبابه..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى