مقال

غباء

عبقرية الخذلان وعظمة التخلي كل مرة بتهزِّني

د. أسماء السيد سامح

رغم اختلاف أسباب فشل العلاقات عموما، فغالبا بيبقى فيه قاسم مشترك أكبر بينها، هو بلا منازع: الغباء.. غباء الرغبة في الحيازة والنوال قبل الأوان، غباء الاستسلام للظروف والخوف من بُكره.. غباء عدم اليقين والتأرجح والعشم في فرص تانية مش هتيجي أبدًا!

كل يوم الإنسان بيثبت إنه لا يستحق هبة السعادة، هو جيد فقط في الشقاء واجتلاب المحنة كمغناطيس، ولما بيلاقي تنتوفة سعادة جاية له في الطريق، بيجري بالمشوار عشان يبوظ كل حاجة!

من زمان -وبشكل شخصي- فقدت إيماني بالبشر، وحُسن إدارتهم لمواردهم: القلب والعقل، وكل تجربة أقول مش هندهش، مش هتخض، لكن عبقرية الخذلان وعظمة التخلي كل مرة بتهزِّني، وتخوِّفني، وتفكّرني بكل أشباحي وعفاريتي، وإن كانت بتفسَّر لي ليه الحجر والجبال والجمادات رفضوا خلافة الأرض، والإنسان اتشملل وقال أنا أشيل: لأنه غبي، وما بيعرفش يقدَّر إمكاناته في مواجهة الأشياء والظروف، لكن المصيبة إنه مش عارف ده، ومتصوَّر إنه قادر يعمل كل حاجة في وقت واحد: يحب ويجرح ويسيب ويرجع ويخذل تاني ويفارق ويلعب ويتنطط ويعرف وينكر ويرجع تالت وعاشر ومليون، وكل مرة هيبقى قادر يصلَّح كل حاجة، ويدير دفة الأمور لصالحه، كل مرة هيبرر ويداوي ويلعب بالتلات ورقات ويلغي الطرف التاني ويحقق اللي هو بس شايفه، لكنه بيكتشف –بالطريقة الأصعب على الإطلاق- إنه واهم، وأهبل، وإن اللي راح مش بيرجع، ولو رجع عمره ما بيكون بنفس بهاءه الأول وعفويته.

لكن ما حدش بيتعلّم، ما حدش بيحس بوجع غيره، وكلنا لما بتجلنا لنا الفرصة بنجرح ونخون ونغزل ضفيرة جديدة في سجادة الألم الكونية المهولة.. كلنا بلا استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى