لماذا أرسم؟

دنيا عبد الله | رسامة تشكيلية – العراق – أربيل

منذ الخليقة وأنا أنسكب مثل دمعة أم فقدتْ ابنها الوحيد بلحظةٍ غادرة . أنسكب شعورياً على ورقة الرسم حتى تعُشب فيه. فالرسم دائما يبعدني عن الواقع ويجعلني أسافر بخيالي بدون تذاكر ولا عوائق ..

أقضي أغلب أوقاتي في محاولة الرسم، وهكذا بدأت موهبتي تبرز وبدا عليها بعض الغموض الإبداعي المستلهم من وحي الخيال.

دائمًا كنت أردد سؤالي اليومي لنفسي: لماذا أرسم ؟

تستطيع الكاميرا تصوير كل شيء في لحظة .. أيضاً هناك الكثير مِن من رسم قبلي  لذا أغوص في الخيال وأبحث عن شي ما خطر على بال أحد وهذا سِر تميّز رسماتي.

أحد أولى المشاكل التي كانت لديّ في بداية مشروعي هي الأدوات، الفرش تحديدًا. في ذلك الوقت لم أقم بتنظيفها جيدًا. وقمت باستخدامها حتى بعدما أصبحت غير صالحة للرسم. لم أكن على علم بوجود فرش صغيرة الحجم أيضًا .. فكنت أقوم بصناعتها بنفس متمردة، وأزرار روح محلّقة.

لم يكن ناجحًا، حاولت الرسم بها ولم أفلح، فالتفاصيل الصغيرة صَعبَ عليّ الأمر، لذلك تركت الكثير منها غير مكتملة، ولفترات طويلة .. كما لو أنها عجوز تركت على الرصيف وليس لها بيت للإحتواء.

كنت أعول عليها في بعض الأحيان أعود لرسم جزء بسيط، ثم لا أرتضيه فأدع الأمر .. وهكذا استمر الحال لسنوات ..طويلة

أحيانًا أجلس مع نفسي، وأضع رأسي بين ركبتي وألقي على نفسي بالكثير من اللوم. أدركت لمَ ينعتني الآخرون بالخمول،

لطالما كنت أزعج أمي بطلباتي التي هي فوق قدرة عائلتي. عشت طفولة صعبة بين بيئة ريفية فلم أدرس سوى الصف الأول الابتدائي، عام واحد فقط. لكنه العام الذي أدخلني عالم الرسم .. به تعرفت على القلم والورقة. 

بعد أن تعرفت جيدًا .. “اكتبي عنوانًا لكل لوحة” تقول لي أمي. حتى لا تنسي ذاتكِ بين طيات الورق.

وهكذا بدأ الحال .. رسمت الأنمي، وجعلت اسمًا لكل شخصية، وضعت عنوانًا لكل لوحة وحتى اليوم أضع عنواناً لكل لوحة بالرغم من عدم قبولي هذا أول الأمر.

أرسم في اليوم ما بين الرسمتين إلى خمس. واليوم الذي لا أستطيع فيه فعل ذلك لسبب ما، أستيقظ في اليوم الذي يليه، أبدأ، وقبل الإفطار بالورقة والقلم، وأرسم كما لو أنني صائمة منذ سنين، متعطشة لماء لوحاتي هذه.

تعلمت أخطائي به دون دروس ولا علم مسبق. فقط وثقت بخيالي، ثقة عظيمة وثقتها به.

مررت بأوقات فكرت فيها أن أدع الرسم، للأبد. كان ذلك بسبب الكثير من الظروف، وبسبب قولهم على الأخص أن ديني “الإسلام” يُحرم هذا. لكنه ما إن يأتِ لنا الشتاء وتبلغني رائحة الأرض بعد المطر والألوان في الطبيعة، حتى تتجدد كما لو أنها لوحة، فأخرج مستلزمات الرسم، وأعود .. بمشاعر أشبه ما تكون بأيامٍ بيكاسوية زرقاء بلا معطف.

أذكر حينما كنت صغيرة، أتخيل نفسي بعد سنوات، أكبر في العمر وفي الرسم .. أذهب إلى باريس ولندن، أفتتح المعارض، وأجاور فيها كبار فناني الرسم.

 كنت أتخيل هذا وأنا في الشوارع لا أملك غير قلم واحد حجم طوله لا يتجاوز 3 سم. وأغفو،

أرى بأحلامي أنني أمتلك جناحين .. فأطير بالسماء، وأكمش النجوم.

ها أنا الفتاة التي لم تكمل دراستها شاركت بـ ٨ معارض وافتتحت معرضي الخاص في 2006 بدعم من الحكومة دون أن أمتلك شهادة.

حققت هذا الحلم، ولكنني حتى الآن، أكمن في بداياتي، إذ أنني لم استطع الاستمرار بسبب الحياة وظروفها القلقة. ولكنني أرسم، فقط كشيء لا استطيع التخلي عنه.

وبالرغم من أنني كردية ولم اكمل الدراسة، اهتممت بالقراءة، وتعلمت العربية من خلال متابعة التلفاز والراديو والكتب .. وقرأت بعض الروايات العربية كذلك. تعلمت واستمتعت بالأمر، وأنا الآن اقرأ وأكتب باللغتين العربية والكردية ولي محاولات في تعلم الإنجليزية

لست معروفة حتى على مستوى إقليم كردستان، لكنني أحاول الظهور على ساحة الفنّ، لازلت ألاحق حُلمي الشائب لافتتاح معرضي الخاص قريبًا، في أربيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى