زهير بهنام بردى.. ابن النقاء والمحبّة والكلمة البدء والسلام
عبد الرزّاق الربيعي | شاعر وكاتب عراقي/ عُماني
عندما دخلت متحف الأدباء في مبنى الإتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين، في زيارتي الأخيرة لبغداد، لم تفارقني صورة الراحل زهير بهنام بردى التي وقفتْ أمام عيني، فتبادلنا نظرات مدافة بمحبّة متبادلة، كانت صامتة، لكنها نطقت بالكثير، وكأن الصديق يوسف الزبيدي الذي رافقني في تلك الجولة مع وفد النادي الثقافي العماني، والأخوة المسؤولين في الاتحاد، شعر بكمّيّة الألم في روحي، فأخذني بالأحضان، فحدّثني بجمل مبلّلة بالدموع عن الليلة الأخيرة في حياة حبيبنا الراحل، التي أمضاها مع الأصدقاء في الاتحاد، ولم يكن يعلم أنّ عيون” ذئب الموت” حسب تعبير الجواهري، كانت تترصّده، حتى إذا ما عاد إلى الفندق، استفرد به، وانقضّ على قصيدته، وطفولته، واحلامه، في تلك اللحظات استحضرت تواصله معي، عندما زار الدوحة، ليتسلّم ، نيابة عن شقيقه القاص المبدع هيثم بهانام بردى جائزة كتارا للرواية، في دورتها الخامسة في تشرين الأول ٢٠١٩عن رواية (العهد)، وكان يرافقه في الرحلة الصديق القاص وارد بدر السالم الذي قطف الجائزة عن روايته (المخطوفة)، باركتُ للعزيز هيثم الجائزة وحمدت الله لسلامة الوصول، وتمنّيت عليه فتح الخطوة اكثر وصولا لمسقط، ودعم الاقتراح الصديق ناصر أبو عون، فتحمّس كثيرا للزيارة، وكان موعد العودة لبغداد بعيدا، وحين استفسر عن إجراءات دخول أراضي السلطنة، في تلك الأيّام، لم يتمكّن من الحصول على التأشيرة، فضاعتْ تلك الفرصة، وتململ من المكوث أكثر، لعدم وجود ما يفعله في (الدوحة)، لقلّة معارفه فيها، قلت له: كيف تشعر بذلك، واسمك ومنجزك سبقاك إلى الدوحة، فقال:” نحن أنقياء لم نتلوث بما يجعلنا تدبير حالنا، أتعرف لماذا؟ لأننا أبناء المحبة والكلمة البدء والسلام”
فأشرتُ عليه بالتواصل مع الصديقة الشاعرة ضحى الحدّاد، وزوّدته بهاتفها، وتواصل معها، وبالفعل لم تقصر معه، كما عهدناها دوما، إذ احتفت به في “المقهى الثقافي”في أمسية خرج منها بانطباع جميل، غطّى مساحة واسعة في لقائنا الأخير في البصرة أواخر العام الماضي، خلال مشاركتنا بمهرجان المربد الشعري، ولم يفتني أن أقول له في لقاء تمّ بحضور الشاعر الكبير جواد الحطّاب صديقنا المشترك : قصيدتك(مرحبا سرى) التي كتبتها لابنتك الراحلة سرى، لا تفارقني، حتى إنّني أفردتُ لها صفحة في هاتفي النقّال، فاستخرجتها، قرأت له المقطع الأوّل منها:
نظرتُ الى غرفتك
الحجر
كانَ مثقوباً من الحزن
وينقشُ بالدمعِ على ضلعيه أسمك
الغرفةُ منذ سهرٍ طويل دونك
وضعتْ رأسَها على كتفي
وتبكي
مرحباً سرى
كيف كانت السماءُ معك
كما علمتُ من الضوءِ
هي مهتمّةٌ بك كثيرا
كمثلي
فقد وضعتُ دمعاً على
كعكةِ ميلادِ نهارٍ جديد
تقضينه هناك
لستِ معي الآن
أعرفُ أنّك منشغلة
بترتيبِ حياتك الجديدة
وأنت تتنفّسين بعيدا
عن رائحةِ الادوية وألم الجراحة
أنا الآن أجلسُ في مكتبي
أكتبُ قصيدةً جديدة
فقال لي: هذا وجعي الأكبر، وقد تجدّد، ودخل في نوبة حزن شديد، ذلك طفح من كلماته، ونصوصه التي اتشحت بحزن الفقد، ولم يستسلم لحزنه، بل قاومه، ومضى الى الأبعد، وكان يحلم أن تعود ثانية للحياة:
كنت أمنّي نفسي
أن تنهينَ موتَك
بيومٍ واحد
وتعودينَ
لكنّك همستِ
أخافُ لو عدتُ
أنْ أموتَ ثانية..
بعدَ اليوم
سأوقظك بقبلة
وأنا أتذوّقُ الماءَ
من ضريحِك الطري
فعرفت أنه لن يطيل المكوث طويلا، وهاهو ينام بهدئه الذي عرفناه عنه إلى جوار من فقد، مسترخيا في ضريح أكثر طراوة.
لروحك السلام صديقي زهير بهنام بردى