الدمُّ أصدقُ ما صاغوا و ما كتبوا…
نور الدين اللباد-شاعر ودبلوماسي سوري
الدمُّ أصدقُ ما صاغوا و ما كتبوا
والنارُ أفصحُ في التعبيرِ و اللّهبَُ
والمجدُ يجثو أمامَ الدمِّ منحنياً
و الموتُ يخرسُ مشدوهاً و يرتعبُ
و السيفُ أصدقُ إنْباءً إذا كذبَتْ
كلُّ النبوءاتِ و الأبراجِ و الكتبُ
و أشفق الحال آياتٌ نلوذُ بها
إذا غرقنا و موجُ البحرِ يضطربُ
أقوى من الشعرِ أفواهٌ تمجُّ دَمَا ً
و حنجراتٌ يباري صوتها الغضبُ
العذرُ منكَ أبا تمّام تسألني
إنّي سأروي ، ولا تسألني ما السببُ
هذي بلادكَ يا طائيُّ قد سُبيَتْ
أمامَ عيني و خيلُ الفُرْسِ تقتربُ
هذي دمشقُ بني مروانَ قد ذُبِحتْ
و الذابحُ المسخُ قوّادٌ و مستلبُ
وحمصُ خالدَ ، خَصيٌ راح يحرقها
و قد غُدرْنا و شقّتْ ثوبها حلبُ
ماذا أقولُ أبا تمّام َ عن مُدنٍ
تناهبتها كلابُ الروسِ و الشغبُ
قبورُ أهلكَ يا طائيُّ قد دُنسَتْ
في أرضِ(جاسمَ) فاشتدت بها النُوَبُ
( حبيبُ ) أقبلتُ من حوران يلطمني
خوفٌ و ليلٌ و تشريدٌ و مغتَصبُ
ماذا سأروي أبا تمّام َ عن بلدٍ
حُكّامه ُ في أيادي الفُرْس ِ تُستلبُ
جاءوا بكلّ دياثاتِ الخنا زُمَراً
من كلّ فَجٍّ أتى مسترزقٌ جَرِبُ
هذي القِواداتُ أخنافٌ بلا شرفٍ
ما هَمّهمْ غير ما سرقوا و ما نهبوا
فآيةُ الدنسِ الشيطانِ آيتُهُمْ
( و آيةُ اللهِ قد خُصّتْ بها العربُ)
يستأسدون َ على شعبٍ و تبصرهم
مثل الأرانبِ قدّام َ العِدا هربوا
خمسون عاماً و لم تطلقْ مدافعهم
يوماً و لم يستفقْ في رأسهم غضبُ
خمسون َ عاماً و قد صدئتْ بنادقهمْ
خمسون َ عاماً رُبَا الجولانِ ترتقبُ
خمسونَ عاماً و اسرائيلُ تُشبعُهم
ذلاًّ و قد سُرقَ الزيتونُ و العِنَبُ
ما لاحَ في الأُفْقِ هارونٌ و معتصمٌ
و لم تَلُحْ في السمواتِ العُلا شُهُبُ
إلاّ لصوصٌ مخانيثٌ يساندهمْ
رومٌ و فُرْسٌ فلا أصلٌ و لا نسبُ
( حبيبُ ) صاحتْ ” بعمّوريةَ” امرأةٌ
فلبّى صوتَ النداءِ جحفلٌ لَجِبُ
فانهارَ سَدٌّ بجيشِ البغي و اندحرتْ
كلّ السرايا و علجُ الرومِ ينسحبُ
و اليومَ تُسبى بعزِّ النورِ ماجدةٌ
و الدمُّ يُهدرُ و الأرزاقُ تُنتَهبُ
(حبيبُ ) تعلمُ مَن يسبي حرائرنا ؟
مَن يدّعي أنّه ُ رأسٌ و مُنتخبُ
( حبيب )ُ ما دامَ في الشفتين أسئلةٌ
أعيت جواباً و دمعُ العينِ ينسكبُ
كانت بلادي لجمعِ الغيمِ راحلةً
واليومَ يزأرُ في أوصالها الحطبُ
كانت دمشقُ تبثُّ النورَ مؤتلقاً
على التخومِ فيبدو كفّها التَرِبُ
أمَّ العواصمِ في عينيكِ أغنيتي
للحالمينَ و إنْ أضناهمُ التعبُ
إنّي أرى في تخومِ الغيمِ بارقةً
غداً ستمطرُ من ارعادها السُحُبُ
إنّا سنرجعُ يا طائيُّ قاطبةً
فإنَّ ليلَ الدُجى لا بُدَّ ينسحبُ.