هل ستختفي اللوحة الفنية التقليدية ؟!!
الفنان الفلسطيني عبد الهادي شلا | كندا
و نحن نستقبل كل يوم الجديد من الاكتشافات التي تفوق التصور وما خطرت ببال أحد من الأجيال البعيدة السابقة نتذكر اؤلئك الذين جربوا وأخفقوا كما نتذكر اؤلئك الذين لم يكلوا أو يتعبوا من التجريب والاجتهاد لتحقيق معادلات لظواهر مرت في خيالهم وأخرى شاهدوها بأم عيونهم وكانوا غير قادرين على تفسيرها ،لا نجد إلا أن ننحني لهم ونعترف بجرأتهم وإقدامهم على عالم مجهول لا يعرفون عنه إلا اليسير وهم على يقين بأن وراء كل ظاهرة سـِرٌ أكبر من تصورهم الذي دائما يردونه إلى قوى خارقة إلا أن خيالاتهم في حدود إمكانياتهم كانت تسعفهم بصور عمموها على الأخرين فصارت عالما لافكاك من سطوته.
هكذا بدأت الخليقة تتشكل بصورتها الحياتية بعد أن منح الله نبيه “آدم” المعرفة والأسماء كلها والتي لم يُعلِّمها حتى الملائكة فحملها أبناؤه جيلا بعد جيل مرورا بكل التبدلات الطبيعية.
كانت دائما تأتي الرسالات السماوية تدعم وتؤكد على أن هذه القدرات الكبيرة التي عجز عن تفسيرها الإنسان وراءها قوة أعظم بكثير من كل تصور وخيال “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” ،وتبقى هذه الآية الكريمة فاعلة وقائمة حتى قيام الساعة ،وسيبقى الإنسان لاهثا وراء ما يجود به تصوره وتخيله دون أن يلحق بكل مضمونها ولو تكالب الأمم كلها على أن تصل إلى هذه المضامين فسوف تعجز لأن الله أحكم قوله فيها.
سيبقى البشر في بحث دائم عن تفسير أسرار الحياة والخليقة لأن كل نتيجة يصلون إليها تُمهد لسؤال أخر يجعلهم معلقين بين التصديق والوهم بأن وصلوا إلى ما يبحثون عنه ليجدوا نفسه في طريق رُسـِمت تفاصيله وأُحكمت أبوابه على حد محدود لا يمكن تجاوزه لأن صاحب القدرة قد وضع له الصورة الكبيرة التي تُعجز الإنسان عن تجاوزها لغرض أراد به الله أن يُتم نعمته على ما خلق من إنسان ونبات وحيوان . فكلما توصل الإنسان فيها إلى نتيجة وحدد العلاقة بينها وجد نفسه لايزال يدور داخل الحلقة التي تتسع لأن العلاقة التي تتحكم في هذا الفعل لها خطوط لا يمكن تجاوزها قبل أن يتحقق بعض منها يأخذ بيد الإنسان إلى المستوى الأعلى،وهكذا تبقى الحياة سلسلة تصورات وخيالات لكنها لايمكن أن تفلت من فلك الطبيعة التي تحددت معالمها واحتفظت بأسرارها بقدرة قادر.
ما وصلنا حتى الآن يبشر بعالم جديد ذلك أن وباء”كورونا” الذي اجتاح العالم صار بحكم التاريخ الجديد الذي يرافق التقويم التقليدي و قد لمسنا أسلوب حياة جديدة و صرنا جزءا منه برضانا أو مرغمين،ولكن الأكثر تأثيرا هو ما خلـَّفه هذا الوباء من نتائج انعكست على سلوك البشر في عموم الكرة الأرضية بأن صارت التقنيات تحتل مساحات أوسع في كل ما يمكن أن يتحقق بها.
ولا يخفى علينا أن هذه التقنيات قد تغلغلت في كل مسارات الإبداع بدءا من الكتابة التي احتل فيها “الكيبورد” مكان الورقة والقلم،وكذلك برامج الرسم التي قللت من تواجد الفرشاة واللون في بعض الأعمال التشكيلية وخاصة “المُلصق” لأن نتائجها أكثر إتقانا وأيسر وأسرع ولا يمكن أن ننسى بأن الأفلام السينمائية منذ ما يزيد عن قرن تستخدم التقنيات في الخدع السينمائية.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن.. هل سيسود عالم التقنيات ويرسم لنا الفنان لوحاته باستخدام برامجها بدلا عن قماش الرسم والألوان التقليدية من زيت ومائية أو أقلام وغيرها؟
إن تحقق هذا وترسخت أركانه مع تراكم الانتاج التقني ولا يجد الفنان لنفسه مكانة في ذاك الزمان القادم و اختفت اللوحة التقليدية ،هل سيتم ترحيل هذه الأعمال الفنية من لوحات و مجسمات إلى المتاحف و تتحول إلى آثار يمكن للسائح دراستها والتأمل فيها كما نفعل اليوم مع أثار الأمم السابقة ثم يأتي من يتحقق منها ويثير أسئلة قد يراها ساذجة؟!.