الاقتصاد العراقي والاستدامة المالية
عبد الجبار نوري | كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
توطئة: من خلال سفرتي السياحية لدولة الإمارات العربية لصيف 2020 كان للأعلام الحكومي بارزا ونشيطاً وبسبق صحفي في تغطية الحدث العلمي المدجن “معرض أكسيو” 2020 تحت شعار(تواصل العقول) وجدتُ ثمة فرصة ثمينة للاطلاع على النهضة التنموية لدولة عربية بتجربتها العلمية للنهوض بالواقع الاقتصادي بأستثمار عقول عربية وأجنبية بتطبيق منصة معرض أكسيو 2020 ، فهومنطلق أقتصادي تعبوي استثماري أساسهُ الاستدامة المالية بفوائده الجمة والوفيرة في تطوير الاقتصاد ودعم الموازنات المستقبلية، إضافة حصول الدولة على فرصة الاختيار عند الاستدانة لتغطية العجز المالي، إلى جانب فوز الدولة بثقة الأسواق العالمية لقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، ويمكن للدولة التوسع في الإنفاق على المشاريع الاستراتيجية الكبيرة، وظهور الابتكارات للبحث عن البدائل للحلول التقليدية .
الموضوع:مصطلح الأستدامة المالية Financial Sustainabilityأو الحكومية هو أحد المصطلحات المستخدمة في السياسات المالية ، أو إنهُ الحالة المالية التي تكون فيها الدولة قادرة على الاستمرارفي سياسات الإنفاق والإيرادات المتاحة الحالية على المدى البعيد دون خفض برمجتها المالية المستقبلية لجميع ملاءاتها، أو التعرض للإفلاس، أو عدم الوفاء بالتزاماتها المالية المستقبلية، وهو كذلك مصطلح بيئي يصف كيف تبقى النظم الحيوية متنوعة ومنتجة مع مرور الوقت، ومن ضمنها الاستدامة للنوع البشري التي هي القدرة على حفظ نوعية الحياة التي نعيشها على المدى المستقبلي البعيد وهذا بدوره يعتمد على حفظ العالم الطبيعي، والاستخدام الأمثل والمسؤول للموارد الطبيعية، لقد أصبح مصطلح: الاستدامة “واسع النطاق والمجال ويمكن تطبيقهُ تقريباً على كل وجه من أوجه الحياة عى الأرض بدءاً من المستوى المحلي ألى المستوى العالمي وعلى مدى فترات زمنية مختلفة، وهناك فارق بين الأستدامة المالية والتنمية المستدامة حيث تشير الأخيرة ألى تحقيق نمو أقتصادي مع مراعاة أبعادٍ بيئية تضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية وعدم أهدارها وتزداد لتشمل مراعاة أبعادٍ اجتماعية في توفير الفرص لمحدودي الدخل، والذي دفع الدول إلى تطبيق الاستدامة المالية هو: التداعيات الكارثية للأزمات الأقتصادية الدورية في العالم الرأسمالي، والارتفاع المضطرد في حجم التكاليف المالية اللازمة للإنتاج على المدى البعيد والمستقبلي الطويل، والتغيير الديموغرافي والمناخي الذي أصاب كوكبنا جراء الاحتباس الحراري، وزيادة الموارد الاقتصادية واستغلالها استغلالاً سيئاً من قبل الشركات العابرة للقارات والحدود، لذا أصبحت الحاجة ماسةً في استخدام مصطلح الاستدامة منذ ثمانينيات القرن العشرين ليأخذ بعداً عالمياً حيث عرفتهُ مفوضية الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في 20 آذار 1987 أعلنت أهمية التنمية المستدامة :
1- لكونها تفي باحتياجات الوقت الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة في تلبية احتياجاتها الخاصة .
2- الاستدامة المالية تدفع الدولة إلى التوازن بين الملائة المالية في الإنفاق والإيرادات .
3- والاستدامة المالية تعني امتلاك الدولة القدرة المالية أي امتلاكها الأدوات التي تعطيها القدرة المالية الداخلية في امتلاك مصادر توليد الدخل مثل الاستثمار وبيع السلع والخدمات .
4- وبالأستدامة المالية تصل الدولة ألى الحالة الصحية لأقتصاد الدولة بوجوب أمتلاك ميزانيتها خمسة روافد أو مصادر على الأقل في تغذية موجودات البنك المركزي للدولة بنسبة 60% .
5- وبالاستدامة المالية تزداد الدولة خبرةً في موضوع (المعرفة التسويقية) Marketing Know
لقد تدهورت أستدامة الموارد المالية في العراق منذ سنة 2014 ومستمرة حالياً وهي الفترة التي تلت الأزمة المالية للعالم في 2008 وأستمر ظهور العجز في الميزانية حتى وصلت إلى رقم كارثي بتجاوزه 111 مليار دولار وخُفض الرقم إلى 37 مليار دولار بعد شطب المانحين في نادي باريس لتلك الديون، مما دفعت الحكومة أن تنحو باتجاه الاستدانة الخارجية والوقوع في مصيدة صندوق النقد الدولي وشروطها الظالمة، ولهذه الصدمة الاقتصادية من أسباب: أهمها الاقتصاد الريعي الذي دفع العراق للارتماء في سياسة الاستيراد من جميع الأبواب العالمية، واضمحلال أو موت الصناعات الداخلية، وفشل الدولة في السيطرة على المنافذ الحدودية، والفساد الإداري والمالي، وهبوط سعر البرميل النفطي، والحرب الاستنزافية المرعبة في نزيف دموي ومالي جراء حرب التحرير للأرض العراقية من الوباء الداعشي، وظهور تداعياتها الثقيلة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والمؤلم منها تراجع ثقة الأسواق العالمية بقدرة الحكومة العراقية على الوفاء بالتزاماتها والتي أدت إلى توقف الدائنين عن أقراضها أو رفع معدلات الفائدة على قروضها إلى مستوياتٍ عالية ووضع شروط مشددة .
في نهاية هذا العام 2017 وانتصارات جيشنا الباسل على الفلول الإرهابية وطردها من كامل أرض العراق واستعادة الاقتصاد العراقي (عافيتهُ) في 16- أكتوبر 2017 باستعادته مدينة كركوك المختلف عليها بما فيها خط التصدير وأكثر من 18 بئرا نفطيا وجميع الأراضي المختلف عليها في سهل نينوى وجميع المنافذ الحدودية ورفدت مواردها المالية لخزينة الدولة، وجاء ارتفاع سعر البرميل من النفط الخام إلى 64 دولارا وهو ضخ جديد لصالح الخزينة المركزية أيضاً، وهذه البشائر والانتصارات عززت مكانة العراق بين دول العالم واستعادت هيبتها وسيادتها ومكانتها الاقتصادية فالفرصة متاحة أمام الحكومة الاتحادية وبالاستعانة بخبرائنا الاقتصاديين في تطبيق (الاستدامة المالية) في كونترول وضبط موازنة البلاد لمحورين الإنفاق والإيرادات والتي تعكس مستوى نجاح السياسات المالية العامة للدولة، وهي جرعة ثقة للقطاع الخاص للاستثمار، والاستدامة المالية (حصانة) للدولة من التأثر بالأزمات الأقتصادية، وكذلك هي علاج لتراجع الإيرادات الضريبية بسبب الركود الاقتصادي، وبالاستدامة المالية تتجنب الدولة من الاستدانة أوالتخفيف منها، ويمكن حماية الاقتصاد العراقي من هزات تذبذب أسعار البترول، ومن العجوزات المالية، وعدم اللجوء ألى الديون الداخلية والخارجية التي ترهق الأقتصاد العراقي .
الطريقة السليمة لتطبيق “الاستدامة المالية ” تكون بهذه الخطوات :
1- معالجة الإيرادات الغير نفطية وإخضاعها للاستثمار وإعادة الحياة بالمتوقف منها .
2- اتباع القواعد المالية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي باستنساخ النماذج الاقتصادية المتبعة في بعض دول العالم الغير نفطية .
3- تعزيز سياسات كفاءة الإنفاق العام، وتفعيل برامج الإصلاح الضريبي والسيطرة على المنافذ الحدودية وجميع المطارات بما فيها مطارات الإقاليم ومطار النجف .
4- مكافحة الفساد المالي والإداري والضرب بيد من حديد وهو مطلب جماهيري منذ ستة سنوات وكذلك هي إرادة المرجعية الدينية .
5- ولتحقيق الاستدامة المالية يجب إعادة النظر في البنك المركزي العراقي بتجديد طاقمه ورئيسه بخبراء اقتصاديين ذوي كفاءات مشهودة والمراقبة الشديدة على كارثة تبييض الأموال ومزادات العملة الصعبة أو حتى إلغائها نظراً لترابط العجوزات المالية وموجودات العملة الصعبة وكميات الذهب كغطاء مالي التي ترقى إلى عصب حياتي لمستقبل الأجيال .
6- وتتاح فرص واسعة في تأطير الاقتصاد العراقي بمصطلح الاستدامة في دعم رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة في الدولة العراقية ورفع مستوياتها الإنتاجية لتصبح قادرة على تقديم منتجاتها ذات نوعية أفضل .