فكر

ذبابة مايو والحيتان وفلسفة الموت

د. محمد السيد السكي | روائي وكاتب مصري واستشاري تحاليل طبية

ربما تجد نفسك مجبراً على صراع حميدٍ مع ذبابة عاثت فساداً في مطعمك، تتحرك بغريزتها لإشباع متطلبات نفسها وإدراك مايبقيها على ظهر الحياة.

ياترى ماهي حالتك وأوليات ضجرك لو علمت أن تلك الذبابة ربما تكون ذبابة مايو التي لاتعيش سوي أربعة وعشرين ساعة فقط؟.
أتساءل هل تعرف تلك الذبابة أنها ستموت بعض ساعات معدودة ومع ذلك يحركها وعيها الغريزي طلباً للحياة؟!.
أم هي لا تعرف أنها لن ترى مرة أخرى ذلك الصراع مع ذلك الرجل الذي لم يتغير فيه سوى لون ثوبه؟!.
طبيعة الاختلاف المسيطرة على الإنسان ونفسه وأحواله قد تجعله يتخبط ملتفاً حول الحقائق النسبية له إلا أنه لا يمكنه إنكار أنه سيموت.
لن تجد إنساناً ينكر الموت إلا مجنوناً..فالكل يعيش في صراع نكد قبيح الملامح لإدراك متاع حياة هش تتهاوى من حوله أنفس ودمعات وأحزان.
إن مبدأ الصراع يستدعي المنقصة والحسرة والحزن والحرمان على حساب كل لحظة فرح ونيل واستحواز..
ما أقبحه من مضمار سباق لا يتوج فيه الفائز إلا على حساب ألف خاسر.
قد تحسب أن أفعالك هي التي تحدد أحوالك متناسياً دوائر التأثير عليك من شتى صنوف قيود جذورك وأوراقك.
نعم؛ فكسل والدك سيجعلك محروماً لسنين وجيناته الوراثية تجعلك مريضا مهرولاً وراء الطبيب دون أن تدرك الشفاء.
ترث والدك في ماله وترثه في مرضه ويئن هو لحزنك ويتعب من أجلك لتكون أنت امتداداً لعمره ومتسعاً لضيق عمله.
إن هندسة الحياة تلك تفور حقيقة الزوال والمحدودية من حروفها المهندمة لمحبيها الغافلين.
فوران يعمى عنه الغافل ويراه كل بصير ألقى السمع وهو شهيد .
انزع منك غلك وارم ثوب سباق أعياك بداء الظلم وسيشقيك عندما تلقى الله العدل الحكيم.
مهندس الحياة يشتاق لأن تخلع رداء الوله بحياة تشتاق أرضها وسماءها لأن تضحك وتتوقف بكاءً من أنين المحتاج وأصحاب الحزن والحرمان والضيق.
لم تمنع الساعات القليلة ذبابة مايو من أن تتصارع لإدراك غرضها من الحياة كما أن آلاف السنين التي تعيشها الحيتان لم تمنعها من أن تشتاق للانتحار!
ربما تجهل الحيتان أنها معمرة لآلاف السنين شأنها شأن أسماك القرش !.
تعددية صور الحياة والتي تلهث جميعها وراء قطار واحد ذو مظهر واحد مكتوب عليه كلنا نحرص على الحياة لهي خير دليل على وجود المنظم الحكيم.
ولتكن على يقين أن غضب الله يتسرب للكون حسرة عليك وعلى من في الأرض وأن رضاه تستنشقه أنت سعادة ومن في الأرض.
طالما تربع مفهوم الإشباع بقمته في داخل النفس البشرية فلن ترى ضحكات أطفال أفريقيا الجياع !
وطالما تسابق الجميع متباهين محاولين دائماً اعتلاء تلالٍ وأهرام التسلسل الاجتماعي الخبيث فلن تستنشق جمال أمطار العدل في الأرض.
ستدرك بهاء وجهك المطير ببهاء رضا الله حينما تلقاه ويشع في وجهك معنى”سلام قولاً من رب رحيم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى