الفنان التشكيلي سعيد حجي يكسر التقاليد المعتادة في افتتاح معرضه
على غير تقاليد افتتاح المعارض، في الأروقة الفنية، اختار الفنان التشكيلي سعيد حجي أن يفتتح معرضه المقام برواق الفهد، ابتداء من 19 يناير الجاري، بلقاء مفتوح مع زوار المعرض، من أصدقاء، وإعلاميين، وفنانين، وجامعيين، ومهتمين.
وبذلك يكسر تقليدا تعود عليه زوار الأروقة الفنية: كتالوغ، حفل شاي، مشاهدة اللوحات، ومحادثات هنا وهناك… ثم ينفض الجمع في الأخير.
أطَّر اللقاء، القاص والناقد السينمائي مبارك حسني، والفنان التشكيلي والناقد الجمالي كمال مصطفى، والكاتب والإعلامي محمد معتصم.
في ورقة الناقد حسني، ثمن في مستهلها فكرة إضفاء البعد الثقافي والفني على المعرض، حتى لا يظل مجرد افتتاح وكفى. وبصفته قريبا جدا من المنجز الفني والإبداعي، فهو يؤكد أن أعمال الفنان حاجي استطاعت أن تضع لها موطئ قدم، في المشهد الفني وطنيا، كما أنها اخترقت فضاءات في الشرق وأوروبا والبرازيل بأمريكا اللاتينية.
يقول الناقد حسني إن الفنان حاجي كان منتجا خلال زمن كورونا (20 لوحة ما بين 2020-2022) وكل هذه الأعمال وما قبلها، تتناظم داخل تجربة شخصية فردية، حولها إلى تجربة نفسية، فتحت له أفقا رحبا: تجربة الفن والذاكرة أو الحق في الذاكرة. والتجربة السجنية حاضرة بشكل لافت في أعماله، عبر عناصر مختلفة:
-الكرسي: برمزيته الانتظارية والقاسية؛
-الجدران: بوصفها حدا عنيفا للحرية؛
-العناكب: بمشيرها الضاغط الماسح؛
ورغم ما توحي به هذه العناصر من نزوع إلى الانعزال، فإننا نلمس، يقول الناقد حسني، توقا إلى النور، في صباغته المتغيرة. فرغم قساوة موضوع لوحات الفنان حاجي، فإنها لا تنأى عن الجميل.
ورغبة منه إثارة نقاش وتفاعل بين الحضور، طرح الناقد حسني أسئلة كبرى، حول المشهد التشكيلي حاليا:
-لمن نبدع؟
-هل أثر رحيل الرواد، مثل المليحي، بلكاهية، الميلودي، أمزيان…على الحركة الفنية برمزيتهم المؤسسة، في تاريخ الفن المغربي؟
-ما مدى قدرة الأجيال المتعاقبة، على إدامة هذه الحركية، وتوطينها؟
-كيف نقنع الآخر بالفن واللافن؟
-أية علاقة بين أصحاب الأروقة والمجتمع والناقد؟
وفي مداخلة الناقد الجمالي، كمال مصطفى عمد إلى تصنيف تجربة الفنان سعيد ضمن الاتجاه الواقعي التاريخي. كما اعتبر أن أعماله مؤطرة بالتاريخ المغربي منذ السبعينيات(تجربة السجن بالمغرب، انتفاضة الخبز…).لوحته في حد ذاتها، توثق لعنف سلطوي سواء كان مصدره دينيا أو سياسيا. أعماله تختزل المخيال الاجتماعي المغربي، وتتصادى مع قضايا الصراع الفلسطيني واللبناني.
وحلل عناصر اللوحة عند الفنان حاجي:
-الكرسي: بمضمونه الداخلي، بتعدد ألوانه، أصفر…وأشكال مختلفة: انحناء؛
-أحجاماللوحات متقاربة (المجال الذي تتحرك فيه سلطة محددة)؛
-الشخص متحرك (هو سعيد ذاته) باحثا عن خلاص.
أما ورقة الكاتب والإعلامي، محمد معتصم، فأرادها أن تكون مفتوحة ليترك هوامش للتدخل. واعتبر في بدايتها أن مشروع الفنان حاجي حداثي في الفن، يحترم فنه وذاته، يقيم معارضه بصيغة المفرد في رهان على خصوصية العمل. ففي مبادرته اجتهاد لفتح نقاش مع الإعلامي والناقد والجمهور العادي البسيط، وبذلك يضفي معنى جديدا على مفهوم المعرض، ويستعرض الكاتب جملة من المظاهر لهذا الاجتهاد: المزاوجة بين الشعر والتشكيل( مع الشاعر إدريس الملياني، ومع شواعر أخريات نعيمة فنينو، ليلى بارع، إلهام زويرق، نوال شريف). ونبه الإعلامي معتصم أنه لا سبيل لتبريز اللوحة، والتعريف بها وترويجهاإلا بتضافرية، من إعلاميين، وأصحاب الأروقة، ونقاد الفن، والمتلقي العادي… كما أنه لا سبيل لإشاعة الفن في حياتنا، إلا بالتربية على الفن وإشاعته، بدأ من الأسلاك التعليمية الأولى وصولا إلى الجامعة.
في حواره مع الفنان حاجي، في محترفه، كشف الكاتب معتصم، ضمن مشروعه، في محراب التشكيل، عن عشق هذا الفنان للأغنية الغيوانية أثناء اشتغاله في مرسمه. مشيرا أنه قدم مشروعا حول التجربة الغيوانية لوزارة الثقافة، لكنه لم يحظ بدعم منها. وذكر الإعلامي معتصم بهشاشة وضعية الفنان، ومعاناته في زمن الحجر الصحي، وضياع حقوقه كما ينص عليها المكتب المغربي لحقوق المؤلف رقم 66/10 الخاص بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
أثار الحضور تفاعلا مع هذه الأوراق المقدمة، وما عقبها من تعليقات من طرف الفنان سعيد حاجي، عددا من الملاحظات من بينها: ضعف الثقافة الفنية والبصرية، واختفاء بعض قاعات العرض(الواسطي، فنيس كادر، المنار…)، وتقاعس الإعلام الفني، وخفوت النقد الفني، الذي لا يعدو أن يكون مجرد مبادرات فردية، فالنقاد الجماليون يعدون على أصابع اليد الواحدة، وبعضهم فقد مصداقيته لتهافتهم على الماديات، وإيلاء العناية بتكوين مؤطري التربية التشكيلية، وانتقاء المتخصصين لمزاولة هذه المادة في المدرسة المغربية
إن الراصد الفهيم للمنجز حاجي يقف على التحولات الآتية:
-القرب من الجمهور( لقاء مع جمهور الرجاء البيضاوي)؛
-تصور جديد لوظائف الرواق والمعرض وأدواره؛
-الانفتاح على السينما أو انفتاح السينما على كتابته؛ (تحويل روايته ذاكرة فينق، إلى فيلم سينمائي من إخراج عبد الكريم الدرقاوي)؛
-مشروع فني ثقافي حول مجموعة ناس الغيوان (منذ 2018) وستدعمه البرازيل؛
-تحول في لون الكرسي من اللون الرمادي إلى ألوان مبتهجة؛
-التجربة الشعرية النسائية المصاحبة لأعمال حاجي؛
الوفاء لمشروعه حتى اضحى الكرسي ذات موضوعا وذاتا موقعة تحل محل التوقيع المتعارف عليه؛
-الثبات على الانتصار للقيمة الفنية، وليس التجارية كما تسوق لها الأيادي القذرة؛
-تعزيز مبادرات المزاوجة بين التشكيل والشعر.
أعد التغطية: محمد معطسيم