قراءة في نص جوزيف برسكيفا: زرافات الليل الحزين تغني

عيد اللطيف بن صغير | المغرب

قصيدة يغلب عليها الرمز ويطبق على ملامح دلالتها فحاولت أن أقرأها بإحساس جوزيف الشاعر الذي كتبها وقد تمرست نوعا ما على الغوص في ملامح قصائده واقتربت نوعا ما من شخصيته الإنسانية المرهفة جدا المتفاعلة مع ملامح الحياة والكون بطريقة حساسة جدا فهو إنسان ينفعل بجزيآت ملامح حقيقة الحياة ويصفها في قصائده بطريقة مؤثرة وانفعالية هادئة هدوءا غريبا فهيجان الواقع يقابله الشاعر بسكينة وسكون مثير حتى أن ملامح ثورته على الواقع الصادم لا تظهر على حروفه بل هو يؤثر في القارئ دون أن يدخله في حالة من التوثر هي ثورة السكون وليس السكوت؛ لنرجع إلى القصيدة التي بين أيدينا ونحاول الدخول إلى دلالتها المشبعة بالرمز

زرافات الليل الحزين تغنّي
ولطول اعناقها لم تنحنِ
تنظر للأعالي تجهد البحث
عن ثمار لتجدها فوق الفننِ
زرافات الليل الحزين تغني هو مشهد رآه الشاعر وعاينه إلا أنه رآه بعين شاعر ووصفه على لسان شاعر هوكان في حديقة ليلا ورأى زرافات والليل حزين والزرافات تغني هي أحاسيس نقلنا الشاعر إليها انتابتني مشاعر ليل حزين وزرافات تغني تنظر للأعالي تجهد البحث عن ثمار تجدها فوق الفنن مشهد طبيعي ومنطقي فالزرافات لطول أعناقها تبحث عن قوتها فوق الأشجار
ومن البعيد نباح الكلاب
يتبعه عواء لتلك الذئاب
ثم يسمع الشاعر صوت ذئاب وكلاب وربما دخلنا إلى عوالم الرمز فالكلاب وفية والذئاب مفترسة وكاسرة آكلة لحوم
وبين ليل توشح بالسراب
وقمر يحجبه ظلام السحاب
ليل توشح يالسواد وهو حزن مطبق وقمر رمز للأمل والحياة إلا أن ظلام السحاب يحجبه فالغالب هو القتامة والحزن والحلكة ثم كلاب وذئاب وقمر يحجبه سواد سحاب
يلوح من بعيد خيال منهك
يحمل احزان قهر الزمنِ
صوته اجش بصفيره الخشنِ
يشعل لفافة تبغ رخيص
يفوح من دخانها نسمة عفنِ
وقع اقدام متهالكة تطل
كأزيز نحل جاء بالطننِ
ثم يظهر حارس الحديقة وهو شخص منهك مثقل بهموم الزمن يدخن سيجارة رخيصة الثمن رائحتها عفنة وهنا يدخل بنا الشاعر إلى قمة الرمز وذروته فشموخ الزرافات بطول أعناقها تحاول أن تجد ثمارا لتستمر حياتها وتجد حلا لمعضلة الموت جوعا تجد نفسها أمام حارس منهك لا يستطيع حتى الوقوف على رجليه أنهكه الجوع والفقر
وفي ظلام الحديقة تحملق
تلك الزرافات بالمشهد المضني
أحارس الحديقة اتي اليها
وللتو بها سوف يعتني
ام نراه عابر ضل سبيله
فترنح في سيره من المحنِ
وساد صمت بتلك الحديقة
والزرافات تبحث عن الحقيقة
وبين شباك الظلمة والعتمة
ادركت الزرافات الحكمة
بان رأسها لن يظل بالقمة
ولا بد لها لبرهة ان تنحني
كي لا تسيء بالناس الظنِ
وهنا سندخل إلى صلب المعنى ومحاولة القبض على دلالة القصيدة فالزرافات بدأت تتساأل هل جاء الحارس ليطعمها أم هو عابر ضل سبيله ففضلت الزرافات أن لا تسيء الظن بالحارس وبأنه فعلا أتى ليطعمها وسينحني رأسها لتأكل ما سيقدمه الحارس إلا أن العكس حصل
فاذا بالحارس جاء بقربها
ليلقي لمقعد جسده الوهنِ
زرافات الليل الحزين تغني
وستنحني لبرهة ستنحني
الحارس استلقى بجسمه المتعب والمتهالك فوق مقعد وبالتالي لم يقدم شيئا للزرافات ولم تنحن الزرافات إلا لبرهة وستستمر في بحثها عن قوتها ورأسها مرتفع فوق أعالي الأشجار فقد خاب ظنها في الحارس إنه مشهد شعري رسمه الشاعر داخل الرمز إنه عالم الشاعر الكبير جوزيف برسكيفا وقد ترك للقارئ حرية تأويل هذا المشهد المغرق في الرومانسية والرمز وشهية طيبة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى