هل تعرفون” بدوي الجبل” ؟!….

د. درغام السفان-طبيب نفسي سوري

التقيتُ” بأحمد” منذ سنينٍ طويلة في المدينة الجامعية في” المزّة”،.. كنا جميعا في نفس السن تقريبا في سنتنا الأولى من الجامعة، كان احمد من “اللاذقية” ويتشارك الغرفة مع أربعة طلاب جميعهم من” دير الزور”..أما أنا فقد كنت أسكن في غرفة ثانية مع أربعة طلاب جميعهم من حماة …!!….وكثيرا ماكنت أتردّد على أصدقائي من أبناء مدينتي، فيحُزّ في نفسي، حين أرى الفتى “أحمد” منزوياً في سريره ،قلما يبادلنا الحديث، استفسرتُ يوما عن سرِّ ذلك، فأجابوني إن احمد لايفهم على لهجتنا، وعلى عاداتنا، وهو يبحث عن غرفة أخرى، يتشارك فيها السكن مع أبناء بلده ….
في أحد الأيام ..سألني أحدهم عن أخباري مع فتاة كانت تدرس اللغة العربية.. وكنت أهيم بها حبّاً عذرياً ..وألحَّ آخرُ… أن أسمعهم بعض أشعاري فيها .. فطاوعتهم ..حتى إذا انتهيتُ …بادرني أحمد بالحديث على غير عادته، و كان يصغي باهتمام واضح …إنها قصيدة حَسَنة يادرغام ..من الجميل أنك تكتب الشعر ..مع أنك تدرس الطب …قلت له: شكرا ياصديقي… وأنت يبدو أن لك اهتماماً بالأدب، مع أنك تدرس الهندسة ..
قال لي في الحقيقة أنا أتذوّق الشعر فقط ..ولكن جَدّي يكتب الشعر ..قلت له مستغرباً : جَدُّك….؟وهل تحفظ نماذجَ من شعر جدك هذا ..هل له شعر مطبوع .؟
.قال نعم.. ربما سمعتَ به…جدي هو” بدوي الجبل” …!!
بُهِتَ الحاضرون مثلي ..وتبادلنا النظرات بدهشةٍ ..بين مصدّق ومكذّب…. ارتبك أحمد قليلا، ثم
سأَلَنا بكل براءةٍ…:هل حقا تعرفون بدوي الجبل …..؟!
عندئذٍ لم نتمالك أنفسنا…. وانفجرنا بالضحك جميعاً …وضحك أحمد معنا …حتى جدران الغرفة كانت ترتَجُّ من الضحك…..!

في اليوم الثاني صدر مرسوم في الغرفة بإعفاء احمد من دوره في جَلْيِ الصحون…. إذ كان يتضايق من ذلك دوما…..!
ومن يومها ..لم يعد أحمد يفكر بالانتقال الى غرفة أخرى….
وفي كل مرة أزورهم، يبدأ الهَرْجُ والمَرْج… وينقسم الناس فريقين في التشجيع… حين كنت أتنافس وإياه في لعبة “المُكاسَرة بالأيدي”…. وكان يغلبني دوما ..!
وحين يبدو عليَّ الضِيق ..كان يربّتُ على كتفي بيده العَبْلة ضاحكاً.. مواسياً:…. لاتزعلْ ياصديقي ..ربما سأدعك تغلبني يوما ما …بشرط أن تدعني أغلبك في الشطرنج…..!!

من قصيدة بدوي الجبل الشهيرة(خالقة)

كبرت للطلعة ال!شوى أسبحها

                                أكان دته أم للحسن تكبيري
 يا طفلة  الروح حبات القلوب فدى

                                 ذنب لخسنك عند الله مغفور “
 آ ثامك   الخفرات البيض لو جبلت

                             لطور موسى لند ت ذروة الطور

كأنها أقحوانات منضرة

                               بمخضب عبق الريحان ممطور

لقد هجرت أخاك الفجر وانتبهت

                          شمس الصباح على أنات مهجور

من موطن النور هذا الحسن أعرفه

                              حلو الشمائل قدسي الأسارير

ففي السماء على مطلول زرقتها 

                              أرى مساحب ذيل منك مجرور…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى